اخبار

تراب غزة والحساسات المستخدمة في الصهيوميتر والبيجزميتر والسفجزميتر !

في مشهدٍ مهيب  يقف مدير الدفاع المدني في غزة أحمد الكحلوت أمام الكاميرا بالكفن الرسمي ، يتحوط الرجلَ فريقُه  بوجوه بيضاء في عتمة مطبقةٍ على جباليا  ، من خلفهم ينتصب مستشفى ناصر الأسطوري مثل قبرٍ ذي شاهد كبير ، يتحدث الرجل مثل كائن فضائي امام عدسة الكاميرا التي تبث المشهد المشوش من أعماق المجرة نحو كوكب الأرض ،  يرسل نداء استغاثة بالهيئات الدولية والمنظمات الأممية ومنظمة الصحة العالمية لأمداد المشفى والناس ببعض المساعدة ، يناشد الرجل الحاضرَ كي يستجيب بعض الماضي أو المستقبل لإيقاف حمام الدم الفلسطيني الهادر ، هل تنادي المجتمع الدولي أم هيئة الأمم المتحدة يا احمد ؟ هل تستصرخ العجم أم العرب وكلاهمــا تآمروا عليك،  لم أتمكن من حبس دمعتي التي لا قيمة لها يا أحمد لأنني أعلم بان صوتك المسجور لن يسمعه أحد في الفضــاء المسحور ، وا أسفي على هذا الزمان  يا أحمد الذي حدث فيه الانفصام بين ملكوت الإنس والجان  وتطايرت أشلاء روحي في الفضاء ، اعذرني لهشاشة قلبي على صيحاتك اليائسة التي يجيبها صفير الريح وعواء القذيفة ، ماذا نحكي يا أحمد والمسافة بيننا وبينك فرسخ أو إثنان  ، أنتم في الدَرَك الأعلى وانفصلت بانغايا عن غزة التي أبحرت في الماضي وحال بينهما الموج فكانت غزة من الناجين .
أهلا بكم في جباليا ، مدينة الاستعصاء على الصهيونية وعلى شفقة الإنسانية  ، أهلا بكم في  بضعة كيلومترات مربعة حيث الموت بانتظاركم أفقيا وعموديا وتحت الأرض وفوق الأرض ، أهلا بكم في الرقعة الصغيرة حيث تستوي الحياة مع الموت والخوف مع الأمن والطفولة مع الرجولة ووجوه ناضرة مع أخرى ناعمة ، أمعنوا النظر جيدا فيما يسمى بقايا البيوت أو الخيام أو مدارس النازحين وابكوا قليلا على شعب يذوق جحيم الجينوسايد ، اضحكوا كثيرا على مستشفيات تستخدم الماء المالح بدل المعقمات وتجري العمليات على ضوء مصباح جيب وتستخدم الورق بدل الضمادات ويموت الأطفال دون الأكسجين  ، انتصبوا جيدا واعزفوا المارش العسكري واضربوا التحية لشعب يرفض أن يغادر أرضه ويقبل بالموت وسواد المعيشة .
ظهيرة الخميس كنت أقف بباب إحدى الشركات وأهمهم بالدخول ، لكن صرخات غزة وجباليا وصيحات الأمهات تحوم فوقي أينما أذهب أو مهما أفعل ، وقفت دقائق ثم  دخلت  بهدف شراء واحد من تلك الأجهزة الباهظة الكلفة لرسم الذبذبات الكهربائية بدلا من ذلك الذي احترق قلبه على أطفال غزة ، في داخل معرض الشركة حيث الموظف ومدير الشركة يعرفانني جيدا  ، راح الموظف يعرض عَلَيَّ الأصنافَ الجديدة المتقدمة من هذه الأجهزة ، وفيما كنت أناقش الموظف في المواصفات اقترب مني المدير وهمس بصوت حذرِ : هل اطلعت على آخر أجهزة القياس التي وصلتنا ؟ تعال لتلقي نظرة خاطفة وسوف تصدم !

تحركت مع الرجل بفضول  وسحبني إلى غرفة خلفية خاصة واقترب من واجهة عرض زجاجية  تبدو أنها مخصصة لمستوى متخصص من الأجهزة : هذه هي آخر صيحات العلم وأجهزة القياس !
رحت أتامل في هذه الأجهزة  غريبة الشكل وأنا أتوقع بأنها مخصصة لقياس كميات فيزيائية صناعية مثل الضغط والكثافة والعازلية والفولتية …. لكن الرجل قاطع صمتي وقال : حاول أن تحزر ماذا تقيس هذه الأجهزة ؟ اقتربت من واجهة أحد الأجهزة لفهم ما يقيس من خلال لوحة بياناته ولكنني أخفقت .
