تحالفوا مع كتائب علي كرتي الإرهابية .. إحذروا اليساريين الكذبة (3)
ابراهيم مطر
(بعد اغتيال حسين مروة برصاص حزب الله بأيام وخلال اجتماع في بيت الدكتور “طيب تيزيني” على شرف حضور الفيلسوف والشاعر الماركسي المحبوب “مهدي عامل”. سُئل مهدي عامل كيف ستكون العلاقة بينكم وبين حزب الله وأمل بعد اغتيال حسين مروة، فأجاب: لا بد من التحالف معهم، نحن في معركة صعبة مع إسرائيل. فقلت له: من قتل حسين مروة سيقتل مهدي عامل، أخاف عليك. تبسّم مهدي بسمته الطفلية وأجابني: لا تخَف عليّ. لم يمضِ على اغتيال حسين مروة شهور حتى تم اغتيال مهدي عامل في 1987. ولم تمضِ سنوات قليلة حتى صفّى حزب الله المقاومة الوطنية اللبنانية).
وما ورد أعلاه مقتطف من مقال مطول للدكتور “أحمد البرقاوي” وهو الأستاذ الجامعي، المفكر، والناقد اليساري السوري رصد فيه تحالفات اليسار المتكررة والقاتلة مع المليشيات الدينية المتطرفة، فتطرق لتحالف الشييوعيين مع “آية الله العظمى” الإمام الخميني ضد شاه إيران، وكذلك إصرار الشيوعيين في لبنان، على التحالف مع مليشيات “حزب الله” الدينية المتطرفة، وكانت نتيجة هذا التحالف، أن تم القضاء على الحزب بصورة تامة في إيران بعد أن داست عليه أحذية “الولي الفقيه” ليصير “أثراً بعد عين”، وصار اليساريون الإيرانون أنفسهم، في ندرة أسنان الدجاج.
وأما في الحالة الثانية فقد حول “حزب الله” الحزب الشيوعي اللبناني بعد اغتيال قادته وتصفيته، إلى “حالة إسفيرية”، تظهر من خلال الاحتفالات السنوية والموسمية، يزحمون بطبولهم وراياتهم الآفاق في فيديو مدته ثلاث دقائق في كل عام، ثم يختفون.
وإن كان ثمة عبرة في مقال البرقاوي المطول، فهي أن تحالف اليسار مع الجماعات الدينية المتطرفة قديم، وما هو على الحزب الشيوعي السوداني ببعيد.
وعلى غير ما انتظار جاءت استقالة عضو الحزب الشيوعي السوداني “نجاة طلحة” هذا الأسبوع، لتبصم بأصابعها العشرة على صحة ما سبق وأثرناه من تغويص الحزب على مستوى القيادة من جانب الحركة الإسلامية، وانحرافه عن جادة ما ظل ينادي به اليسار منذ الثورة الفرنسية، وحتى يوم الناس هذا، فقد فاحت من استقالة السيدة الشيوعية السابقة، رائحة العنصرية العطنة، وهي تحث حزبها “المدجن”، على الوقوف بجانب الجيش “المخصي بدوره”، لصالح الحركة المسيلمية.
وأنت تنظر لنشاط الحزب العريق خلال الاسبوعين الماضيين بتوقيت الحرب، لتجد أنه اكتفى بأن أخرج بياناً قال فيه إن القيادي “محي الدين الجلاد” تعرض لاعتداء من مجموعة “ترتدي زي الدعم السريع”، بعد أيام من مقال تحدثنا فيه عن كونه أحد ثلاثة، يمثلون جبل الجليد في تغويص الحزب.
أما النشاط الثاني فكان هو ما نُشر في كلمة “الميدان”، من أن السكرتير السياسي للحزب، والذي أتى به مؤتمر “الحارث التوم” السادس من العدم، “كاد” أن يتعرض للاعتداء، وهذا هو سهمه تجاه ما يحدث في السودان خلال أسبوعين، قتل فيهما أكثر من 500 مدني من السودانيين بحسب الإحصاءات الأولية، وشهد مذبحة بشعة لعضوية “لجان الطوارئ” وهم في ميعة الصبا والشباب على يد “كتائب البراء بن مالك” التابعة للحركة الإسلامية، والتي يسميها بعض اليساريين في السودان بـ”الجيش السوداني”، إمعاناً في التضليل والمخادعة، وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون.
وأنت تنظر فلا ترى ماذا نقمت “نجاة طلحة” على الحزب في “انبطاحته الحالية”، حتى تضغط عليه طلباً للمزيد، وتصرح بطلبها الذي يناقض كل حقائق التاريخ، وهو أن يستنفر عضويته، للقتال في صفوف كتيبة البراء بن مالك، ضد من وصفتهم بالـ”عصابات المتوحشة”، بل وتساءلت “بغضب” عن سبب تجاهل الحزب أن حرب الدعم السريع ليست مع الجيش، “بل مع بناتنا”!.
ومن نافلة القول الحديث عن أن “نون الجماعة” في عبارة هذه الـ”نجاة”، لا تشمل السودانيين في كردفان ودارفور، لكنها تبرز كاتبتها على أنها مظهر من مظاهر اليد الخفية، والتي ظلت تنخر في عظم الحزب العريق، من أجل أن تصل به لمرحلة الركوع العلني والتعبد العاري المفضوح، في محراب الإرهابي المطلوب للمحاكم الدولية “علي كرتي”.
ولم تصدق هذه اليسارية المستقيلة إلا حين أقرت بأن المعركة من وجهة نظرها (ليست معركة “البرهان”، أو معركة “مع الكيزان”)، وليس من الصعب أن يستنتج العاقل أنها تعتمد تعريفاً آخر للمعركة، لكنها لا تمضي في توضيحها لغايته كونها تستحي من أن تظهر أمام الناس دون مساحيق وأن تظهر عورة عنصريتها للعيان، ولذا فقد استبدلت صريح العبارة بعبارات مبهمة تعيد القارئ إلى التفكير مجدداً في “من يقصد هؤلاء حين يتحدثون عن الشعب السوداني؟”
ولم تستح السيدة الماركسية من أن تدعو صراحة لتسعير الحرب في بلادها، وسرعان ما انحدرت في استقالتها للتهديد الذي يشبه الحركة الإسلامية أكثر مما يشبه يساريين آخر الزمان هؤلاء فتقول: (إذا إنتصر الجيش في معركة الكرامة، يتوجب على من اختاروا الطريق السهل، طريق هتاف شعارات “ضد الكيزان” و “لا للحرب” أن يصمتوا. ولا يظهروا عند نهاية الحرب ليطرحوا شعارات الحكومة المدنية. فالجيش الذي رفضتم دعمه لأنه ليس جيش البلد بل جيش الكيزان هو الذي سيفرض نظام الحكم).
سقطت ورقة التوت عن “نجاة”، فبانت على حقيقتها، عارية عن كل مبدأ وقيم، ولعلها استنفذت أغراضها فعمدت الحركة الإسلامية على حرقها مثلما كان يحدث في الجامعات إبان حرب الغواصات بين الحركة الإسلامية والتنظيمات الوطنية، لكن ما ضاق به صدرها فخرج على لسانها من دعوة لتسعير الحرب وترويج للعنصرية وكراهية الآخر، والدعوة الصريحة للمصالحة مع فقهاء آخر الزمان القتلة، كشفت عن الدرك الذي وصل إليه الحزب، في ظل قيادته الحالية، المتحالفة مع الشيطان.
ثمة ما يحدث داخل الحزب الشيوعي السوداني إذن، وهو يتعلق بموقفه من حرب أبريل، وما استقالة غواصة الحركة الإسلامية “نجاة” التي سارعت بنشرها في الميديا، إلا محاولة للضغط على الحزب، ودفعه إلى أن يصطف إلى جانب كتائب “البراء بن مالك”بصورة علنية ومباشرة، ويدعمها بشبابه من عضوية الحزب، وما ذلك على عدد من قياداته الحالية من المشبوهين ببعيد.
وفي الختام نقول بمثل ما قال البرقاوي، أننا نخشى أن اليد التي قتلت “علي فضل”، وفصلت قيادات الحزب التاريخية أصحاب الفضل المعروف والسيرة النقية في ما يشبه المذبحة، ستسلم الحزب الشيوعي السوداني لمصير رصفائه في إيران ولبنان وغيرها، ليؤول إلى تلك الحالة الصوتية الموسمية، أراجيحاً وكعكاً وفطائر، وزيارات مقابر.
المصدر: صحيفة الراكوبة