بعد سنوات “عجاف”.. الأمطار تحيي آمال الفلاحين وسط توقعات بانتعاش المحاصيل
شهد المغرب مؤخراً أمطار غزيرة بعد سنوات عجاف متتالية من الجفاف. تساقطات جاءت لتبعث الأمل في نفوس المزارعين، وتعيد الحياة إلى الحقول الظمأى، فبعد أن عانى القطاع الفلاحي من سنوات عجاف، تأتي هذه الأمطار لتعلن عن بداية فصل جديد من “الخصوبة” و”الرخاء”، مما يفتح آفاقاً واعدة لتحقيق الأمن الغذائي وتنشيط الاقتصاد الريفي.
وتأتي هذه التساقطات، في وقت عرف فيه المغرب انخفاضاً كبيراً في إنتاج الحبوب الرئيسية هذا العام، حيث بلغ الإنتاج 31.2 مليون قنطار، مقارنة بـ 55.1 مليون قنطار في العام الماضي، ويعزى هذا التراجع إلى تقلص المساحة المزروعة من 3.67 مليون هكتار إلى 2.47 مليون هكتار.
في هذا السياق، أكد رياض وحتيتا، خبير في المجال الفلاحي، أن المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة شهدت تغيرات مناخية ملحوظة أثرت بشكل كبير على القطاع الفلاحي، موضحا أنه في شمال إفريقيا والمغرب تحديدًا، تعد المنطقة شبه جافة، حيث كان من المعتاد أن تتكرر سنة جافة كل أربع سنوات، لكن التغيرات المناخية في العقد الأخير أدت إلى استمرار الجفاف بالمغرب لمدة ست سنوات متتالية، ما أثّر سلبًا على مختلف القطاعات، لا سيما الزراعة.
واعتبر المتحدث ذاته، أن المملكة دخلت في موسم فلاحي جديد مع مؤشرات أولية إيجابية بفضل التساقطات المطرية التي جاءت في وقت مبكر هذا العام، تحديدًا في بداية شهر أكتوبر، وهو التوقيت الذي يُعتبر مناسبًا لانطلاق عمليات الحرث والزراعة.
وحسب الخبير فإن هذه الأمطار التي هطلت على منطقتي الشرق والجنوب الشرقي، ستساهم بشكل كبير في تعزيز خصوبة التربة، بعد سنوات من قلة الأمطار في هذه المناطق، وستحد من تحركات الرعاة نحو الشمال بسبب تحسن المراعي.
وأشار وحتيتا إلى أن هذه الأمطار ستسمح للمزارعين في المناطق الشرقية والجنوبية، ببدء الموسم الفلاحي مبكرًا مقارنة بالسنوات الماضية، كون أن الأمطار ستساهم في نمو المراعي والمحاصيل الزراعية، مما يبشر بموسم زراعي ناجح.
وأضاف المتحدث نفسه، أن منطقة الغرب والشمال عرفت هي الأخرى تساقطات مطرية جيدة، لكن وحتيتا أكد أنه” رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا يمكن التحدث بشكل نهائي عن موسم فلاحي ناجح حتى الآن، حيث تبقى الأشهر المقبلة، وتحديدًا يناير وفبراير ومارس، هي الفترة الحاسمة لتحديد مدى نجاح الموسم”.
وفيما يتعلق بالمناطق التي كانت تعد معيارًا لنجاح الموسم الفلاحي، مثل السطات، برشيد، دكالة، وعبدة، والتي كانت تشهد دائمًا بداية موسم جيد فيما يتعلق بوفرة الأمطار، أشار وحتيتا إلى أن التغيرات المناخية، “غيّرت هذا النمط، وأصبح التركيز أكثر على مناطق الغرب والشمال، والتي أكثر الآن الأكثر إنتاجية”.
وعن تأثير التساقطات على الزراعات، أكد الخبير الفلاحي، أن الخضروات مثل البطاطس والبصل والبازلاء، إلى جانب القمح، ستكون من بين المحاصيل الأكثر استفادة من هذه الأمطار، بالإضافة إلى أن هذه التساقطات ستعزز أيضًا من نمو الزيتون وأشجار الحوامض، التي يعتمد إنتاجها بشكل كبير على كميات الأمطار في هذا الموسم.
واعتبر رياض أن الجفاف لم يكن وحده السبب في نقص المحصول خلال السنة الماضية. فقد اضطر المزارعون أيضاً إلى تقليص مساحات زراعتهم بنسبة تقارب النصف بسبب قلة الأمطار، مما أدى إلى انخفاض كبير في الإنتاج، مسجلا أن الأمطار في موعدها تعد عاملاً حاسمًا في نجاح الموسم الزراعي، فبداية موسم زراعي جيد، مع تساقط الأمطار بكميات كافية، تشجع المزارعين على زيادة مساحات زراعتهم وتحسين الإنتاج.
ويرى خبير المجال الفلاحي رياض وحتيتا، أن بوادر الموسم الفلاحي تبدو جيدة حتى الآن، لكن لا يمكن التكهن بمآله النهائي، فإذا استمرت الأمطار بشكل منتظم خلال الأشهر المقبلة، يمكننا التحدث عن موسم فلاحي جيد يسهم في دعم القطاع الفلاحي بالمغرب ويساعد في تأمين حاجيات البلاد من المحاصيل الأساسية.
وعلى الرغم من أهمية التساقطات المطرية الأخيرة، إلا أن غياب السدود التلية في هذه المناطق، والتي تعتبر بمثابة “كلي الأرض”، يطرح تحدياً كبيراً أمام السكان والسلطات المحلية، فالأمطار التي تهطل بغزارة تتسبب في فيضانات تضر بالمنتجات الزراعية والبنية التحتية، ثم تتسرب بسرعة إلى باطن الأرض دون أن تستفيد منها الزراعة أو الثروة الحيوانية.وحسب خبراء فإن غياب السدود في المناطق الجنوبية، ولا سيما تلك التي شهدت تساقطات مطرية قوية مؤخرًا، يشكل عائقًا كبيرًا أمام استغلال هذه الموارد المائية الهامة.
المصدر: العمق المغربي