: – هذه الأجهزة يا سيدي هي آخر الابتكارات الرقمية المذهلة لقياس الوحشية البشرية ، لدينا هنا جهاز لقياس مستوى الصهينة عند أي إنسان ، وهذا الجهاز السمين  اسمه Pigs Meter ،  وذلك ذو اللون الأزرق يمكنه قياس جينات الإجرام أو الخيانة في أي إنسان ، وهذا الجهاز ذو الواجهة الفضية مع المؤشر اسمه Bastard Meter ، والأخير ذو اللون الأصفر هو  Savage Meter   ، يمكنك استخدام أي من هذه الأجهزة مع أي إنسان لقياس هذه المعاملات عنده.
صعقت من عبارات الرجل الذي كان يتكلم بجدية ، فقلت فورا : هل تمزح أم ماذا ؟ لا يمكن قياس أي شيء من هذه الأشياء لأنها غير خاضعة للقياس من أصله ، ثم لا كمية ولا وحدة قياس لها !
: – انت مخطىء يا باش مهندس ، يبدو أنك من الجيل القديم الذي فاته قطار الحداثة ، خذ مثلا جهاز الصهيوميتر هذا ، هل ترى هذا الأنتين الصادر من مقدمته ؟ إنه يرصد مستوى صهيونية الشخص سواء بالمباشر أو غير المباشر ، لقد اكتشف الأمريكيون  بعد سلسلة طويلة من الأبحاث بأن الشخص الصهيوني يرسل من دماغه موجات خاصة خفيفة جدا تميزه عن غيره و ترتبط بمستوى تأييده للحركة الصهيونية و حقده وكرهه للبشرية ومستوى دمويته وقذارته وإجرامه ومدى انتمائه لليهود !.
حدقت بعيون مذهولة وأنا أكاد لا أصدق ما يقول الرجل : يا أبا العبد كيف تقول هذا الكلام ! أنا رجل لا تنطلي عليه مثل هذه العبارات الخارجة عن نطاق كل القوانين والمبادىء العلمية .
: – هل تريد أن أجربه لك حتى تتأكد من صدق كلامي !
: نعم افعل !
استل الرجل الجهاز عن الطاولة وقال بكلمات واثقة : سأريك الان وترى بنفسك ، بداية يجب أن نبرمج الجهاز على مرجع ما ليكون هو العيارة المرجعية في الصهيونية ، فمن تختار لهذه المهمة ؟ اعطني إسم أحقر مخلوق صهيوني تعرفه !
: طبعا هنالك الكثير ولكن لا يوجد كائن أحقر من المدعو بيبي كمرجع في هذا المجال !
قام الرجل فورا بشبك الجهاز بالانترنت وكتب اسم المرجع الصهيوني فظهرت صورته وتم ضغط الموافقة  ليكون عيارة التوزين المحددة : – والان يا سيدي الجهاز مستعد لقياس مستوى صهينة أي إنسان آخر قياسا بالمدعو بيبي ! ….تعال نجربه على شخص من داخل الشركة كمثال ، استدعى الرجل أحد الموظفين وسدد الهوائي نحوه وضغط كبسةً على واجهة المقياس فكانت قراءة الشاشة : 5 ، فسألت المدير تهكما : – ماذا يعني هذا الرقم ؟
: إن الشخص المرجعي له 100 درجة ، الرقم 5 يعني أن الشخص خالٍ من الصهينة وربما لديه بعض الميول السلبية ، لقد جربنا الجهاز على عديد من الأشخاص سرا ،  والرقم الشائع يترواح بين 110  وهو الرقم المعتاد لنا جميعا  ، لكن إذا أردت أن ترى قدرات الجهاز دعنا نعرض  عليه صورة للمجرم بيبي  من إحدى القنوات الفضائية  فهو يعمل حتى من مجرد الصورة.
راح المدير يقلب في محطات الفضائيات على الشاشة الكبيرة المعروضة في المتجر حتى عثر على محطة فضائية غربية  تبث خطابا للمجرم بيبي وهو يلقي كلمة ، وبمجرد أن وجه ابو العبد الجهاز نحوه ، أخذ الجهاز يطلق صوت صافرة عالية وسجلت القراءة 100 .
