قراءة نقدية في طوفان الأقصى (5 5)
أمد/ يتطلب تقييم عملية طوفان الأقصى، بعد مرور عام، دراسة الجوانب المختلفة لما جرى قبل وأثناء العملية ومساراتها ومآلاتها أو تحقيق أهدافها من جوانب متعددة تُأخذ بالحسبان أثناء التخطيط لها، وهي قواعد حاكمة لنجاح العملية أو الفعل. لذا تقرأ هذه المقالات مجتمعية بما يحقق التكامل فيما بينها. سيخصص هذا المقال للحديث ما هو المطلوب لتقليص الأعباء وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني ووقف جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها، وصولاً لتجاوز العثرات واستعادة توازنه.
مما لاشك فيه أنّ الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، قد تعرض لكارثة إنسانية ولأبشع تطهير عرقي على مدار أكثر من عام على يد الاحتلال الإسرائيلي الذي مارس التدمير المنهجي لمكونات الحياة في قطاع غزة وكرامة المواطنين. هذه المرحلة المفصلية من عمر الشعب الفلسطيني تحتاج إلى مقاربة وطنية بغية الأنقاض الوطني؛ وذلك من خلال استعادة الوحدة الفلسطينية بما يقوي المناعة الوطنية من جهة، وتحقيق الاندماج الوطني والمجتمعي من جهة ثانية، والتعامل مع تبعات هذه الحرب وآثارها من جهة ثالثة، والقدرة على التعامل مع المجتمع الدولي لضمان البدء بإعادة الحياة في قطاع غزة وعلى التحرك الدولي دون ملاحقة إسرائيلية ومؤيديها، وعلى تحويل التضامن الدولي الذي حظي بها الشعب الفلسطيني؛ بسبب ما اقترفه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إلى خلق أدوات ضغط منظم على الحكومات الغربية باتجاه عزلة إسرائيل من جهة رابعة.
إنّ تحقيق ذلك يتطلب من الأطراف الفلسطينية الفاعلة أنْ تتخذ قرارات شجاعة نابعة من إدراكها للمصلحة العامة للمواطنين الفلسطينيين دون أنْ تشكل استسلاماً من حركة حماس أو تفرداً من حركة فتح؛ فالعاصفة التي يمر بها الشعب الفلسطيني عاتية. هذه المقاربة لا يمكن إملاء أيّ طرف على الآخر لطريقة التصرف “أو التنازلات الداخلية” إنّما الوصول إلى ما يحفظ كرامة المواطنين والشراكة الوطنية يتيح الفرصة لتقليص “الخسائر” ومنع فرض إسرائيل شروط الاستسلام، وللحفاظ على ما تبقى من مقدرات الشعب الفلسطيني والمقاومة في إطار تفاهمات وطنية. هذا الأمر يعني أنّه على كل فصيل فلسطيني؛ بخاصة حركتي فتح وحماس، اتخاذ وتبني قرارات مسؤولة بمبادرة منها لإعلاء المصلحة العامة للشعب الفلسطيني بغض النظر عن المصالح الفئوية.
مع نهاية سلسلة هذه المقالات التي خصصت لتقييم عام على “طوفان الأقصى” الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (قراءة نقدية في طوفان الأقصى) نضع بعض المقترحات في عهدة الفصائل في إطار إعمال العقل والنقاش الداخلي بهدف تبني خطوات لاستعادة الوحدة أو بالمعنى الأدق على طريق استعادة الوحدة الوطنية وترتيب الأوراق الداخلية الفلسطينية وتقليص الأعباء عن المواطنين في قطاع غزة ومخاطبة المجتمع الدولي وهي:
(1) تبني خطاب الضحية؛ ضحية جريمة الإبادة الجماعية التي اقترفها الحكومة الإسرائيلية، من قبل جميع الفصائل والفلسطينيين في أرجاء المعمورة وتكريسه، والابتعاد عن خطاب الانتصارات بحجة الإبقاء على معنويات الشعب الفلسطيني، فالأهم هو كسب تضامن المجتمع الدولي وإدانة حكومة الاحتلال ومعاقبتها على هذه الجريمة.
(2) مناقشة إمكانية تشكيل وفد مشترك من الفصائل الفلسطينية أو تفويض اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية للقيام بالتفاوض حول اتفاق لوقف الحرب وصفقة تبادل للأسرى بمرحلة واحدة أو مراحل تدريجية.
(3) تشكيل حركة حماس لحزب سياسي جديد لتجاوز أزمة وسمها بالإرهاب من قبل دول وازنة في المجتمع الدولي مثل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وملاحقتها في هذه الدول. في ظني أنّ تجربة حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان في تركيا والتحول لحزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان تستحق الدراسة واستخلاص العبر منها.
(4) الإعلان رسمياً عن تبني حركة حماس وقف العمل المسلح في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتعويل على الأساليب الأخرى في المقاومة.
(5) تسليم الحكم في قطاع غزة وذلك بتشكيل حكومة إنقاذ وطني يتم الاتفاق عليها بحوار وطني مع وجود ضمانات عدم استخدام السلاح في الخلافات الداخلية أو تعطيل عمل الحكومة أو خرق سيادة القانون.
(6) الاتفاق على دخول منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات الحكم السياسية بعد إجراء الانتخابات العامة، على أن يتم الاتفاق على موعد إجراء الانتخابات في مدة أقصاها عامان من وقف الحرب.
(7) تقديم حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية ضمانات لحركة حماس لإجراء الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية) في موعدها المتفق عليه، والسعي منذ لحظة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار للتغلب على المعيقات والتحديات التي تواجه إجراء الانتخابات العامة بالتشاور والاتفاق الوطني.
في ظني، أنّ حركة حماس يمكنها اليوم إجراء مراجعة نقدية لأحداث السابع من تشرين أول/ أكتوبر بشجاعة الحريص على حياة المواطنين وما لها وما عليها قبل فوات الأوان، وهي في الوقت ذاته تمتلك رصيداً شعبياً يؤهلها للقيام بمثل هذه الخطوات؛ فبعد عام من الحرب تظهر استطلاعات الرأي العام أنّ حركة حماس تحوز على تأييد 27% من الفلسطينيين وفقا لنتائج استطلاع الذي قام أجراه مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي، وهي نسبة أعلى مما كانت عليه قبل السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023، وأقل بخمس عشرة نقطة مما حصلت عليه في كانون أول/ ديسمبر 2023 أي بعد ثلاثة من إطلاق الحرب وفقاً لاستطلاعي رأي أجراهما المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.
كما يمكنها القول إنّها حققت بعضاً من أهدافها من عملية السابع من تشرين أول/ أكتوبر خاصة إعادة القضية الفلسطينية إلى سلم أولويات المجتمع الدولي؛ لإيجاد حل للصراع بناء على خيار حل الدولتين بإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة باعتباره الخيار الأمثل لإحلال السلام والأمن والازدهار في المنطقة وتجنب إمكانية عودة العنف من جديد في حال استمرار الاحتلال، وذلك بالرغم من الثمن الكبير الذي قدمه الشعب الفلسطيني؛ خاصة إذا جاءت هذه الإعلانات في إطار فلسطيني أو اتفاق وطني لتحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية وتقويتها.