تقرير يرصد تحديات الدخول السياسي .. ضغط النفقات ورهانات التشغيل
أفادت ورقة سياسية حول “تحديات الدخول السياسي في ظل السنة الرابعة من ولاية الحكومة” تفتحص “الأهداف الطموحة والتحديات المقلقة” بأن “زيادة النفقات الحكومية نتيجة لمشاريع الإصلاح والتنمية التي أطلقتها الحكومة تتطلب تمويلا أكبر؛ وهو ما يضعها أمام تحدٍّ كبير يتعلق بإيجاد مصادر تمويل مستدامة للحفاظ على وتيرة تنفيذ هذه المشاريع دون التأثير سلبا على استقرار الميزانية العامة”.
وقالت الورقة ذاتها، التي أعدها مرصد العمل الحكومي التابع لمركز الحياة لتنمية المجتمع المدني والتي توصلت بها هسبريس، إن “الحكومة تواجه ضغوطا لتحقيق توازن بين الوفاء بالتزاماتها التنموية؛ مثل تحسين البنية التحتية، ومشاريع الطاقة والماء، وتطوير قطاعي الصحة والتعليم، والقدرة الشرائية للمواطنين، وتحسين الدخل، وبين الحفاظ على الانضباط المالي وخفض العجز”.
وشددت الوثيقة سالفة الذكر على ضرورة البحث عن “موارد جديدة”، سواء من خلال “تعزيز العائدات الضريبية بطرق أكثر فعالية وعدالة، أو عبر تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يمكن أن تساهم في تمويل المشاريع الكبرى، والاستفادة من التمويلات الدولية، سواء من خلال القروض الميسرة أو الشراكات مع مؤسسات مالية عالمية”.
واستدركت الورقة أن “هذه الخيارات تتطلب إدارة حذرة لضمان عدم ارتفاع مستويات الديون إلى مستويات غير قابلة للاستدامة”، مشيرة إلى “وصول نسبة الاستدانة في المغرب إلى 69 في المائة من الناتج الداخلي الخام”.
وأضافت: “هذا قد يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد ويحد من قدرتها على الاقتراض في المستقبل بشروط ميسرة.. وكل ذلك يجعل من الضروري تحسين فعالية الإنفاق العمومي، وضمان توجيهه نحو القطاعات الأكثر أولوية وتأثيرا على التنمية؛ مما يساهم في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي دون الإخلال بالتوازن المالي”.
الحماية الاجتماعية
يواجه ورش الحماية الاجتماعية، بالنسبة للمصدر ذاته، “تحديا كبيرا يتعلق بضمان الاستدامة المالية، إذ تصل كلفة هذا المشروع إلى حوالي 51 مليار درهم سنويا، تُمول من خلال مساهمات الدولة إلى جانب اشتراكات المنخرطين”؛ إلا أن “تقرير المجلس الأعلى للحسابات كشف عن وجود خلل كبير في آلية تحصيل الاشتراكات”.
وزادت الورقة السياسية حول “تحديات الدخول السياسي في ظل السنة الرابعة من ولاية الحكومة”: “إيرادات الاشتراكات لم تتجاوز نسبة 27 في المائة من إجمالي المشتركين المستهدفين”.
أبرزت الورقة أن “هذا الواقع يثير تساؤلات جوهرية حول مدى انخراط المغاربة في هذا المشروع الوطني، ومدى فعالية السياسات المتبعة لضمان مشاركة أوسع وشاملة”.
وأضافت الوثيقة عينها أن “ضعف الإقبال على الاشتراك يعكس غياب الثقة لدى فئات واسعة من المجتمع، خاصة في ظل غياب إصلاحات مرافقة تزيد من جاذبية الورش وعدالته”.
كما اعتبرت أن “تحسين جاذبية هذا المشروع يتطلب إجراءات فعالة تسهم في تحسين التواصل حول فوائده وتعزيز العدالة الاجتماعية بين مختلف الفئات؛ وهو ما يشجع المواطنين على الانخراط والمساهمة بشكل أكبر في هذا النظام.. فمن دون هذه الإصلاحات، يبقى المشروع معرضا لضغوط مالية متزايدة قد تؤثر على استدامته”.
أي أفق للتقاعد؟
تناولت الورقة المذكورة أيضا موضوع التقاعد، معتبرة أن “الملف يواجه أزمة معقدة تتطلب حلولا عاجلة ومستدامة، إذ يواجه نظام المعاشات المدنية خطر الإفلاس بحلول سنة 2028، ومن المتوقع أن يستنفد هذا النظام كامل احتياطاته؛ وهو ما سيجبر الدولة على ضخ ما يقرب من 14 مليار درهم سنويا للحفاظ على استمرارية صرف المعاشات لفائدة المتقاعدين”.
سجل المرصد، الذي أعد الورقة، أن “الحكومة تدرك خطورة هذا الوضع، لذا أكدت من خلال اتفاق الحوار الاجتماعي أنها ستسعى إلى التوصل إلى اتفاق لإصلاح منظومة التقاعد مع الفرقاء الاجتماعيين خلال هذه السنة”، مستدركا بالقول إن “الإصلاح المطروح من طرف الحكومة يرتكز على ثلاثة مبادئ أساسية، هي: الزيادة في قيمة الاشتراكات، والرفع في سن التقاعد إلى 65 سنة، وخفض قيمة المعاشات”.
تابعت المؤسسة، التي تم إحداثها لتتبع السياسات العمومية الناتجة عن الفعل الحكومي، شارحة: “هذا التوجه يعني أن الأجراء سيتحملون بشكل شبه كامل عبء تكاليف هذا الإصلاح؛ وهو ما أثار رفضا واسعا من النقابات التي ترى أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على العمال والموظفين، دون تقديم ضمانات كافية بشأن تحسين جودة التقاعد على المدى البعيد”.
رهانات التشغيل
قالت الورقة السياسية إن التشغيل يعد أحد أبرز “نقاط الضعف” المطروحة، معتبرة أن “البلاد تسجل مستويات مقلقة من نسبة البطالة، إذ وصلت هذه النسبة إلى 13.7 في المائة كرقم قياسي؛ وهو ما يثير مخاوف كبيرة بشأن القدرة على توفير فرص الشغل للشباب. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المغرب تحديا آخر يتمثل في تزايد أعداد الشباب الذين لا يعملون ولا يتلقون التعليم أو التدريب (NEET) الذين بلغوا أزيد من مليون ونصف المليون”.
في ظل توالي الأزمات الاقتصادية الدولية والجفاف الذي أثر بشكل كبير على الأنشطة الاقتصادية، وخاصة في القطاع الفلاحي، أفادت الوثيقة بأن عدد مناصب الشغل انخفض في المجال القروي بأكثر من 160 ألف منصب، مما يزيد من حدة أزمة البطالة، خالصة إلى أن ضرورة اشتغال الحكومة على التحول الاقتصادي نحو الاعتماد على الصناعة تغدو بارزة؛ وهو ما يتطلب بلورة برامج إرادية جديدة للتشغيل تستجيب فعليا للإشكاليات التي يواجهها سوق الشغل.
وذكر المرصد أنه “يتعين كذلك على الحكومة تطوير استراتيجيات تتضمن تحفيز الاستثمارات في القطاعات الصناعية والخدمية، وتعزيز التكوين المهني وتوفير الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. هذه الخطوات ستكون ضرورية لخلق فرص العمل المستدامة وتحسين الأوضاع الاقتصادية للشباب المغربي”. كما أن التغلب على هذه الآفة يتطلب “تنسيقا فعالا بين مختلف القطاعات الحكومية والقطاع الخاص، لضمان خلق بيئة مواتية للنمو والتشغيل”.
المصدر: هسبريس