الحقيقة لا أخفيكم بأنني مصاب بذهول تام لأن هذا الشيء يفوق قدراتي ومعرفتي العلمية ، جَرَّني الفضول فأمسكت الريموت بنفسي وشرعت في تقليب القنوات الفضائية لاختيار شخصية أخرى ، حتى ظهرت صورة رجل دين ملتحي يعتلي المنبر من اولئك اهل الجماعة وعاشقي التصيد في بحر السنة والشيعة والفرز الاسرائيلي ، فورا بدأ الجهاز يطلق صافرته وسجل الرقم 80 ….الله أكبر ! هل يعقل هذا ؟ هل هذا الشيخ يقترب في صهيونيته من المجرم بيبي ؟
زادني الفضول فرحت أبحث في فضائية أخرى حتى ظهرت صورة أحد الرؤساء العرب وهو يلقي موعظةً عن خطورة التصعيد في المنطقة  ويطالب بفتح المعابر ، وجه ابو العبد الجهاز نحوه فكاد الجهاز أن يطق من قوة الصافرة وراحت الشاشة تومض بالأحمر : 1500 !  ، أصبنا بالصعقة جميعا ، هل من المعقول أن أحد الزعماء العرب يفوق نتانياهو في صهيونيته بـ15 ضعفا ؟؟ هل هذا معقول ؟! أكيد أن هذا الجهاز فاشل!
رحنا نقلب على فضائية أخرى فكانت المصادفة أن هنالك اجتماعا لوزراء الخارجية العرب ، كدنا لا نصدق ما نقرأ ! لقد سجل الجهاز الرقم 100000 !  ما هذا يا قوم ؟ هل هذا معقول ! هل لدينا عشرات النتانياهوات في مجرد اجتماع  لوزراء الخارجية ؟
رحت اقلب بعجالة بحثا عن بث مباشر لبلينكن أو بايدن أو كامالا أو ترامب حتى نفهم كيف تسير هذه الدنيا !  قفزت بسرعة بين الشاشات حتى تم اصطياد مؤتمر حي للسيد المهذب بلينكن  وهو في زيارته الأخيرة للمنطقة ، إنه وقت المفاجآت حيث سجل الجهاز 20000 !  هل تصدقون أن هذا الرجل المحترم يفوق نتانياهو بـ 200 مرة في صهيونيته  ؟ هل هذا معقول ؟
لقد خلصت بأننا ظلمنا نتانياهو كثيرا وتجنينا على الرجل بما يفوق الوصف واعتقدنا بأنه أشـــد المجرمين على وجه الأرض !  أعترف لكم بأن هذا الجهاز أفقدني اتزاني واختلطت أسئلة متزاحمة في عقلي وتلاشت قيمة كل دراساتي وشهادتي ، فخاطبت الرجل : كيف أمكن شراء هذه الأجهزة ؟ وهل مسموح لك بيعها ؟ إن هذه الأجهزة قد تتسبب في عمل ثورات واندلاع نيران في العالم كله وستقلب الدنيا رأس على عقب إذا كشفت حقيقة كل هؤلاء الناس ! ما هو مبدأ عمل هذه الأجهزة وكيف تعمل ؟
 : لقد نسيت بان أقول لك بأن كل هذه الأجهزة تعمل فقط بناءا على عينات معدنية تؤتى من تراب غزة ، إن الحقيقة التي اكتشفها الفريق الأمريكي  الذي صمم هذه الأجهزة أن التراب المأخوذ من غزة هو الشيء الوحيد الذي تصنع منه حساسات هذه الأجهزة ، التراب النادر خاصة من جباليا يستخدم في جهاز الصهيوميتر ، رمال الشجاعية  تستخدم في حساس البيجزميتر، تراب خان يونس هو المستخدم في جهاز السفجزميتر ، مستشفى ناصر الخالد ، مستشفى كمال عدوان ، تراب رفح ورمال الشاطىء ، بيت حانون ، تراب تل الهوى المقدس ، هذه المدن التي دخلت التاريخ هي وحدها من صنعت لنا هذه الأجهزة .
كان الله في عون مفاوضي حماس كم أشفق عليكم من الوسطاء وكم كان جهاز أبو العبد سيقيس لو وضع هنالك !
 سوف تستمرون في تدمير جباليا ذات التراب المقدس الذي كشفكم جميعا  وسوف نستمر في الصلاة على الجنازات ، لكن  أنشودة الموت سوف تستمر تطوف فوق جندكم السرابي ، لن تتوقف قوافل التوابيت إلى بيوتكم ولن يتوقف زئير صواريخنا مهما فعلتم  ، لن تتوقف دباباتكم عن الاحتراق في جباليا البيضاء على يد ملائكة شداد ذوي أجنحة ، سنهزمكم وينتصر الدم على الفولاذ مهما طال الزمان .
كاتب عربي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *