“لا للحرب ونعم للثورة” موقف جاد وليس حياد!!
د. أحمد عثمان عمر
(١) بدأنا نسمع مؤخرا اتهاما متكررا لقوى ثورة ديسمبر المجيدة المناهضة للحرب ، بالحياد والوقوف موقفا سلبيا بدلا من دعم الجيش المختطف في حربه ضد المليشيا المجرمة. والاتهام الذي يتردد بصفة أساسية من وطنيين علت اصواتهم بشكل منسق في الفترة الأخيرة بدعم الجيش المختطف بالمواكبة مع حراك المجتمع الدولي في اتجاه التصعيد للوصول إلى التسوية، تعززه مزاعم بأن عدم دعم الجيش المختطف يعني عدم دعم مؤسسات الدولة كذا وبقوة عين دون أن يتم توضيح كيف تم اعتبار الجيش المختطف من ضمن مؤسسات الدولة التي اختفت بالفعل. ولسنا في حاجة للقول بأن هذا الإتهام الغليظ مبني على فهم خاطيء ومضلل للحياد ، وأن الجيش المختطف الحالي ليس مؤسسة الدولة القومية التي يجب دعمها. فالحياد يعني موقفا سلبيا لا يؤثر في الحدث السياسي ولا يحدد موقع الطرف المعني منه، ويجعل من هذا الطرف مجرد مفعول به خارج عن دائرة الصراع بالكلية ، والجيش ليصبح مؤسسة دولة لا بد أن تكون هناك دولة بالفعل أولاً ، وأن يلتزم الجيش بدوره المرسوم له دستوريا ثانيا ، وألا يخضع لقوى سياسية بعينها ينفذ مشروعها ويصبح أداة لها في قمع خصومها وسرقة مقدرات الوطن و تجييرها لمصلحة قوى اقليمية ، والإنخراط في محاور تفقد الوطن القدرة على الحفاظ على سيادته. وغياب الدولة الان لا تخطئه عين، فالهيئة القضائية غائبة عن الجزء الأكبر من الوطن الذي تحتله المليشيا المجرمة ، وما تبقى منها شكلا في مناطق سيطرة الجيش المختطف مختطف هو نفسه وموظف لخدمة الحركة الإسلامية المجرمة ، والتشريع في يد السلطة التنفيذية غير الشرعية التابعة الحركة نفسها والمكونة من الشق العسكري الانقلابي المزمن التابع لها الذي تبقى من لجنتها الامنية ، وهو نفسه قيادة الجيش المختطف غير الشرعية بنص قانون القوات المسلحة وقانون معاشات الضباط. وهذا يعني أنه لا توجد بالأصل دولة حتى يكون هناك جيش قومي ، كما أن الجيش الموجود مختطف ودعمه يعني دعم الانقلاب على الشرعية ودعم من يختطفه ويدعمه في حربه دون مواربة وبشكل مباشر.
(٢) “لا للحرب” موقف مقرون تماما ومنذ أول يوم ب”نعم للثورة”، حيث أن رفض الحرب استمرار لرفض الانقلاب العسكري الاول الذي قطع الطريق على الثورة بواسطة اللجنة الامنية للإنقاذ ، وإستمرار لرفض فض الاعتصام ، والوثيقة الدستورية المعيبة التي قننت مليشيا الجنجويد المجرمة وساوتها بالجيش المختطف، ولشراكة الدم التي احتوت الثورة ، وللانقلاب الثاني في اكتوبر 2021م ، ولنتائجه بعد فشله ومنها الحرب الراهنة المشتعلة بين طرفي اللجنة الامنية للإنقاذ بعد إنقسامها نتيجة لاختلال توازن الاتفاق الإطاري عند محاولة تحويله لاتفاق نهائي يحافظ على تمكين الحركة الإسلامية المجرمة بواجهة مدنية في ظل شراكة دم جديدة. وهذا موقف متكامل مبني على تكييف هذه الحرب اللعينة على اساس أنها صراع بين فئتين من فئات الرأسمالية الطفيلية تساكنا لفترة في المؤتمر الوطني المحلول وانقسما بوضوح بعد انقلابهما العسكري معا مرتين ضد ثورة ديسمبر المجيدة، واتخاذ موقف ضد طرفيها بإعتبارهما معا معاديان للشعب السوداني وثورته ، عداءا ثابتا يقينا بكل ما تم من احداث منذ إندلاع الثورة المجيدة وحتى هذه اللحظة ، وتمسك بمصلحة الجماهير وشعارات ثورتها ورفض الانخراط في حربهما ، في إطار التمسك بالسلمية ضد الحرامية كما نادت جماهير شعبنا. فكيف يكون الوقوف ضد الطرفين المتحاربين معا ، والعمل على طردهما معا إعمالا لشعار الثورة “الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل” حياداً ، والمطالبة بما طالبت به الثورة وجماهيرها حياداً ، ورفض دعم طرفي اللجنة الامنية للإنقاذ في حربهما حيادا والعمل على توفير مقومات الصمود وتوحيد قوى الثورة ضد عدويها الواضحين حياداً ، والوقوف ضد أي جهة أو جهات حياداً. فالضدية واختيار معسكرا مضادا لأي جهة او جهات ، موقف يستحيل أن يكون حيادا ، فهو يجعل الجهة المضادة طرفا في معادلة الصراع ، فاعلا ومؤثرا فيها في حدود قدراته ، وهي موقف إيجابي وليس سلبي بأية حال ، وحق كامل لشعبنا وقواه السياسية الحية.
(٣) في المقابل الانخراط في دعم أي من طرفي الحرب المجرمين ، يعني الوقوف مع القوى المضادة للثورة قولا واحدا ، وهو ليس موقفا مقابلا للحياد المزعوم الذي يتم تسويقه رغما عما ذكر أعلاه ، بل هو مقابل لرفض دعم القوى المضادة للثورة والخروج عن السلمية وفعل الجماهير التي صنعت الثورة والقادرة على حمايتها والاستمرار في طريقها لحين تحقيق أهدافها. وهو إنخراط في تسعير الحرب في مقابل رفضها ، وهو قبول بشروط اللعبة والمعادلة التي فرضتها اللجنة الامنية للإنقاذ التي فشلت في هزيمة سلمية الثورة فأشعلت هذه الحرب لطرد الجماهير من المعادلة السياسية وفرض سلطتها وتمكينها الكامل مجددا بعد فشلها في فرضه عبر الانقلاب العسكري. كذلك الانخراط في الحرب من مواقع دعم الجيش المختطف ، يعني منح الشرعية للانقلاب العسكري الذي تناسلت منه سلطة الأمر الواقع الماثلة ، ومنح الشرعية للحرب نفسها ولاستمرارها كوسيلة لحسم الصراع السياسي ، وهذا يسمح برسملة اهدافها سياسيا وإعفاء المجرمين في قيادة الجيش المختطف من المحاسبة بالتبعية. وهو كذلك انخراط في تنفيذ مخطط المجتمع الدولي القائم على الحفاظ على توازن الضعف لفرض شراكة الدم الجديدة ، ودعم للمحور الاقليمي والدولي الداعم للجيش المختطف ، ودعم لحالة الفساد الواسعة في سلطة الأمر الواقع التنفيذية المكلفة من قبل الانقلاب ، ودعم لكتائب الحركة الإسلامية المجرمة وتقنين لجرائمها مثل تصفية متطوعي التكايا في الحلفاية مؤخرا ، ودعم الاستبداد السياسي الذي تمارسه الحركة الإسلامية المجرمة ضد جميع خصومها السياسيين في مناطق سيطرة الجيش المختطف ، ودعم لقصف المواطنين المدنيين بالطيران وتدوينهم بالمدفعية ودعم لرفض وقف الحرب والتفاوض من أجل ذلك ، كما أنه غفلة عن إمكانية وصول الجيش المختطف للوصول إلى تسوية مع المليشيا المجرمة في حال اتفاقهما على اقتسام سرقة ونهب شعبنا بأي صورة من الصور. فالجيش المختطف والمليشيا المجرمة معا ، يسيطران على أكثر من 80% من إقتصاد البلاد ويخرجانه من يد الشعب الثائر ، وهما معا يحميان تهريب ثروات البلاد إلى الخارج ، وهما معا يمارسان الاستبداد السياسي ضد الجماهير ، وهما معا يقتلان المواطنين ، وهما معا نفذا انقلاب القصر وقطعا الطريق أمام الثورة ، وهما معا ارتكبا مجزرة فض اعتصام القيادة العامة ، وهما معا فرضا الوثيقة الدستورية المعيبة على التيار التسووي وشرعنا المليشيا المجرمة دستوريا ، وهما معا واصلا قتل الثوار وتلفيق التهم لهم ايام حكومات شراكة الدم ، وهما معا نفذا انقلاب أكتوبر 2021م ، وهما معا وقعا الاتفاق الإطاري واختلفا عند تحويله إلى اتفاق نهائي ففرضا هذه الحرب اللعينة على شعبنا ويحاولان وخصوصا الجيش المختطف فرض استمرارها. فكيف يصبح الوقوف ضدهما معا وضد كل ما ذكر سابقا حياداً ؟ .
(٤) الواضح أن رفض الحرب عند قرنه مع الوقوف مع الثورة ليس حيادا ، بل هو طريق ثالث رافض للانخراط في الحرب بدعم احد طرفيها ، وللسماح لطرفي الحرب المعاديين لشعبنا بفرض معادلة سياسية جديدة عبر الحرب لتصفية الثورة ، وتمسك بشعارات الثورة وبسلميتها وانحيازا كاملا للجماهير التي واصلت ثورتها لسنوات ضد هذين الطرفين المتحاربين بالذات، اللذان شكلا الذراع الضاربة للقوى المضادة للثورة ، وعملا بكامل قوتهما لاحتواء الثورة ومن ثم تصفيتها. فهو أي موقف رفض الحرب موقف ايجابي وليس سلبي ، تماما كرفض الانخراط في انتخابات مزورة مسيطر عليها في ظل سلطة استبدادية مع العمل المنظم لنزع الشرعية عنها. فرفض الحرب وعدم دعم اي من طرفيها ، يعني نزع الشرعية عن الحرب .
أولا: ومنع اطرافها من تجديد قواهما وضخ الدماء في شرايين حربهما .
ثانيا : وعزل للحرب إجتماعيا لخنقها ومنعها من تحقيق اهدافها .
ثالثا : والتأسيس لبناء معادلة سياسية بديلة ودولة انتقالية تعقب الحرب وتطرد طرفيها عبر النضال وتجلبهما معا للعدالة والمحاسبة على جميع الجرائم التي ارتكباها. وهذا مشروع نضالي ضخم وكبير ، أساسه الثقة في جماهير شعبنا العظيمة وفي قدرتها على استعادة ثورتها وفرض إرادتها عبر التنظيم والوحدة مهما كان الثمن وطالت المدة ، والمشروع النضالي لا يمكن إتهامه بأنه حياد ، لأنه ببساطة فعل رافض يهدف للتغيير ويتمسك بالثورة وتحقيق اهدافها ، والثورة حتما ليست حيادا. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله !!! .
المصدر: صحيفة الراكوبة