اخبار السودان

التعامل مع الرأي الآخر رغم الاختلاف

خالد فضل

بمسح سريع لما يتداوله السودانيين/ ات من آراء وأفكار وعبر مختلف الوسائط ؛ حتى في الجلسات العابرة أو لحظات الوقوف عند ناصية الشارع أو أمام بوابة المنزل في لحظات الوداع , يمكن بسهولة اكتشاف درجة (الخلافية) بيننا . خاصة ما يتعلق بالشؤون العامة , وهموم بلادنا التي لم تغادر خانة (ندب الحظ وسوء المنقلب) مذ وعيت للحياة على مستواي الشخصي على الأقل ؛ فيما بعد منتصف السبعينات من القرن الماضي , القاعدة العامة المتفق عليها لدى معظمنا بالطبع هي (رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب) , عليه تتحول معظم نقاشاتنا إلى انقسامات , وتبدأ مرحلة جديدة من هذه الإنقسامات لحظة بروز رأيين مختلفين وهكذا وصلنا إلى هذه المرحلة العقيمة بالفعل في تاريخنا. ثم إنّ غالبيتنا لا يركنون إلى الوسائل العلمية _حتى وسط المتعلمين نظريا_ في القبول أو الرفض , فقط هناك كنكشة عجيبة بغير مصباح منير .
ظاهرة أخرى في حواراتنا ونقاشاتنا يمكن تسميتها بالدارجي (اللفحي) , يلفح المرء منّا طرف كلمة أو فكرة أو مقولة ثم يبني عليها سردية طويلة عريضة تكون مع الأسف كلها (أوف بوينت) كما نقول بالإنجليزية , المزعج حقا هو ردة الفعل عندما يواجهه مناظره بما يدحض سرديته وينسفها من أساسها , هل يقبل ؟ على العكس , يغضب غضب شديد ويواصل على منهج (لو طارت برضو غنماية) ويتحول النقاش إلى سفسطة غوغائية , وتظل المشكلة أو الموضوع محل النقاش تتفاقم بلاياه . الويل لك عند نقاشك مع الآخر أن تقترح عليه الركون إلى المنهج العلمي , وما يشتمل عليه من عقد المقارنات والاستنتاجات وربط النتائج بالمسببات , ستكون حجج البعض الهروب إلى الروحانيات والعقيدة الدينية , كما يزعمها , فليس غريبا أن تجد من يدعو إلى توحيد الأمة السودانية مثلا حول الإسلام لأنّ ذلك هو السبيل الناجع لمواجهة تحدي العصر وتشابك علاقاته وتضاربها , فلا إسرائيل ولا الغرب بقادر على مساعدتنا بحسب ما نشر منسوبا للسيد ابراهيم محمود رئيس حزب المؤتمر الوطني (المحظور) فهل يقبل هذا الشخص نفسه قولك إذا قلت له (إنّ الأتراك مثلا) لم ينهضوا أو يتقدموا ويصبحوا قوة إقليمية ذات وزن إلاّ بعد انهيار نظام الخلافة الإسلامية في 1917م , وقيام نظام علماني يؤدي أردوغان قسم الولاء له عند كل إنتخابات ! . وبالتالي تبطل حجته حول (الدولة الإسلامية) التي يدعو لها في السودان كسبيل لنهضته , ولما كان استشهاده بطالبان في أفغانستان , فهل هي النموذج الذي يدعو له في السودان ؟ سنمضي مع هذا المهندس إلى شوط متقدم في النقاش , سنقبل رأيه طالما يرى أن سبيل السودان للخروج من أزماته هو قيام الدولة الإسلامية , ولكن سنعرض عليه _علميا_ أن يراجع معايير إسلامية الدولة بحسب دراسة علمية نشرها أستاذان جامعيان في جامعة جورج واشنطن الأمريكية , هما عبدالرحمن زاده وحسين إسكاري منذ العام 2012م ويتم تحديثها سنويا , وقطعا هو شخص مطّلع , وقد يكون قرأ تلك الدراسة وتابع نتائجها عند تطبيقها على دول العالم بما في ذلك السودان ؛ عندما كان المشروع الإسلامي هو الحاكم فهل تحقق للأمة السودانية الإسلامية 1%مما تحقق للأمة التركية العلمانية ؟ وهل حققت طالبان ما جعل أفغانستان بلدا ذا شأن ! . أريد أن أسمع رأيا مخالفا أستنير بفضله وأعود من خطل ما أطرحه من رأيي متى أقنعني الطرح المخالف , وإن لم يقنعني لماذا لا نحتمل الخلاف ؟ ولماذا يكون ذلك سببا لدمارالبلاد ؟ فإن كنا لا نحتمل رأي بعضنا بعضا فكيف نحتمل العيش سويا وفي العيش المشترك معتركات وتضارب مصالح ينشأ بالإحتكاك , كيف ننمي حساسية إنسانية تجعل الإحترام للفرد كقيمة في ذاته هي منطلق كل أنشطتنا التعليمية والإعلامية والتربوية , وتكون تربيتنا الإجتماعية ومقولاتنا السائدة وأمثالنا وحكمتنا كلها تصب في هذا الإتجاه عوضا عن التنشئة الخاطئة واستبطان التحقير لمن يخالفنا رأيا وعرقا وثقافة وجهة جغرافيا ودين , ومع ذلك نزعم المزاعم الشفاهية أو بأي وسيلة تعبير بأننا سودانيون نشترك في الحقوق والواجبات , وفي معارك الكرامة , والحفاظ على مؤسساتنا الحكومية بما فيها الجيش والأمن وهيئة العمليات والشرطة , لمحاربة التمرد , ودك مواقع وديار أهالي المتمردين !!! .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *