اخبار السودان

بعد حرب 15 أبريل.. هل ما زال استمرار الثورة السودانية ممكنا؟

للعام الثاني، لم يخرج السودانيون احتفالاً بثورتي ديسمبر وأكتوبر اللتين انتزعتا أعتى النظم العسكرية التي ظلت تتحكم في البلاد لأكثر من 50 عاماً من عمر الدولة التي نالت استقلالها في 1956.

الخرطوم: كمبالا: التغيير

وفي كل عام، يخرج السودانيون للاحتفال بثورتي أكتوبر وديسمبر في مليونيات تدعو لها لجان المقاومة والأحزاب السياسية والتيارات النقابية دعماً للانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي.

وتعود جذوة المد الثوري إلى ثورة 21 أكتوبر 1964 التي استشهد فيها أحمد القرشي، الذي ضحى بروحه من أجل الحكم المدني ووضع حداً للحكم العسكري الشمولي الذي ساعدت فيه بعض الأحزاب السياسية على قطع الطريق أمام الثورة.

وأدت خلافات العسكر، ومن خلفهم عناصر النظام السابق، إلى العودة للحكم عبر بوابة حرب 15 أبريل، بعد أن اقتلعت ثورة ديسمبر المجيدة نظامهم الذي ظل على سدة الحكم لأكثر من ثلاثة عقود، وأدخلت رئيس النظام وأعوانه السجن، ليتم إطلاق سراحهم بعد هذه الحرب العبثية.

تحقيق حلم

يقول رئيس الوزراء السابق ورئيس تنسيقية (تقدم) عبد الله حمدوك: “في ذكرى ثورة أكتوبر وبعد مرور ستين عاماً، لا يزال الأحرار من بنات وأبناء السودان يستميتون في سبيل تحقيق حلمهم الكبير في بناء وطن حر، ديمقراطي، موحد يسع الجميع ويحترم تنوعهم وإنسانيتهم ويوفر لهم العيش الكريم على هذه الأرض المعطاءة.”

حمدوك

وأكد أن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لم تكتفِ بتبيين موقفها الرافض للحرب والمدافع عن حق كل سوداني في العيش الكريم، بل وضعت مشروعًا كاملاً لبناء السودان الحلم، وبيّنت رؤيتها لكيفية وقف الحرب وإعادة المسار الديمقراطي.

ووصف حمدوك الأزمة السودانية بأنها معقدة، ولا يمكن حلها عبر ما أسماه المنهج الاختزالي القاصر الذي يرى الحرب الحالية على أنها حرب جنرالين. وشدد على ضرورة التعمق في فهم جذور الأزمة التي حولت البلاد إلى مسرح دائم للصراع المسلح منذ فجر الاستقلال في العام 1956.

تحكيم صوت العقل

لم تتخلَّ القوى المدنية عن شعار إيقاف الحرب الذي أعلنته منذ الأيام الأولى للصراع، وفضلت الوقوف في الحياد بالرغم من الاتهامات التي تلاحقها بين الحين والآخر. وظلت تدعو طرفي الصراع إلى ضرورة تحكيم صوت العقل والعودة إلى التفاوض لصعوبة حل النزاع عسكرياً، إلا أن طرفي الصراع اختارا طريق الحسم العسكري الذي يزيد من معاناة المواطنين.

الحرب تدبير ضد الثورة

يرى رئيس الحركة الشعبية التيار الثوري ياسر عرمان أن هذه الحرب هي تدبير ضد الثورة، وكذلك المجاعة والتشريد والجرائم التي ارتُكبت من كل الأطراف هي أيضاً تدابير ضد الثورة والحركة الجماهيرية.

وقال عرمان: “ولكي تنتصر الثورة ويتم تأسيس الدولة، يجب أن نراجع تجربتنا بصورة نقدية حتى نصل إلى مرافئ انتصار الثورة، وهذا يتطلب الوصول إلى كتلة حرجة ورفض الحلول الهشة وإيجاد حلول مستدامة لتسوية تاريخية وليس مجرد تسوية سياسية.”

ياسر عرمان في مقابلة مع “التغيير”

اقتلاع النظام الديكتاتوري

عدّت الأمينة الاجتماعية لحزب مؤتمر البجا المعارض هِبَّة أحمد طه أن الشعب السوداني يحتفل بثورة أكتوبر، أم الثورات السودانية، التي ترمز للحرية والديمقراطية. وقالت إن ثورة ديسمبر كانت امتداداً لتراكم النضال الثوري، وهي ثورة قامت على السلمية ورفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة.

وأضافت: “اقتلعت أطول نظام ديكتاتوري أشعل الحروب في كل ربوع الوطن وفصل جزءاً عزيزاً منه. كان الديسمبريون والديسمبريات رمزاً للصمود والجسارة، وحققت ثورة ديسمبر نجاحاً كبيراً وأرست الحكم المدني الديمقراطي، ولكنها لم تستمر طويلاً، ولم تكتمل أهدافها بسبب تآمر داخلي وخارجي قطع الطريق أمامها بانقلاب 25 أكتوبر الذي أوصلنا إلى الحرب الحالية.”

عودة عناصر النظام السابق 

لقطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي، نفذ قادة طرفي الصراع في 25 أكتوبر 2021 انقلاباً على حكومة الثورة بقيادة رئيس الوزراء الشرعي عبد الله حمدوك، وأدخلوا قياداتها السجن. لكن شهر العسل بينهما لم يدم طويلاً، حيث تنصل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” عن الانقلاب، وقال إنه تم خداعه، وإن الانقلاب تابع للحركة الإسلامية التي تخطط للعودة إلى الحكم من جديد بعد أن أعاد قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان عناصر النظام السابق إلى الواجهة.

وبعد الانقلاب، شهدت الخرطوم وعدد من الولايات مظاهرات ضخمة لرفض الانقلاب، حيث تعاملت السلطات مع الثوار بالقمع المفرط، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء في ذلك اليوم.

التنسيق بين القوى المدنية

ورغم تربص العسكر وعناصر النظام السابق بالثورات السلمية التي تدعو إلى التحول المدني الديمقراطي، إلا أن الأمينة الاجتماعية لحزب البجا المعارض شددت على أن فرص النجاح ما زالت موجودة.

وطالبت القوى الثورية بالعمل الجاد لإيقاف الحرب والتواصل مع بعضها البعض والتوافق على الحد الأدنى من الأهداف الاستراتيجية، وبناء الثقة بين قوى الثورة والتنسيق في الحد الأدنى للقضايا والعمل على استعادة مسار الثورة والتحول المدني الديمقراطي.

استمرار الثورة

وحول إمكانية استمرار ثورة ديسمبر بعد حرب 15 أبريل، يقول القيادي بحزب المؤتمر السوداني عادل بخيت: “إن استمرار أمواج ثورة ديسمبر والتغيير السياسي والتحول الديمقراطي أمر حتمي، كما يراه عالم الاجتماع فردريك بارث.”

وأضاف: “الثورات السودانية في كل دورة تكتسب نضجاً، وموعدنا فجر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية، وسيعود العسكر إلى الثكنات مهما طال الزمن.”

عادل بخيت

وأوضح عادل أن الحراك السياسي في أكتوبر 1964 وديسمبر 2019 يحمل أوجه تشابه واختلاف، ففي كلتا الثورتين تمت قيادة الاحتجاجات عبر تحالف مركب من القوى الحديثة، النقابات والأحزاب.

وتابع: “نجاح إسقاط الحكومة وإجبار النظام الحاكم على التنحي كان تغييراً سياسياً فوقياً، ينقصه مربع القاعدة الاجتماعية النازعة نحو التحول الديمقراطي. فقد ظلت الحقوق الثقافية كما هي نتيجة لقصور التنشئة السياسية.”

وأردف: “لم يحدث تغيير على مستوى القاعدة الاجتماعية التي ينقصها الوعي الكافي بالتغيير الديمقراطي. فقد نجحت الثورة في التغيير السياسي، لكنها لم تنجح في تحقيق التحول الديمقراطي.”

وزاد: “اتسم الحراك الثوري في أكتوبر وديسمبر باستراتيجية المقاومة السلمية واللاعنف، بالرغم من بطش النظام وقمعه لهذا الحراك بوحشية، خصوصاً في ثورة ديسمبر.”

وختم بقوله: “الثورتان، على شريانيهما، أثبتتا أن (الثورة الناجحة هي ما ينتج عنها ذكاء احتجاجي ووعي لدى الشعب)، ولكن كليهما نجحت في التغيير السياسي وأخفقت في التحول الديمقراطي.”

أوجه الاختلاف بين الثورتين

وأشار القيادي بالمؤتمر السوداني إلى أن أوجه الاختلاف بين الثورتين تكمن في أن انطلاق الحراك الثوري في ديسمبر كان من الولايات وليس من العاصمة (الدمازين سنار عطبرة).

ولفت إلى انخراط منظمات المجتمع المدني في الحراك الثوري في ديسمبر، حيث تم تمثيلها في مجلس الحرية والتغيير الذي نظم الحراك الثوري.

ونوه إلى أن حركات الكفاح المسلح شاركت بشكل هيكلي في قوى الحرية والتغيير، وبشكل ثوري في الحراك السياسي، كما في الحركة الشعبية قيادة الحلو وحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد.

وأشار إلى أن الحراك الثوري في ديسمبر استمر لعدة أشهر مقارنة بثورة أكتوبر التي استمرت لأيام قليلة.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *