أوروبا الشرقية تمثل سوقا اقتصادية واعدة… هل يستثمر المغرب إمكاناته لتعزيز انفتاحه عليها؟
لطالما كانت أوروبا الشرقية سوقاً واعدة للمغرب، إلا أن الإمكانات الكامنة فيها لم تستغل بالكامل بعد، وعلى الرغم من نجاح بعض المنتجات المغربية، مثل الطماطم والتوت، في اختراق هذه الأسواق، إلا أن هناك مجالاً واسعاً لتوسيع نطاق التبادل التجاري والاستثماري، كما أن نجاح بعض المنتجات المغربية في هذه الأسواق يؤكد وجود طلب كبير على المنتجات المغربية عالية الجودة، مما يفتح آفاقاً واعدة أمام العديد من القطاعات الأخرى.
وتعتبر أوروبا الشرقية سوقاً واعدةً، حيث يبلغ عدد سكانها 111 مليون مستهلك، وتشهد نمواً اقتصادياً متسارعاً يفوق نظيره في الاتحاد الأوروبي، إذ من المتوقع أن تحقق دول مثل بولندا ورومانيا نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 3% بحلول عام 2025، مقارنة بـ 1.5% فقط للدول الأعضاء السابقة في الاتحاد الأوروبي.
هذا النمو الاقتصادي القوي يقترن بزيادة ملحوظة في الطلب على المنتجات الغذائية، خاصة الفواكه والخضروات، مما يفتح آفاقاً واسعة أمام المنتجات المغربية.
وحسب المهتمين بالمجال الاقتصادي فإن الطماطم يمكنها أن تشكل المحرك الأساسي للصادرات المغربية، خاصة وأن صادرات الطماطم المغربية إلى أوروبا الشرقية شهدت نمواً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت بنسبة 26% بين عامي 2019 و2023 لتصل إلى 60 ألف طن في عام 2022.
في هذا السياق اعتبر المحلل الاقتصادي، ياسين أعليا، المغرب يسعى المغرب إلى تعزيز انفتاحه على أسواق أوروبا الشرقية في ظل التغيرات الاقتصادية التي شهدتها هذه المنطقة منذ بداية التسعينيات، معتبرا أن تحول دول أوروبا الشرقية إلى اقتصاد السوق بعد تفكك الاتحاد السوفييتي أتاح لها فرصًا كبيرة للنمو الاقتصادي والاندماج في الاتحاد الأوروبي.
و يرى المحلل الاقتصادي أن هذه الدول، التي دخل بعضها إلى السوق الأوروبية الموسعة، تمثل فرصًا واعدة للاقتصاد المغربي.
وأوضح المتحدث أن المغرب وعلى الرغم من العلاقات التي تربطه مع دول مثل هنغاريا وبولندا والمجر، إلا أن هذه العلاقات لا تزال أقل أهمية مقارنة بتلك التي تربطه بدول أخرى في أسواق تقليدية، مثل فرنسا وإسبانيا، وهما الشريكان الاقتصاديين الرئيسيين للمغرب. كما أن ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا تظل من بين الشركاء المتجذرين في علاقاتها الاقتصادية مع المملكة.
أعليا يلفت الانتباه إلى ضرورة استغلال الظروف الراهنة التي تفرض على المغرب البحث عن انفتاح أكبر على دول شرق أوروبا، إضافة إلى توسيع التعاون مع دول شمال أوروبا، مضيفا أن هذه الدول، التي تتمتع بمستويات اقتصادية مشابهة إلى حد ما للمغرب، تمثل شريكًا محتملاً في المستقبل القريب.
وأكد أعليا أن المغرب يملك قدرة تفاوضية قوية تمكنه من بناء علاقات تجارية متينة مع هذه الدول، خصوصًا وأنها تعتبر بوابة لولوج أسواق أوروبا الشمالية وروسيا، بما في ذلك المناطق البعيدة في أقصى شرق القارة.
وفي ظل التحديات الاقتصادية العالمية، أشار المتحدث إلى وجوب استغلال المغرب لقدراته للاستفادة من جميع الإمكانات المتاحة رغم الصعوبات التي قد تواجهه، وأحد أبرز هذه التحديات هو أن الإنتاج المغربي لا يسع لتغطية جميع الأسواق المحتملة، ولا يتمتع بتنوع كافٍ يسمح بتوسيع قاعدة الشركاء الاقتصاديين.
بالنسبة لتصدير السيارات إلى هذه الأسواق، اعتبر المحلل أن المغرب سيواجه منافسة شرسة، خصوصًا أن دولًا مثل رومانيا وبولندا تتمتع بميزة في قطاع صناعة السيارات، حيث أن هذه الدول تستفيد من قربها من الأسواق الغربية، مما يجعل فرص المغرب محدودة في هذا المجال، لا سيما في قطاع السيارات الفاخرة التي لا يمتلك المغرب فيها قدرات تصنيعية تنافسية.
من ناحية أخرى، يوضح الخبير الاقتصادي أن المغرب يمكنه التعاون مع هذه الدول في مجالات أخرى مثل المنتجات الزراعية التقليدية، رغم صعوبة تلبية احتياجات هذه الأسواق، ولكنه يرى أن الثروة الفوسفاطية للمغرب قد تمثل فرصة لتعزيز موقعه في هذه الأسواق، خاصة في ظل الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية في العديد من القطاعات.
في الختام، يقر أعليا بأن الولوج إلى أسواق أوروبا الشرقية ليس بالأمر السهل، ليس بسبب انغلاق هذه الأسواق، بل نظرًا لمحدودية الإمكانات الإنتاجية والاقتصادية للمغرب، وبالتالي هذه العوامل تجعل من التوسع الاقتصادي نحو هذه المنطقة تحديًا حقيقيًا يتطلب سياسات اقتصادية أكثر تنوعًا وتكاملًا.
المصدر: العمق المغربي