في ذكري ثورة ٢١ أُكتوبر ضد إعادة إنتاج الفشّل والفاشِلين
تأتي ذكري ثورة ٢١ أُكتوبر في هذا العام وبلادنا تشهد ظرفاً ووضعاً غير مسبوق طوال تاريخنا الحديث ، مُنذ إستقلالها ، فواقع الحرب وإن لم يكُن جديداً ، إلا أنه ولأول مرة تدخل الحرب في قلب الدولة ومركزها ثم تتوسع في مناطق لم تدخلها من قبل وبذلك إمتدّ أثرها علي كُل البلاد وفعلت مافعلت ولاتزال…
والذي ينظُر ويرأي إلي كُل المشهد مقروناً ذلك بكُل تاريخنا السياسِي لن يستطيع تجاوز حقيقة أننا أمام نتيجة واضحة مفادها “مسيرة” مُتصلة من “الفشل” والتراجع لبلادنا وإنعكاس أثر هذا علي كُل السُودانين كشعب ودولة…
كثيرين توصلوا لهذه النتيجة ، فتجربة الحُكم العسكري وعن طريق الجيش جُربت كثيراً ولم تكن النتيجة غير مانحن فيه الآن ، وتجربة الديمُقراطيات الهشة والشكلية وعن طريق أحزاب “ضعيفة ” ومُنقسمة علي أنفسها وغير مواكبة ولاتوجد بها ديمُقراطية حقيقية سلوكاً ونظاماً وتُنتج”كوادر” لا علاقة لها بأُسس إدارة الدولة والتعدد والتنوع فيها أيضاً “فشلت” ، أو أعطت مُبرارات لإعادة تسويق “العسكر” ، وتجربة نظام “الحزب الواحد” أيضاً فشلت ، وفشل ذريع ، ولأنها كذلك مزجت مابين “القبضة الأمنية للعسكر” ومابين “الأيدلوجيا المُتطرفة والإقصاء” ، فكانت النتيجة أيضاً مانحن فيه الآن…
ومع كُل “تضحيات” الشعب السُوداني ، وكُل مابذله وقدّمه لأجل تغيير حقيقي لبلد ، يعيش فيه الناس أحرار وبكرامة وعدالة ومُساواة ، ودفع ما دفع من أثمان ، إلا أن كُل ذلك أُجهض نتيجة “للغباء السياسِي” المُتوارث في تكرار الأخطاء والفشّل والإصرّار عليه وعدم الإنتقال لمسارات تخلق واقع أفضل ، نتخلص به من كُل تلك الأخطاء ونضع بها بلادنا في الطريق الصحيح وننجح به في التغلب علي الضُعف ، والحرب ، والفساد ، والفقر ، ونمضي به نحو عكس كُل ذلك وإستدامته وتطوره للأحسن…
بعد الثورة في ديسمبر ٢٠١٨م وبعد كُل تضحياتها وبذلها ، ظننا أننا نجحنا في وضع أنفُسنا كشعب وبلد في الطريق الصحيح لتغيير مُستدام وواقع مُختلف أفضل نستحقه كدولة وشعب ، شعب فعل كُل ما يُمكن فعله ليحصد ثمار دمائه وعرقه وعذاباته ، ولكننا ومع أول محك حقيقي بعدها ونتيجة لذات “الأمراض” المُستعصية في “الصرّاع” و”التكالُب” علي “السُلطة” ، وبأي وسيلة ، تقهقرّنا وتراجعنا لهذا الدرك الحالي…
والآن وبعد كُل ما حدث نسيّر بنفس الخُطوات ، وذات الأدوات ، ونفس “الشخوص” ، وبذات “الطريق” و”العقليات” التي تحاول “التخطّيط” و”تحتكرّه” وتظّن أنها هي وحدها التي ستغير واقع بلادنا…
هاهم “العسكر” يتحكمّون ، نفس “العسكر” ، وها هُم “الكيزان” ، و”الحزب الواحد” يُبرزون “أسنانهم” وبعضهم يُخرجون “ألسنتهم” ظناً منهم قد عادت لهم “سُلطة” تمترسوا و”كنكشوا” فيها لثلاثين سنة ، ولايزالوا يطلبونها ، بذات شعاراتهم ومساوئهم ، وتطرفهم ، وغباؤهم ، لايزالوا يعتقدون أن هذه “البلاد” ومع كُل إتساعها وتنوعها وثرواتها قد “خُلقت” لهم وحدهم ، وعليهم فقط إدارتها وقيادتها و”سرقتها” و”نهبها” ، وتوزيع “غنائمها” علي قليل من “الحمقي” و”الدجالون” و”المخبولين” و”المرضي النفسيين” من منسوبيهم وبعض من يرتبطون معهم بالمصالح ، فئة قليلة تظن نفسها أنها “المؤمنة” وأن “الدنيا” و”الجنة” هي ملكهم ، وبإيديهم ، والبقية مردة وكفرة وملعونين وشوية “صعاليق” ولايستحقون غير “الدهس” و”السحق” والإخفاء من الوجود وفي أحسن الأحوال العيش “مقهُورين” وأذلاء حقيّرين!..
لم يتعلموا من كُل تلك الأخطاء والفشل ولايُريدون التعلُّم ، وفي المُقابل ، ظللنا نري ، ماتُسمي بالقوي المدنية ، وبعض “الحركات” ، في نفس الطريق ناحية “الصرّاع” علي السُلطة والتكالب عليها ، لايهم كيف السبيل إلي ذلك ، يستخدمون ذات أدوات العسكر ، فالعمالة مثلاً وإرتهان قرارنا السياسِي ، و”مرمطة” سيادة البلد ، كُلها وسائل يتم إتباعها ، مروراً بالإرتشاء وبيّع الذّمم ، ومُمارسة كُل ماهو قبيّح وسيئ من أجل تلك السُلطة وكراسيها ، ونفوذها…
ظلّلنا ومن بعد الثورة وحتي لحظة الحرب الحالية ، نري ذات “الوجوه” ، وذات “العقليّات” وذات الخطوات والأدوات ، لا إختلاف ، إصرّار غريب علي مُداورة “الفشّل” وصُنعه ، إحتكار للقيادة ، والمُشاركة في صُنع القرارات السياسِية وإقصاء مُتعمّد للآخرين ، وللأحق بالتواجد بصورة “مُقرفة” ، وفي سبيّل ذلك يتم إستخدام كافة الأساليب القذرة ، وكُل وجوه “التلون” و”النفاق” السياسِي والكذب الصرّيح والمُستتر ، وتُمارس “حروب” لاتقل بشاعة عن الحرب التي تدور الآن ، ويا ليت كُل ذلك لصالح البلاد وشعبها حقيقةً وواقعاً ونتائجاً وفعلاً ، ضحكت حقيقةً عندما رأيت “حمدوك” كمثال ، يخرج بخطاب “مُسجل” ليخاطبنا كشعب ، ويتحدث عن الثورة والثوار وهو لايعلّم عنها شئياً ، ويقول “سنظل أوفياء ونعاهدكم ووو…. ، هذا الرجل “المصنوع” والذي ساهم مع آخرين عسكر ومدنيين في “الإجهاز” علي أعظّم ثورات القرن العشرين ، حق له الجلوس في بيته في “الإمارات” أو مايختاره ويترك شعبنا وبلادنا ، “فالمصنوعين” إنتهت مُدة صلاحيتهم ، و لم يعطوا لهذه البلاد أو يجرّوا عليه غير كُل الذي حدث ولايزال يحدّث فيها ، عفواً نعم أنتم مواطنين سُودانيون ، ولكن هذه البلاد لاتريدكم في قيادتها ، وقد جربتكم وفشلتم ، وقد إنتهت مرحلتكم بخيرها وشرّها وآن أوان غيركم شخوصاً وعقليّات وسياسات.
أذكر أنه قد رأيت يوماً تسجيلاً لندوة كان يتحدث فيه الأخ “خالد سلك” وكان وقتها يُبرر للمُشاركة في إنتخابات ٢٠٢٠م ، ويتهكم علي بعض من “جماهيّر” خرجت في تظاهرة تريد التغيير لنظام البشير والكيزان ، فقال “سلك” (إن المُظاهرة لم تتجاوز أعداد قليلة كانوا يعرفون أنفسهم في المُظاهرة فرداً فرداً ، ويعلون أصواتهم بالسّلام ومُصافحة بعضهم البعض “إزيك يا فلان” بالإسم) ، كان هذا علي فكرة قبل ثورة ديسمبر ٢٠١٨م بفترة زمانية قليلة جداً ، وأنا الآن أسأل “سلك” ، (يا خالد في ذمتك دي ، هسا إنتوا في مؤتمراتكم ، وورشكم “الكتيرة” دي وسفرياتكم المُتكررة وإجتماعاتكم ، مُش ياكم نفس “الناس” والوجوه ؟؟) مُش ياهم (ال ٧ أو ١٠) أنفار ديل ؟؟؟ البقعدوا عشان يقرروا نعمل شنو ولا ما نعمل شنو ؟؟ عشان السُلطة أقصد عشان البلد؟؟؟) ، لا أنتظر إجابتك لنفسي لأنني أعلمها ، ولكن في ذات الوقت علي ال (٧ أو ١٠) “أنفار ديل” ، الإقتناع أنفهم جُربوا وفشلوا ، وإعادة تدويرهم أيضاً قد إنتهت صلاحيتها ، علي الأقل في المرحلة القادمة ، التي تحتاج رجالاً ونساءاً حقيقين ، قيادات ، وعقليات أخري ، قادرين علي صُنع الإختلاف لبلادنا. في ذكري ثورة ٢١ أُكتوبر نحتاج للتغيير في كُل المنظومة وسياساتها وشخوصها ، وليس الإصرّار علي الفشل وتدويره (عسكر ، كيزان ، حمدوك ، مدنيين مُجربيّن فشلوا) ، في ذكري ٢١ أُكتوبر نقول وبكل صدق ووضوح اللحظة الحالية هي وقت التغيير ، سواء في مرحلة وقف الحرب ومابعدها ، لبلاد تعبت حقيقةً وأهلها من الفشل المُجرّب والإصرّار عليه.
المصدر: صحيفة الراكوبة