اخبار

“الشوك والقرنفل” الطريق الى فلسطين بعيون يحيى السنوار..

كم نتمنى أن يتجه اهتمام أحد المخرجين السينمائيين  نحو ما تضمنه كتاب  يحي السنوار”الشوك والقرنفل ” Thistle and Cloves وتحويله الى فيلم سينمائي يجوب قاعات العالم ناقلا اطوارالتغريبة الفلسطينية بأعين الاسير الغزاوي  والمقاوم و القيادي في حركة حماس الذي شغل الرأي العام الدولي بعد متابعة اللحظات الاخيرة من اخر معركة له على أرض الميدان في مواجهة قوات الاحتلال المدججة بالسلاح قبل أن يرتقي شهيدا..وقناعتنا أن رواية “الشوك والقرنفل” بكل ما يتحمله العنوان من تاويلات وصراع بين الالم والامل في ظل احتلال غاشم متوحش و اصرار على الحياة و البناء على الارض التي يرفضون التخلي عنها رغم كل جرائم الاحتلال و ترهيبه …
ربما لم يكن السنوار من الاسماء المعروفة لدى الكثيرين قبل طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر ولكنه كان من الاسماء التي يحسب لها الاحتلال ألف حساب وقد كان يتابع انفاسه طوال اثنان وعشرين عاما وهوأسير في سجون الاحتلال وخبر معدن الرجل وصلابته وقناعاته بدورالمقاومة في دحر الاحتلال .ومنذ اللحظات الاولى  التي تلت عملية طوفان الاقصى في مستوطنات الاحتلال أصبح الرقم الاول المطلوب لدى جنرالات الاحتلال الذين وصفوه بمهندس العملية غير المسبوقة التي صدمت الاستخبارات الاسرائيلية ومعها صدمت أجهزة الشاباك و معها الاستخبارات الدولية الحليفة التي تفرض سيطرتها و حصارها على قطاع غزة منذ سبعة عشرة عاما ..
وبالعودة الى كتاب “الشوك والقرنفل ” الذي يعد تحديا للاحتلال حيث صدر من سدن بئرالسبع رغم أعين الاحتلال بفضل جهود الاسرى الذين تمكنوا من عملية التهريب تماما كما حدث ويحدث مع كل العنواين الادبية ورسائل الماجستيرالتي يعلن عنها في كل مرة وكما حدث و يحدث مع عمليات تهريب نطف الاسرى لتلقيحها في أرحام الزوجات الحالمات بالانجاب رغم قيود الاحتلال ..

لم يجانب صاحب الكتاب الصواب وهو يعلن في المقدمة “هذه ليست قصتي و ليست قصة شخص بعينه “وهي حتما قصة كل فلسطيني منذ نكبة ال48 حتى اليوم مع هذا الكيان المارق , ومن هنا أيضا اختار اهداءه الى من “تعلقت افئدتهم بأرض الاسراء والمعراج من المحيط الى الخليج بل من المحيط الى المحيط “.
يسأل ابراهيم “هل يجوز لمثلنا ونحن نعيش هذه الحياة ونرى ما نرى أن نحب ونعشق يا أحمد “.
..لقد لوث الاحتلال لنا كل شيء أرضنا هدوءنا لوث بحرنا لوث شوارعنا و لوث نفوسنا نحن لسنا كغيرنا “و كما يتعرض السنوارعبر صوت الراوي  لكل المحطات في القضية الفلسطينية قبل وبعد قرار التقسيم الجائر181  والتي سمع عنها من جده لوالده وأمه التي ستتولى تربيته واخوته وابناء عمه بعد انضمام والده الى المقاومة فانه سينقل المعاناة و التغريبة الفلسطينية على طريقته كما عاشها طفلا بعد نكسة ال67 حينما كانت تفرض عليهم أمه النزول الى حفرة أو قبو في ساحة البيت للاحتماء بها من قصف الاحتلال كل ذلك فيما كان الجد و قد تقدم به العمر يرفض الخروج من بيته و النزول الى الملجأ.. يكبر أحمد على وقع صراخ الاهالي في مواجهة المستوطنين اليهود المحاطين بجيش الاحتلال يدفعونهم عنوة للخروج من بيوتهم و تأتيه صرخة “في أحد الازقة علا صراخ الله اكبر يا ناس هذه دارنا وياتي صوت يرد عليه بالعربية المكسرة هذه ليست داركم انصرفوا من هنا “.. ياتي عشرات الجنود يحمون المستوطنين و المستوطنات وهم يطردون سكان الدوار ويلقون بأثاثهم خارج البيت و كلما أراد السكان العرب العودة لدارهم وجه الجنود سلاحهم لهم”.. هذه هي المشاهد التي كبر على وقعها صاحب الكتاب والتي ستبقى راسخة في ذاكرته طفلا و شابا ومقاتلا.. يطل الاولاد على الاليات وهي تسوي الارض و تقتلع الاشجار وتهدم بعض البيوت الحجرية …
يقتنع الفتى بأنه مادام بين الفلسطينيين عملاء من امثال ابو وديع الخائن , ومادام الفلسطينيون كتنظيمات وكقوى سياسية غير قادرين على معالجة هذه الظاهرة معالجة جذرية فسيظل الوضع على هذه الحال بل سيزداد سوءا ..
عن ثقافة المقاومة فهي متجذرة بين الفلسطينيين بشكل لا يحتمل التأويل , وينقل الكاتب كيف أن رجلا عجوزا يدخل غرفة ابنه الذي لا يزال نائما فيصرخ فيه كيف ينام حتى العاشرة ولا ينضم الى المظاهرة الحاشدة وهو يستغرب كيف تغير والده الذي كان منذ أيام يرتعد هلعا حين كان يسمع أن هناك احداثا ضد الاحتلال و يغلق الباب على ابناءه ويمنعهم من الخروج …
وفي كل مواجهة مع الاحتلال كانت مكبرات المسجد القريب تصدع بالنشيد ..
قسما بالله الجبار لتعود يا دار ..
باسم الدين على فلسطين ليفر الغدار ..
مشينا الدرب خضنا الصعب خطينا الحدود
ومهما كان الشوك
درب المر لتعودي يادار
وبيم كر وفر وامام السيل الهادر يتراجع جنود الاحتلال يقول الراوي “يتعثر احدهم و يقع على الارض يهاجمونه ضربا وركلا ويجردونه من ملابسه العسكرية.. روح الجماهير تطير في السماء و هم يرون الان اسطورة الجيش الاسرائيلي تتحطم امام حجارة الغضب الفلسطيني العارم”.
كثيرة هي المشاهد و المواقف الناطقة بالمشهد الفلسطيني نقل دقيق لفظاعات الاحتلال و جرائمه و لكن ايضا لبطولات المقاومة و هي تكبد جنود الاحتلال خسائر فادحة ..
العائلة الفلسطينية انعكاس للمشهد الفلسطيني بكل مكوناته وفصائله في العائلة الواحدة يجتمع حول مائدة الطعام الابناء وبينهم من حركة فتح والجبهة الشعبية وحماس وفي أغلب الاحيان ينتهي موعد الاكل على تبادل الاتهامات لترتفع الاصوات في احيان كثيرة قبل ان تتدخل الام وتأمر بانتقال كل واحد الى غرفته.. وحدث أن اندلعت مشادات كلامية بين الاسرى الفلسطينيين من فتح و الجبهة والحركة الاسلامية و تطورت الى شجار بالايدي وصفعات وضرب بالحجارة وجنود الاحتلال يتفرجون دون تدخل حتى انتهت المشاجرة طبعا اوصل الاحتلال ما حدث للاعلام بصورة محرجة وان المعتقلين الفلسطينيين يتشاجرون ويحطمون رؤوس بعضهم البعض… صاحب الكتاب لم يتجاهل ما رافق بداية المفاوضات واتفاقات اوسلو من جدل بين الفلسطينيين بين مساند ومعارض وكيف ان هذه المفاوضات جاءت على وقع اشتعال المقاومة و اهتزاز كيان الاحتلال ورغبته في الانسحاب من غزة والضفة لولا ان الاتفاقية انقذته..
الشوك والقرنفل محمل بالدروس التي سيتعين على اصحاب القضية التقاطها والاستفادة من كل حادثة فيها بعد ارتقاء زعيم حركة حماس الذي قدم للفلسطينيين التغريبة الفلسطينية بأعين يحي السنوار الذي أرق سلطات الاحتلال الاسرائيلي…
الكتاب يأسر قارئه حتى اخر سطر فيه  بل انه كلما  اقترب القارئ من النهاية الا وتمنى الا ينتهي الكتاب ابدا.. في سجن بئر السبع كان يتعين على السنوار مغالبة اليأس والحفر بقوة في أعماق ذاكرته حتى لا ينسى ادق التفاصيل في حياة كل فلسطيني منذ النكبة مرورا بالنسبة وصولا الى أوسلو.. لم يترك السنوار سارو او واردة في حياة الفلسطينيين لم يتحدث عنهم بما في ذلك تلك الاعين اللعينة التؤ زرعها الاحتلال بينهم حيث وجد لدى الخونة واصحاب المصالح استعدادا للتعامل مع الصهاينة ضد اخوانهم ولكنه وجد ايضا في تضامن الفلسطينيين في الشداءد واصرارهم على ابتكار وسائل المقاومة لضرب المحتل ما يجعلهم شعبا استثنائيا..الشوك و القرنفل رحلة عابر ة للزمن تتحول فيها الكلمات الى صور او ربما فيلم سينمائي و كان كل سطر و كل كلمة مشهد تنقله الكاميرا… يقول السنوار في مقدمة الكتاب انه لا ينقل تجربته الخاصة واكن كل شيء يدفعنا للاعتقاد ان السنوار يحدثنا عن نفسه و حياته منذ انضمام والده و عمه للمقاومة وتعهد والدته به و اخوته لتحفر تحت الارض مأوى اهم من قصف الاحتلال و لعل ذلك بداية السنوار مع الانفاق… هي بعض من ملاحظات وجيزة لا تغني عن قراءة الكتاب بعد ارتقاء صاحبها شهيدا و قد اراد الاحتلال تقزيمه وتصويره كارهابي فاظهره فيديو جنود الاحتلال عل العكس من ذلك مقاومات شرسا حتى الرمق الاخير حيث تحولت اللحظات الاخيرة التي سبقت اغتيال الى مشهد بطولي وهو يتصدى للمسيرة بيد مبتورة… هو السنواروعصاه الذي رقص نتنياهو لمقتله والذي عزز في الاجيال الفلسطينية المتلاحقة ارادة الحياة هو السنوارالذي جسد معاناة كل فلسطيني وحمل الام وامالهم وفتح الاعين عن عالم المقاومة الذي لا تطاله الاعين ..هو السنوارالذي يحظى باحترام العدو قبل الصديق حتى وان أصروا على إنكارذلك… اثنان وعشرون عاما قضاها في السجن ليخرج و يواصل المسيرة ويختارالنهاية التي ارادها…السنوار لم يكن اخوانيا بالمعنى المتداول كان مقاتلا فدائيا لم يكن سياسيا ولكنه كان اديبا روائيا و صاحب اسلوب استثنائي في نقل الرواية الفلسطينية.. وللحديث بقية
كاتلة تونسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *