اخبار الكويت

لبنان.. الطواقم الطبية والمستشفيات في مرمى النار الإسرائيلية

إلى غزة دُر… هكذا هو حال لبنان، الذي تحوّل «حلبة نار» في الحرب المجنونة بين إسرائيل و«حزب الله». ففي نحو ثلاثة أسابيع صار المشهد الغزاوي جاثماً فوق الوطن الذي يواجه أكثر الحروب ضراوة في العصر الحديث.

طاحونةٌ من الدمار الهائل، مَجازر «مكتومة» ضد المدنيين، عدوانٌ من الجو والبر والبحر، حربٌ بلا سقوف ومن دون أفق، تماماً كما هو الحال في غزة التي بدت كأنها «التمرين الأول» في صراعٍ اقتيد إليه لبنان.

منشآة نووية إيرانية

ولم يكن أدلّ على هذا «التماثل» بين لبنان وغزة، من استهدافٍ للقطاع الصحي «المحروس» في الشرائع الدولية… مستشفيات، أطباء، مسعفون، مراكز صحية، ممرضون، جميعهم شكلوا أهدافاً للتوحش الإسرائيلي المفرط في نحْره لـ «الحق الإنساني».

ويبدو وكأن «أمر مهمة» صدر أخيراً بالبدء باستهداف القطاع الصحي والإسعافي من آلة الحرب الإسرائيلية، في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وفي غير مكان. فالتقارير اليومية تتوالى عن قصف سيارات إسعاف كانت تنقل الجرحى واستشهاد طواقم طبية وإسعافية وخروج مستشفيات عدة من الخدمة واستهداف ممنهَج لمراكز صحية.

إنه الجحيم يتمدد إلى حيث كان يفترض أن يجد المصابون ملجأ وبلسماً لجراحهم مع اتخاذ اسرائيل القرار بزيادة الضغط العسكري عبر تعطيل المستشفيات ومنْع إسعاف المصابين وتحويلهم ضحايا.

قبل نحو شهرين وفي حديث إلى «الراي» عبّر نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون عن خشيته من استهداف المستشفيات في حال تَطَوَّرَ مسار المواجهات وتحوّلت حرباً كبرى. حينها كانت صورة استهداف المستشفى المعمداني في غزة وغيرها من المستشفيات حاضرة في خلفية صورة خطة الطوارئ الصحية التي أعدّتها الحكومة اللبنانية لمواجهة الحرب الأوسع. واليوم قفزت الصورة إلى الواجهة وحصل ما كان يُخشى منه بعد بدء استهداف المستشفيات في المناطق المختلفة وإخراج بعضها من الخدمة.

ولم يأت تحويل القطاع الصحي هدفاً من باب الصدفة أو كأضرار جانبية للقصف المتواصل على المناطق، بل جاء «عن سابق تصور وتصميم» لممارسة ضغوط موازية لاجتياحه الجوي وتوغُّله البري، رغم تبريرات إسرائيل المخادعة التي اتّهمت سيارات الإسعاف بنقل مقاتلين أو عتاد عسكري لكن هذه الادعاءات أتت وفق المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان غير مقنعة ولا مزوَّدة بأدلة تثبت صحتها.

ويوماً بعد يوم يتصاعد عدد الضحايا في القطاعين الصحي والإنقاذي ويرتفع عدد المستشفيات التي خرجت عن الخدمة. وقد وثّق المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان هذه الاعتداءات التي طالت مختلف القطاعات العاملة في المجال الصحي والإسعافي سواء الرسمية منها التابعة للحكومة اللبنانية أو تلك التابعة للهيئات الأهلية والمنظمات الإنسانية العاملة في لبنان بالأرقام المفصلة.

وتواظب وزارة الصحة اللبنانية على توثيق الاعتداءات اليومية وما خلفته من أضرار في البشر والحجر ضمن القطاع الصحي، إذ أكدت غرفة العمليات في الوزارة أن هناك 13 مستشفى تعرّضت حتى اليوم لاعتداءات مباشرة أو في محيطها المباشر، و5 منها خرجت من الخدمة كلياً. كما تَعرض أكثر من 45 مركزاً صحياً لاعتداءات مباشرة ودُمر ما يزيد عن 130 سيارة إسعاف.

150 ضحية

أما على الصعيد البشري فقد أدت الاعتداءات المتواصلة على العاملين في القطاع الصحي من مسعفين وعمال إنقاذ وأطباء وممرضين إلى سقوط 150 ضحية في صفوفهم إضافة إلى ضحيتين من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وأكثر من 140 جريحاً بينهم حالات حرجة جداً. علماً ان المكتب الإعلامي في وزارة الصحة كان أعلن عن مقتل 14 مسعفاً خلال يومين فقط من شهر سبتمبر.

ويكاد لا يمر يوم واحد من دون تسجيل استهداف للطواقم الصحية. ففي دردغيا القريبة من مدينة النبطية في الجنوب أدت غارة إلى سقوط 5 رجال من الدفاع المدني. وشهد السابع من أكتوبر مجزرة بحقّ طواقم الإسعاف في بلدة برعشيت الجنوبية حيث قصف الإسرائيليون مقر اتحاد بلديات بنت جبيل في حين كان رجال إطفاء الهيئة الصحية الإسلامية موجودين في المبنى استعداداً للانطلاق في مهامهم الإنقاذية ما أدى الى سقوط عشرة من رجال الإطفاء والإنقاذ تحت أنقاض المبنى الذي دمّر.

وكان الدفاع المدني اللبناني أصدر حتى أواخر شهر سبتمبر لائحة بأعداد شهدائه ومصابيه حيث أعلن أنه منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023 وحتى شهر ابريل 2024 خسر عنصرين لكن الأعداد بدأت بالارتفاع مع اتساع دائرة العدوان وعنفه في سبتمبر الماضي إذ سقط في يوم واحد وهو السابع من سبتمبر، 3 موظفين وتلاهم سقوط آخَر في 28 من الشهر نفسه. فيما بلغ عدد المصابين خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من سبتمبر 12 مصاباً في حين انه طوال فترة حرب الإسناد اقتصر العدد على نحو 16 جريحاً من عناصر الدفاع المدني.

ولم يسلم الصليب الأحمر اللبناني من الاعتداءات الإسرائيلية وخسر عدداً من مسعفيه وسياراته ولا سيما مع التصعيد الأخير للأعمال العنيفة كما جاء في بيان الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر حول لبنان الذي أكّد «ضرورة احترام وحماية المدنيين، الجرحى، والعاملين في المجال الصحي والمرافق الصحية، بما في ذلك الإسعاف إذ يجب أن يتمتع العاملون في المجال الصحي بإمكان الوصول الآمن والمستمر إلى كل من يحتاج إلى المساعدة… وعلى الجميع احترام شارة الحماية، وتسهيل المهام الإنسانية لهذه الفرق، والسماح بالتنقل إلى المرافق الخدمية، وضمان العودة الآمنة للفرق إلى مراكزها لمواصلة تقديم الخدمات المنقذة للأرواح».

قطع الخطوط الخلفية

لكن الواقع على الأرض يختلف عن المناشدات فالجيش الإسرائيلي بات يركز على استهداف القطاع الإسعافي لمنع وصوله إلى الجرحى والمصابين مغالاةً في الإجرام وتنفيذاً لخطة رسمها للضغط وقطع الخطوط الخلفية على المقاتلين المصابين وكذلك التسبب بمقتل العدد الأكبر ممن يتم استهدافهم بالقصف سواء من مقاتلين أو مدنيين.

ومع اشتداد موجات القصف بدأت مستشفيات عدة لا سيما في الجنوب تخرج عن الخدمة وقد انقسمت إلى فئتين: الأولى التي تعرضت لأضرار مباشرة أدت إلى خروجها من الخدمة، والثانية التي باتت أمنياً غير آمنة ولا يمكن الوصول إليها بسبب كثافة القصف على محيطها.

وتحدثت وزارة الصحة عن أن 13 مستشفى تعرضت لأضرار بسبب الاعتداءات الإسرائيلية. وشهد مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل سلسلة غارات أدت إلى إصابة تسعة أفراد من طاقمه الطبي وبينهم ثلاثة أطباء حالتهم حرجة حين سقطت قذيفة على غرفة الإستراحة التي كانوا يجلسون فيها. وشكل القصف المباشر للمستشفى سابقة في هذه الحرب وتم رفض إعطاء إذن عبر «اليونيفيل» لطواقم الإسعاف للدخول إليها وإجلاء الجرحى. وكل ذلك تحت ذريعة استخدام المستشفى «لأنشطة غير طبية» في حين أنه كان يؤمن الخدمات الصحية لأكثر من 30000 نسمة في كل قضاء بنت جبيل في جنوب لبنان.

وتم إخراج 4 مستشفيات حكومية من الخدمة في قرى الجنوب عبر استهدافِ محيطها أو مداخلها مثل مستشفى ميس الجبل الحكومي أو مستشفى مرجعيون حيث سقط عند مدخلها 7 مسعفين تابعين للهيئة الصحية الإسلامية. وبذلك لم يتبق سوى عدد قليل جداً من المستشفيات العاملة في الجنوب يصار إلى نقل المرضى الموجودين في المستشفيات الأخرى إليها مثل مستشفى تبنين الحكومي.

أما في الضاحية الجنوبية لبيروت وبعد ليلة القصف العنيف يوم السبت 5 أكتوبر على الضاحية الجنوبة واستهداف طريق المطار أضيف إلى اللائحة مستشفيان تضررا بشدة هما مستشفى السان تريز في منطقة الحدث ومستشفى الرسول الأعظم في منطقة برج البراجنة. وهما من المراكز الطبية الكبرى التي كان يُعوّل عليها لاستيعاب عدد كبير من مصابي الحرب. لكن بعد إشاعات خروجهما من الخدمة تم نفي الأمر وعُلم أنهما تستعدان لإصلاح الأضرار التي أصابت كلاً منهما بغية معاودة خدماتهما الصحية ولا سيما الطارئة.

فالقطاع الاستشفائي يسعى بكل طاقته للاستمرار رغم الظروف الضاغطة جداً التي يرزح تحتها. وعلى سبيل المثال أعلن المدير الطبي للمستشفى الحكومي في النبطية الدكتور حسن وازن ان المستشفى تعوّد على التعامل مع أجواء الحرب وهو مستمر بتنفيذ خطة الطوارئ رغم أن أعداد المرضى العاديين قد خفت بسبب النزوح وصار التعامل مقتصراً على جرحى الحرب والمصابين والشهداء ولكن ثمة حاجة كبرى لتأمين مادة المازوت لتتمكن المستشفى من الاستمرار.

وكان نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون كشف أن أعداد الأسرّة في المستشفيات كافٍ لاستقبال المرضى والمصابين لكن ثمة نقصاً حقيقياً في أسرّة العناية الفائقة كما في عدد أطباء العظام الذين يكثر التعويل عليهم أثناء الحروب، وثمة مشكلة في إيجاد أمكنة كافية في المستشفيات العاملة لمرضى غسيل الكلى، معرباً عن خشيته من أن يتم استهداف المزيد من المستشفيات وإخراجها من الخدمة، قبل أن يعلن «أن المستشفيات ضمن مناطق العمليات العسكرية في الجنوب والبقاع والضاحية تستقبل الحالات الطارئة فقط».

قطاعات صحية تئنّ

ولم يكن القطاع الصيدلاني بمنأى عن الاعتداءات، بل كان من أكثر المتضررين بحسب نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم الذي تحدث عن إحتراق وتدمير عشرات الصيدليات بالكامل وإصابة عدد كبير من الصيادلة أثناء القيام بواجبهم الإنساني.

ولم يعد مفاجئاً قيام نقابة الممرضين والممرضات في لبنان بنعي، وفي شكل مضطرد، «ممرضات استشهدن أثناء قيامهن بواجبهن الوظيفي في المستشفيات».

وقد وجهت النقابة كتاباً مفتوحاً الى مجلس التمريض الدولي بغية حماية الطواقم التمريضية ووقف النار. وقالت فيه: «نحن كممرضات وممرضين في الخطوط الأمامية، نكافح ليس فقط من أجل توفير الرعاية ولكن من أجل البقاء على قيد الحياة. لقد أدّى الدمار والخسائر الى تضاؤل الموارد المطلوبة لعملنا وأصبحت بيئة العمل غير آمنة وتركت أعباء نفسية لا يمكن تصورها. ومع ذلك، وفي خضم هذه الفوضى، فإننا نقف أقوياء، مندفعين بالتزامنا الثابت برعاية المصابين والجرحى، وندعو المجتمع الدولي إلى التضامن معنا».

المصدر: الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *