الكوليرا تفتك بالسودانيين.. مقابر فاضت وأطباء نزحوا
يشهد السودان كارثة صحية، مع تفشي وباء الكوليرا بشكل مروع. ففي سنار، الواقعة جنوب شرق البلاد، أصبحت المقابر تستقبل الموتى بأعداد تفوق قدرتها، بينما تحولت مستشفيات كسلا شرق البلاد إلى بيئة غير صالحة للعلاج.
إذ انتشرت الأوبئة وسط نقص حاد في الإمدادات الطبية وتدهور البنية التحتية، ما يضع حياة المواطنين على المحك في ظل صمت الجهات المعنية عن الكارثة.
ففي مدينة سنار، التي تبعد حوالي 300 كلم جنوب شرق الخرطوم، كشفت مصادر موثوقة لـ”العربية.نت” أن الكوليرا تقتل وتصيب المئات، بينما تهدد الحرب والأوبئة حياة الآلاف من المدنيين بالولاية. وأفادت بوجود 123 حالة وفاة، وأكثر من 950 حالة مسجلة خلال 23 يومًا في مركز عزل الكوليرا بمدينة سنار. ومنذ 17 سبتمبر الماضي، يواجه المدنيون تحديات كبيرة بسبب انتشار الكوليرا والملاريا وملتحمة العين، حيث سجل مركز العزل يوم أمس الأربعاء دخول 200 حالة جديدة.
كما ذكرت المصادر أن هذه الإحصائيات لا تشمل سوى الحالات المسجلة التي تم رصدها خلال الفترة الماضية. وقالت: “نحتاج الآن إلى بذل المزيد من الجهود للوصول إلى الحالات التي تواجه صعوبات داخل الأحياء والقرى والمدن بولاية سنار”.
في حين أفاد مختصون بأن معدل الإصابات في الأحياء ومراكز الإيواء وصل إلى 7 حالات كمعدل يومي، مؤكدين ارتفاع عدد المصابين كثيرًا في المدن والأرياف التي لا تستطيع الوصول لمركز العزل.
صور متداولة بين السودانيين لمستشفى كسلا
كما دقّوا ناقوس الخطر لحماية المدنيين وإنقاذهم عبر فتح الممرات الإنسانية لدخول المساعدات الإنسانية والدواء لمدينة سنار وكل مناطق ومحليات الولاية. وأوضحوا أن المدنيين الآن يواجهون مخاطر وصعوبات كارثية ويعيشون ظروفًا قاسية داخل مدينة سنار، حيث يوجد نقص في كل الخدمات الأساسية، وتفتك آلة الحرب وتبعياتها والمرض بهم.
إلى ذلك، اعتبروا أنه في ظل هذه الأرقام المرعبة والمعاناة المتزايدة، لم يعد هناك مجالٌ للصمت أو التأخير، مشددين على أن الحاجة ملحة لتدخل عاجل من الجهات المختصة، ولتضافر الجهود بين المنظمات الإنسانية المحلية والدولية لإنقاذ الأرواح وتخفيف حدة هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
المستشفيات فاضت بالمرضى
في السياق ذاته، قال أحد مواطني سنار لـ”العربية.نت” إن وباء الكوليرا انتشر من منطقة ود الرِّكين شرقي سنار، وهي إحدى الطرق غير المعبدة التي تربط سنار بولايتي القضارف وكسلا الواقعتين بشرق السودان. ومع انتشار الوباء في الولايتين، حمل القادمون منها العدوى إلى سنار، ما أسفر عن وفاة العديد من المواطنين، حيث امتلأت المستشفيات بالمرضى، خاصة كبار السن الذين لم تستجب أجسادهم للعلاج، بينما تماثل بعض الشباب والأطفال للشفاء بعد فترة حجر صحي استمرت لمدة عشرة أيام.
صور متداولة بين السودانيين عن أحوال مستشفى كسلا
نزوح الكوادر الطبية
في الأثناء كشفت مصادر موثوقة لـ”العربية.نت” أن تفاقم الأوضاع في سنار يعود إلى نزوح الكوادر الطبية بعد سقوط مدينة سنجة، إضافةً إلى نقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة نتيجة إغلاق الطرق.
إلى جانب الأزمة الصحية، تعاني المقابر من أزمة أخرى، حيث امتلأت إحدى المقابر هناك، وصارت الحاجة ملحة لتوفير معدات كاللوادر الترابية لتسهيل عمليات الدفن في ظل صعوبة الوصول إلى مقابر الشيخ فرح ود تكتوك.
فيما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع مصورة وثقت تلك الأحداث المؤلمة.
وعضدت تلك المشاهد، أقوال شهود عيان لـ”العربية.نت” الذين أكدوا أن تسرب مياه الصرف الصحي جعل الوضع كارثيًا داخل المستشفى، حيث تنبعث الروائح الكريهة من كل مكان. وأكدوا أن “ما يحدث في المستشفى تجاوز حدود المعاناة العادية”، إذ وثق المواطنون بأنفسهم ما يجري، بينما تقف السلطات المحلية مكتوفة الأيدي.
كذلك كشفت مصادر موثوقة لـ”العربية.نت” أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى تزايد حالات الإصابة بالكوليرا وحمى الضنك بشكل مخيف في ولاية كسلا، في وقت يزيد الوضع البيئي المتدهور من انتشار هذه الأوبئة.
في المقابل شكت مصادر طبية لـ”العربية.نت” أنه في ظل الوضع المتدهور الذي تمر به البلاد، وولاية كسلا تحديدًا، يعاني الأطباء من مطاردة الأجهزة الأمنية لهم لإخلاء مقار الأطباء العام بحجة أن المبنى تابع لهم منذ ما قبل ثورة ديسمبر 2018م التي أنهت نظام البشير.
صور متداولة بين السودانيين عن أحوال مستشفى كسلا
كما أكدت تلك المصادر أن هذا يحدث في وقتٍ يعاني فيه القطاع الصحي من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وعلى رأسها المحاليل الوريدية والكانيوﻻت (الفراشات).
ومع استمرار تدهور الأوضاع الصحية، أعلنت وزارة الصحة السودانية تسجيل 212 إصابة جديدة بالكوليرا في 6 ولايات، بينها حالتا وفاة، ليرتفع العدد التراكمي للإصابات إلى 21,806، بينها 632 وفاة. وفي تصريح لها، قالت حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، إن الحرب في السودان قد تزهق أرواحًا لا حصر لها إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لوقفها. وأكدت أن الأطفال والأمهات يموتون بسبب سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية، في ظل انتشار الأوبئة وعرقلة الجهود الإنسانية.
يشار إلى أن مناطق سنار وشرق سنار وسنجة والدندر والسوكي، تعتبر الأكثر إصابةً بالكوليرا والحميات والأمراض الأخرى، خاصة بعد خروج أكثر من 365 من المرافق الطبية والمراكز والوحدات الصحية بولاية سنار عن الخدمة جراء تدميرها ونهبها.
المصدر: صحيفة الراكوبة