(ديسمبر) عائدة وراجحة
منعم سليمان
حملات التحريض التي تشنها هذه الأيام بعض الأقلام الكيزانية، الظاهرة منها والمستترة خصوصاً تلك التي يتم تشغيلها من قبل أجهزتهم الأمنية الرسمية والشعبية على ثورة ديسمبر المجيدة، واضحة ولا تحتاج إلى دليل.
تريد الجهة المشغلة لهذه الأقلام والأصوات أن تُرسخ في أذهان السودانيين أن ديسمبر المجيدة الظافرة، التي أطاحت بأعتى نظام استبدادي ديني (ثيوقراطي) فاسد في العالم، هي التي دمرت البلاد وأوردتها الحرب وجلبت لها الكوارث والابتلاءات، وليس هناك ثمة ابتلاء أو غضب إلهي على أي شعب أكبر وأكثر من أن تحكمه منظومة فاسدة وقمعية ودموية، مثل (الكيزان).
بفضل ثورة ديسمبر، التي تُشن عليها الحرب اليوم، أصبح السودانيون أحراراً من عبودية الكيزان لثلاثة عقود، وعاد السودان إلى المجتمع الدولي بعد أن ظل منبوذاً لعقود. وبفضل ديسمبر، بدأ الجيش نفسه يتحرر من عبودية الكيزان، لكن العسكريين، بحكم تربيتهم وأسلوب حياتهم المثقل بالقيود وبطبيعة وظيفتهم نفسها التي هي أقرب إلى (العبودية)، حيث يُلغى العقل ويُمنع النقاش ويُحرم الحوار، وتُنفذ التعليمات دون طرح أي أسئلة، لم يتحملوا الحرية، ولم يطيقوها. لذلك لم يتكيف معها البرهان ورفاقه، وعادوا إلى (الأسر) مرة أخرى، فتحالفوا مع أسيادهم السابقين وشنوا الحرب على البلاد والشعب في 15 أبريل 2023، بعد فشلهم المستمر في وأد الثورة، مرة بإغلاق ميناء البلاد وكل مجالها الحيوي، واختلاق الأزمات والفتن القبلية والمجتمعية في الشرق والنيل الأزرق والخرطوم ودارفور، ومرة بانقلاب عسكري صريح في 25 أكتوبر 2021، وأخرى بإغواء وإغراء بعض الحركات المسلحة الفاسدة الموقعة على اتفاق جوبا، ومعها بعض الشخصيات المدنية الحقيرة والتافهة بالمناصب نظير المشاركة في القضاء على الانتقال المدني الديمقراطي، والعودة إلى الظلام والظلمات والظلم.
لم يكتفِ هؤلاء (الكتبة) والمُتكلمون على السوشيال ميديا بتنفيذ الحملة الإعلامية (الدعائية) المنظمة ومدفوعة القيمة على ثورة ديسمبر المجيدة، بل مارسوا تهديدات صريحة ضد الشعب السوداني، بأن القادم سيكون نظاماً شديد الاستبداد، يعود بموجبه قانون النظام العام وبيوت الأشباح والتعسف في تطبيق القانون، ومنع النشاط السياسي والعمل الطوعي وإغلاق الفضاء المدني، ومصادرة الحريات العامة والشخصية، وأن على المواطن أن يكتفي بالأكل والشرب والزواج والإنجاب فقط!
إن الأجندة الرئيسية من هذه الحملة، المبنية على (علف) انتصارات مزعومة للجيش، صُوّرت في إعلام الكيزان وكأنها انتصارات ساحقة وحاسمة ونهائية، الهدف منها وأد الحالة الثورية التواقة للحرية والانعتاق من الأنظمة المستبدة والفاسدة، والداعمة للتحول المدني الديمقراطي، وبناء دول العدالة والمواطنة والرفاه. فالدعم السريع، منذ نشأته، لم يكن يوماً من الأيام عدواً للكيزان بل كان ظهيراً لهم، إلى أن أبدى قائده مواقف مستقلة إبان الثورة. وعندما اعتذر عن مشاركته في انقلاب 25 أكتوبر الكيزاني المشؤوم، وأعلن دعمه للاتفاق الإطاري وأكد على الاستمرار فيه إلى أن يصير اتفاقاً نهائياً، هنا أصبح عدواً، وشُنت عليه الحرب في تلك اللحظة الفارقة. أما العدو الرئيسي للكيزان المستهدف من هذه الحملة فهي ثورة ديسمبر المجيدة، التي ستظل باقية ومنتصرة رغم أنف الكيزان والفلول. إنها (عائدة وراجحة) بعبارة الإمام الصادق المهدي، يرحمه الله ويغفر له.
يحاول إعلام النظام السابق، خصوصاً من خلال بعض الأقلام التي تقدّم نفسها على أساس أنها إما (ساخرة) أو موالية للجيش في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان (الحرب)، بينما الحقيقة أنها أقلام (كيزانية) ظلت تحرض على الثورة منذ الإطاحة بنظامهم الفاسد، وتشعل النيران وتؤجج الفضاء العام، وتبشر بعودة الكيزان إلى الحكم، وقتها لم تكن الحرب في الخاطر.
على هؤلاء أن يعلموا جيداً أن الثورة قائمة، وأن عودة الكيزان إلى الحكم أصبحت ضرباً من المستحيل، حتى لو نهض حسن الترابي من قبره مجدداً وقاتل مع الجيش واستشهد ودفن مرة أخرى بجوار قبره الحالي، فأصبح له قبران. أقولها قولاً واحداً: لن يعود الكيزان إلى الحكم مرة أخرى. لقد انتهى عهدهم، كما انتهى عهد عودة الجيش إلى الحكم مرة أخرى، حتى لو حقق انتصارات حقيقية على الأرض تسير بها الركبان، دعك عن عبوره كبري النيل الأبيض أو الحلفايا، ولنفترض أنه عبّر (خط بارليف)، دعك عن (كبري الحديد)، فإنه لن يعود إلى الحكم مجدداً ولو انطبقت الأرض على السماء. هذه أوهام وأحلام ستصطدم بواقع ما بعد الحرب، وسيجد أصحاب الأقلام المأجورة والمستأجرة أنفسهم مكسوري الخاطر ومنبوذين من الجميع، لأن من يهدد الشعب بعودة الاستبداد لن يرى نفسه في مرحلة ما بعد الحرب.
عاشت ثورة ديسمبر المجيدة خفاقة ومنتصرة، ضد الظلام والتخلف والفساد والإرهاب والكيزان والقتلة واللصوص، نصيرة للحرية والديمقراطية والشفافية والعدالة الاجتماعية ودولة المواطنة، ولا نامت أعين الجبناء.
المصدر: صحيفة الراكوبة