اخبار المغرب

حكّام الجزائر.. يتامى “الاستفتاء” يغمغمون

مجلس الوزراء المغربي الَّذي رأسه الملك محمد السادس، الجمعة الماضية، أجاز مُوَازَنة الحكومة المقبلة لتدبير شؤون المملكة، حتّى تُعرَض للمصادقة على البرلمان بمجلسَيْه… الموازنة من حيث موجِّهاتها، استمرار للتطلعات الإصلاحية للمغرب، من جهة توْطيد دعامات الدولة الاجتماعية، والدّفع بمسار التطويرات الهيكلية، وتنمية شروط استقطاب الاستثمار، المولِّد لفرص الشغل، الداخلي والخارجي… في السياق نفسه، أجاز المجلس الوزاري الإحالة على البرلمان عدة اتفاقيات دولية، منها “13 اتفاقية مع ست دول إفريقية في إطار اللِّجان المشتركة المنعقدة بمدينة الداخلة… واتّفاقيات مُتعدِّدة الأطراف بشأن إحداث المقر الدائم للمعهد الإفريقي للتنمية بالداخلة”… بلاغ المجلس الوزاري لم يتحدَّث عن “المبادرة الأطلسية”، التي أعلنها العاهل المغربي، وفتحها لدوَل السّاحل والصحراء الإفريقية… ولكن تلك الاتفاقيات صدرت عنها وتذكِّر بها…  نفسه الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريش أولى للمبادرة الأطلسية أهمية دالة وهو يطلع عليها أعضاء مجلس الأمن في تقريره الذي سيبنى عليه قرار المجلس نهاية هذا الشهر… هي مبادرة تشرع مسارا مستقبليا مفتوحا ومثمرا لمنطقة الساحل الإفريقية… بل إنها تقارب المعضلات الاجتماعية والأمنية لتلك المنطقة بما يساعد على مغالبتها، عمليا، واقعيا وبفعالية تشاركية تنموية قابلة للتحقق…

يُفهم من ذلك أن التوجُّه الإفريقي للمغرب، استراتيجي، ثابت وتعهداتُه تخضع للتنفيذ الفوري والتلقائي… ومن ذلك، أيضا ودون أن يُصرّح بذلك، يقول المغرب، بأن الصحراء المغربية هي مِنَصّة إطلاق ديناميكية التفاعُل المغربي الإفريقي… يشحنُها أنبوب الغاز ما بين نيجيريا والمغرب، ويغدّيها ميناء الداخلة الأطلسي… ولم يعد المغرب يَشغله أمر في الصحراء المغربية أهمّ ومستعجل، أكثر من انكبابه على تنميتها، وعلى تفعيل البعد الإفريقي فيها ومن خلالها…

أقاليم الصحراء المغربية هي اليوم، تعبُر الأمتار الأخيرة في استكمال نسيج شرعيتها الدولية… المُنازعة الجزائرية حولها، ضيَّق مساحات ولولاتها المجتمع الدولي، الوازن والمُؤَثّر، والذي اتّسعت مُكوِّناته وفعالياته في الانْحياز إلى سلمية، عقلانية، واقعية وصوابية مُقترح الحكم الذاتي، الّذي أنتجه المغرب لحل النزاع… لزم المجتمع الدولي، الوازن والمؤثر، وقتٌ طويلٌ لكي يَزِن فائدتَه من المغرب، من هذه التموُّجات للوضع الجيوسياسي في المنطقة، سواء حول النزاع على الصحراء المغربية أو من خلال سعير صراعات منطقة الساحل والصحراء… و ثبت له ما يلمس فيه فوائد له مع المغرب .

حول الصحراء المغربية، كان النّزاع في وضع انْسداد، بعد أن غادره الأمريكي جيمس بيكر، المبعوث الأممي، في 2003، حاملا معه “حقيبة” الاستفتاء وأشلاء مُقترحه لتقسيم الصّحراء بين المغرب والبوليساريو… الملك محمد السادس بمُقترح الحكم الذاتي فتح مَمَرًّا مَلكيا للحل أمام المجتمع الدولي… ورجّح له ميزانَ الفائدة مع المغرب، بكون المقترح المُتّصل بالأقاليم الصحراوية المغربية صادر عن مشروع نهضوي، إصلاحي وتنموي لعموم المغرب، سياسيا، اجتماعيا واقتصاديا… استقطب المغرب المجتمع الدولي لجهة الاستقرار والسّلم في المنطقة، ومعها استقطبه لجهة تموْقُعه مُفيدا في الحاجة الدولية، للتنافُع الاقتصادي والتفاعل الاستراتيجي والتعاضد الأمني… هنا في المغرب، السياسة تُمارس بالعقلانية التي تؤمِّن مَلموسية المنفعة المتبادلة، وهي تنافح عن المصلحة الوطنية…

