هل الفقراء أكثر عرضة لأمراض القلب؟
هل الفقراء أكثر عرضة لأمراض القلب؟
كان الاعتقاد السائد عن أمراض القلب والشرايين والجلطات هو أنها تصيب الأغنياء بالدرجة الأولى، لربطها في المقام الأول بافتراض كثرة تناول هؤلاء للحوم والأطعمة الغنية بالدهون.
لكن، في السنوات القليلة الماضية، توالت التقارير والدراسات حول الأسباب المتعددة لارتفاع أعداد المصابين بأمراض القلب والحالات المؤدية إلى الإصابة بها بين الفقراء، وكانت آخرها دراسة أجرتها جامعة أكسفورد البريطانية، كشفت عن الاتجاهات المتغيرة والتحديات المستمرة في أمراض القلب على مدى السنوات العشرين الماضية.
وحلل الباحثون السجلات الصحية الإلكترونية لـ 22 مليون شخص. وشمل ذلك 1,650,052 شخصاً تم تشخيص إصابتهم حديثاً بمرض واحد على الأقل من أمراض القلب والأوعية الدموية بين عامي 2000 و2019، بمتوسط عمر 70.5 عام، منهم 48% من النساء.
ووجدت الدراسة أن الأشخاص في المناطق الفقيرة أكثر عرضة للإصابة بأمراض قلبية معينة بمقدار الضعف مقارنة بأولئك الذين يعيشون في المناطق الأكثر ثراء.
فهل حقاً الفقراء أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب؟ ولماذا؟
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
بداية، ما هي أمراض القلب؟
تشمل أمراض القلب، التي يشار إليها مجتمعة بأمراض القلب والأوعية الدموية (CVD)، مجموعة من الحالات التي تؤثر على القلب والأوعية الدموية. وفيما يلي بعض الأنواع الأكثر شيوعاً من أمراض القلب:
- مرض الشريان التاجي: وينجم عن تراكم الترسبات في الشرايين التاجية التي تزود القلب بالدم، ويسبب ألماً في الصدر (الذبحة الصدرية) وضيقاً في التنفس ونوبات قلبية.
- النوبة القلبية (احتشاء عضلة القلب) الذي يحدث عندما لا يحصل جزء من عضلة القلب على كمية كافية من الدم.
- فشل القلب: ويُعرف أيضاً باسم قصور القلب الاحتقاني، ويحدث عندما لا يتمكن القلب من ضخ ما يكفي من الدم لتلبية احتياجات الجسم.
- عدم انتظام ضربات القلب: التي ينجم عنها خفقان أو تسارع في ضربات القلب ودوخة وضيق التنفس وألم في الصدر وإغماء.
- اعتلال عضلة القلب: الذي يجعل من الصعب على القلب ضخ الدم إلى بقية الجسم، وقد يؤدي إلى فشل القلب.
- صمامات القلب: وهو تلف صمام واحد أو أكثر من صمامات القلب، ما قد يعطل تدفق الدم عبر القلب.
- عيوب القلب الخلقية: وهي مشاكل هيكلية في القلب يولد بها الإنسان، وتتراوح بين عيوب بسيطة بدون أعراض إلى مشاكل معقدة ذات أعراض حادة تهدد الحياة.
- مرض الأبهر: الحالات التي تؤثر على الشريان الأورطي، الشريان الكبير الذي يحمل الدم من القلب إلى بقية الجسم.
- مرض الشريان المحيطي: وهو حالة من أمراض الدورة الدموية يؤدي فيها ضيق الأوعية الدموية إلى تقليل تدفق الدم إلى الأطراف، فينجم عنه ألم في الساق عند المشي أو تنميل (فقدان الإحساس) أو ضعف في الساق أو برودة في أسفل الساق أو القدم.
- أمراض القلب الروماتيزمية: وهي الأضرار التي تلحق بصمامات القلب وعضلة القلب من الالتهاب والتندب الناجم عن الحمى الروماتيزمية، والتي تسببها البكتيريا العقدية.
- إن فهم هذه الأنواع من أمراض القلب وأعراضها وتأثيرها على الصحة، يمكن أن يساعد في الكشف المبكر والوقاية منها أو معالجتها.
أمراض الفقر
تحدثتُ إلى اثنين من مرضى القلب، آمنة موسى (57 عاماً) من مدينة حلب السورية، وشريف إبراهيم (59 عاماً) من أربيل في كردستان العراق. ولاحظت أن هناك نمط حياة معيناً وبعض العادات المتشابهة بينهما.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
كلاهما أجرى عملية توسيع الشريان التاجي في أوائل الخمسينات من العمر، ولم يستشيرا الطبيب إلا عندما شعرا بضيق التنفس أثناء بذل أقل جهد. وكلاهما يدخن، ويعيش أوضاعاً معيشية سيئة، ويفتقر إلى المعرفة الكافية لكيفية التعامل مع أمراض القلب أو سبب إصابته بالمرض.
تقول آمنة: “بعد أن أجريت عملية القلب، نصحني الطبيب بأن أمتنع عن تناول الأطعمة الغنية بالدهون وبعض النشويات كالبطاطس، لكن في كل الأحوال ليست لدينا رفاهية تناول اللحوم لا الحمراء منها ولا الدجاج ولا حتى المعلبات إلا ما ندر، واستغربت كثيراً عندما تم إخباري بأن مستوى الكوليسترول مرتفع لدي، لأنني كنت أظن أن مثل هذه الأمراض تصيب فقط الأشخاص الذين يتناولون اللحوم والدهون بكثرة وليس أمثالي”.
ويقول شريف: “في ظل الظروف المعيشية السيئة وندرة فرص العمل لمن هم في مثل سني، باتت سيجارتي هي متنفسي الوحيد، فنحن نتغذى بالهموم وننام بها”.
آمنة وشريف ليسا إلا قطرة من بحر المرضى المصابين بأمراض القلب في البيئات الأكثر حرماناً.
ويقول وليد صوالحة، استشاري أمراض القلب والشرايين في عمان، لبي بي سي عربي إنه بسبب “الفقر والحياة القاسية، يعاني سكان المناطق الأكثر حرماناً من التوتر النفسي والقلق الناتج عن قلة توفر فرص العمل وعدم وضوح المستقبل، لذلك أنصح بممارسة الرياضة بشكل منتظم لمعالجة التوتر والقلق النفسي وتحسين المزاج والاسترخاء وزيادة اللياقة البدنية، لينعكس ذلك بشكل إيجابي في التخفيف من حدة الأمراض التي قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والعمل على تأخيرها قدر المستطاع”.
ويضيف: “لا بد أن يرافق ذلك وعي صحي بمخاطر التدخين وأسباب ارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع نسبة الدهون في الجسم وما إلى ذلك”.
التوتر النفسي والإجهاد
في الواقع، يمكن أن يؤدي الفقر إلى أمراض عديدة ليس فقط أمراض القلب، بسبب انخفاض فرص الحصول على الرعاية الصحية الكافية مثل السرطان والسكري وغيرهما.
في دراسة سابقة أجرتها كلية الطب في جامعة هارفارد، استخدم الباحثون التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني لمسح أجسام وأدمغة ما يقرب من 300 شخص لا يعانون من أمراض القلب المعروفة لقياس نشاط الدماغ في منطقة تسمى اللوزة الدماغية (amygdala)، والتي تساعد على تنظيم استجابة الجسم للضغط النفسي. كما بحثوا عن علامات الالتهاب في الخلايا المناعية والشرايين.
وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين يعانون من مستويات أعلى من التوتر لديهم نشاط متزايد في اللوزة الدماغية والتهاب أكثر في شرايينهم. كما كانت فرصتهم في الإصابة بمرض من أمراض القلب أكبر من غيرهم.
وأطلقت مؤخراً مؤسسة القلب البريطانية الخيرية (British Heart Foundation) وهي أكبر ممول لأبحاث أمراض القلب والدورة الدموية في أوروبا نداءً يدعو كافة الأحزاب السياسية إلى جعل أمراض القلب أولوية صحية، إذ قالت الرئيسة التنفيذية للمؤسسة، شارمين غريفيث: “إنه لَأمرٌ مخزٍ أن يكون هناك في عصرنا شخص ما أكثر عرضة لخطر الوفاة في سن مبكرة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية فقط، وبسبب المكان الذي يعيش فيه وضعف مصادر دخله”.
وتقول أورلا فلانيري، وهي دكتورة ومحاضرة أولى في التغذية في جامعة مانشستر متروبوليتان لبي بي سي عربي: “هناك عدد من عوامل الخطر المرتبطة بنمط الحياة التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب التاجية. يمكن للنظام الغذائي غير الصحي وانخفاض مستويات النشاط البدني، أن يسهما في الإصابة بأمراض القلب، إضافة إلى عوامل الخطر الأخرى كالتدخين وشرب كثير من الكحول والإجهاد النفسي والسمنة”.
وتضيف فلانيري: “وللوقاية من الإصابة بالمرض، هناك عدة طرق مساعدة، منها الإقلاع عن التدخين واتباع نظام غذائي صحي. على سبيل المثال حمية بلدان البحر المتوسط التي تركز على تناول الكثير من الفواكه والخضراوات والأسماك والبقوليات. وتعد إضافة حبة واحدة من الفاكهة والخضراوات إلى كل وجبة طريقة رائعة للبدء في ذلك. وكذلك، يساعد تقليل تناول الملح والدهون المشبعة (الموجودة في اللحوم الحمراء والمعالجة ومنتجات الألبان كاملة الدسم) إلى جانب المشي لمدة 30 دقيقة يومياً على خفض مستوى التوتر والوقاية من أمراض القلب وغيرها”.
ويقول إياد النايب، استشاري جراحة الأوعية الدموية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية: “هناك أسباب رئيسية للأمراض الوعائية وعلى رأسها: التدخين، ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول والسكري، بالإضافة إلى عامل البدانة”.
وبالرغم من التطور العلمي والتقني في علاج أمراض القلب والأوعية، إلا إن الوقاية تبقى العامل الأقوى في عملية العلاج.
ويقول النايب: “على الرغم من أن الأعراض المرضية قد تبدأ في منتصف العمر، إلا أن المرض بحد ذاته يكون قد بدأ بالوجود قبل عقد من الزمن، لذلك يكون لدينا الوقت الكافي للوقاية منه مبكراً”.
ويرى النايب أن الفقر أو الدخل المحدود، يعد عاملاً مهماً في ظهور أمراض القلب والأوعية والسكري والسرطان. ولا ننسى نقص الرعاية الصحية المتاحة لسكان بعض الدول الفقيرة، وارتفاع نسبة المدخنين ضمن هذه الفئة له دور أيضاً، مضيفاً أن عامل التوتر المرتبط بالحياة القاسية، الذي يؤدي إلى ازدياد إفرازات بعض العوامل الكيمياوية في الجسم، قد تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. وأنه يجب ألا ننسى أبداً الحمية الغذائية غير الصحية والتي قد تؤدي إلى زيادة الوزن والإصابة بمرض السكري اللذين يلعبان دوراً كبيراً في ازدياد خطر الإصابة بأمراض القلب”.
إذاً، لطالما تتسبب أمراض القلب في وفيات أعداد كبيرة في جميع أنحاء العالم، لذا يُوصَى باتخاذ التدابير اللازمة للوقاية منها، مثل تبني نمط حياة صحي للقلب، والذي يتضمن الحفاظ على نظام غذائي متوازن والانخراط في نشاط بدني منتظم، وتجنب العادات الضارة التي يحذَر منها. إضافة إلى الفحوصات الطبية المنتظمة وإدارة حالات مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والكوليسترول قبل تفاقمها.
المصدر: صحيفة الراكوبة