هناك في الجزائر، جنرالات الحكم أشاحوا نظرهم عن مبادرة الحكم الذاتي، بما تهديهم من مسار مُشرّف للخروج من مَأزق مُنازَعتهم للمغرب، وبما تدعوهم إليه من تعاوُن وتفاهُم مع المغرب، وتضمَن لهم من “حلم” العبور إلى المحيط الأطلسي، وإلى قلوب المغاربة وإلى الموْقع الإيجابي والفاعل في مُحيطهم الإفريقي… وبالموجز… إلى المصلحة الفضلى والفائدة الدائمة والملموسة للشعب الجزائري… وهنا مربط فشلهم، هم لا يكترثون… ولا نفع من نُصحهم بما هم أدرى به، ولكنهم عنه راغبون… جنرالات الجزائر، مصلحة انتفاعهم من إدامة التوتر مع المغرب، أجدى لهم من الانخراط في المبادرات السلمية، سواء تلك التي يُبادر بها المغرب، أو تلك التي قد تُنتجها المساعي السلمية الدولية… والأمر نفسه يذهب بهم إلى عدم المُغامرة بحربٍ ضدّ المغرب… هم عاجزون عن الإقدام على الحرب…  رغم مَلئهم للمُستودعات بالأسلحة بما يبتاعونه منها، لن يتحصّلوا على الإجازة السياسية لاستعمالها ضدّ المغرب… كل أطراف الإدارة الدولية للمنازعات وللحروب، تُقيم للمغرب اعتبارًا في علاقاتها وليس من مصلحتها إيذاؤه بأسلحتها… والجنرالات يعرفون ذلك… وأقول كل، بدون استثناء… ويعرفون أيضا بأن القوات المسلحة الملكية جاهزة للتصدّي لأي عدوانٍ مُحتملٍ على المغرب… جاهزةٌ بعدالة القضية الوطنية التي تشرَّبت الدفاع عنها وتؤمِن بها، وجاهزة بالالتفاف الشعبي المغربي الوطني حولها، وجاهزة بمؤهلات عنصرها البشري وكفاءاته، وباللوجيستيك العسكري بأقوى ما استُحدث فيه، وأدق وأفْعل… إنها جاهزة لصدّ أي عدوان على الوطن، وعلى وحدته وعلى طُمأنينة مواطنيه… ولا أحد في المغرب يرغب، أو يتمنى، أن  يصدر العدوان من شرق المغرب ومن “الإخوة” حكام الجزائر… وتصوُّري أنه لن يكون من تلك الجهة… لأن جنرالات الجزائر مُرتاحون في موقع تحكّمهم بالجزائر… يُديمون انتفاعهم منه، بتغطية أنهم “الدرع القوي” لحماية الجزائر… حمايتها من المغرب، “العدو” الذي أوجدوه في خيال عداوتهم، ويجتهدون في رسمه مُرعِبا للداخل الجزائري… وليبقوه عدوًّا يتأرجحون إزاءه ما بين الشغب ضد مسعاه السلمي وبين تصعيد التوتر معه وحتى بإسماع خشخشات الأحذية العسكرية… وهم أصلا يزعجهم السلم وعاجزون عن الحرب…

استعمال الخيال المخابراتي، للانتشاء، باعتقال “جواسيس” للمخابرات المغربية، تكون “أعدتهم” لعمليات تخريبية في الجزائر… افتتاحية في مجلة الجيش تتقطَّر جُمَلاً حماسية عن جاهزية مُفترضة للجيش الجزائري… أو حتى “خبرا” يُسرب إلى صحيفة أجنبية خارج الجزائر، عن تسخينات عسكرية جزائرية في تندوف… هو أقصى ما تستطيعُه المخابرات العسكرية الجزائرية لتنشُر في الأجواء، الداخلية بخاصة، استعدادَها للحرب…لتبرر  الحاجة لحكم الجنرالات و تدلل على “تصديهم” لشرور المغرب…

و المغرب لا يشغله كل ذلك. المغرب يواصل بفعالية الدفع عن قضيته الوطنية و صوابية و سلمية مقاربته لحل النزاع حولها… و ها هو الاقتناع الدولي يتسع في انحيازه للمسعى المغربي… و دون تكرار جرد الدول، الفاعلة و الوازنة في الوضع الدولي، التي باتت مُقتنعة بمقترح “الحكم الذاتي” حلا أساسيا و وحيدا لحل النزاع حول الصحراء المغربية، وقد تكاثرت… ها هي كل أدبيات الأمم المتحدة، الأخيرة، وقبل قرار مجلس الأمن لنهاية أكتوبر، من إحاطة المبعوث الأممي و من تقرير الأمين العام و من خلاصات نقاش اللجنة الرابعة، كلها ألغت كلمة الاستفتاء من قاموسها…و قد اتَّجهت نحو اعتبار الحكم الذاتي الصيغة الممكنة الواقعية و العادلة لمفهوم  تقرير المصير في الحالة هذه… الاستفتاء هو الكلمة المفتاح في السردية الجزائرية…ضاعت الكلمة، و لم يعد أمام حكام الجزائر لديهم ما به يتحذلقون أو يناورون أو يشاغبون… أمام صلابة الحق المغربي…لديهم إذا أرادوا نفعا دائما لهم و للشعب الجزائري، المغرب بصدقية الأخوة والتفاهم في مبادراته وفي نداءاته وفي آماله المغاربية…

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *