على هامش الذكرى الأولى لمعركة “طوفان الأقصى” المقاومة الفلسطينية..وسؤالالتفوقية اليهودية
أمد/ “حصنوا النفط،فالنفط يعرف كيف يقاتل حين تكون الحروب..وقد يحسن الضربة الخاطفة ( مظفر النواب )
فأشهد لنا يا قلم..
أننا لم ننم..
وأننا لم نقف بين ” لا ” و” نعم “..
( أمل دنقل)
إذا كانت إسرائيل تحطّم اليوم بعنفها الدموي دويلة على أراضي67،فلماذا نفترض أنها ستقبل بدولة ديمقراطية علمانية تنهي وجودها كدولة يهودية؟ ولكن هل قبولها ضروري أصلا،أم أنّ من الممكن تجاوزه،أي العمل من الداخل على نفي السمة الكولونيالية الصهيونية عن الدولة،مثلما هزمت جماهير جنوب افريقيا الأبارتايد نظاما ومفهوما..؟
وبسؤال مغاير أقول: لماذا ما مازالالبعض منايتعامل مع شعار «دولتان لشعبين» وكأنه أُنزل من سابع سماء ليجيب عن أسئلة المرحلة ولينجينا من ويل الشعارات المثالية البعيدة كل البعد عن الواقع؟
ثم أولا وأخيرا : ألم يكن في تجربة السنوات الماضية بعد اتفاقيات أوسلو وتكثيف الجهود الاستيطانية، وسياسة إسرائيل المعلنة بشأن الفصل الديموغرافي، وعنف الحرب الحالية، ما يشير إلى آخر المستوطنات البيضاء،على حماية نقائها عن طريق نظام الأبارتايد، الذي عرفته وجرّبته أنظمة كولونيالية في أماكن أخرى من العالم؟
كانت التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية،خلال الفترة الفاصلة بين توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 وانعقاد مفاوضات كامب ديفيد،قد أظهرت المطبّات الكبرى التي تعترض فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من يونيو1967 إلى جانب دولة إسرائيل، خاصة في ضوء إصرار حكّام إسرائيل على إبقاء القدس موصدة،والحفاظ على المستوطنات اليهودية،ورفض الانسحاب من أجزاء واسعة من الضفة الغربية.
وأمام هذا الواقع الجديد،بدأت تبرز بين صفوف بعض الباحثين والمفكّرين العرب والفلسطينيين فكرة مفادها،أن الحفاظ على فلسطين موحدة، في حدودها الانتدابية،قد يكون هو المنطلق الأمثل للتوصّل إلى حل نهائي لهذا الصراع،وراحت تظهر بخصوص الشكل الدستوري الذي يمكن أن تتخذه فلسطين الموحدة، اجتهادات متباينة،تراوحت بين العودة إلى فكرة قيام دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين،أو دولة ثنائية القومية،وفكرة قبول الفلسطينيين بأن يكونوا مواطنين يتمتّعون بحقوق المواطنة الكاملة في دولة إسرائيل التي يتوجّب عليها أن تتخلى عن طابعها اليهودي.ولكن،في غمرة هذه الاجتهادات تناسى الجميع أنّ الغبن التاريخي الذي لحق الشعب الفلسطيني لا ينحصر في إسقاطات الاحتلال الإسرائيلي بعد عام1967،بل هو أساسا في نكبة عام 1948،فقيام دولة إسرائيل هو في حد ذاته مركّب أساسي من الغبن التاريخي المستدام،أما جوهرها كدولة يهودية ودولة اليهود فيزيد من هذا الغبن.ولا مقومات داخل المجتمع الإسرائيلي لأي تراجع عن هذا الجوهر،فاليسار الإسرائيلي استفاد من المركّب الكولونيالي لإسرائيل ومن طابعها اليهودي،كما استفاد اليمين،وكلاهما استغلّ امتيازات اليهودي التي وفّرتها له الدولة على حساب الثروة المادية والروحية الفرديّة والجماعية للشعب الفلسطيني،ويتمسّك اليسار كما اليمين،بهذه الامتيازات.وهذا أساس مادي قوي للإجماع الصهيوني شبه المطلق.
هذا يعني أنّ المشروع الصهيوني تعامل مع الجوهر،وهو السيطرة على المكان بكل خيراته وموارد،هوتفريغه من طابعه ومن سكّانه، وتهويد معالمه،والنظر إلى الشعب الفلسطيني مجزّأ تماما.
وهذا الجوهر يرفض الاعتراف بمسؤوليته عن خلق قضية اللاجئين وتهجيرهم،ويعمل جاهدا على نسف أية إمكانية لعودتهم، من خلال السيطرة على أملاكهم الفردية والجماعية وخصخصتها وتهويدها.
وهذا الجوهر يرى في الفلسطينيين داخل مناطق 48 خطرا أمنيا وديموغرافيا على الدولة اليهودية،وهو ذاته يرى ضرورة استمرار السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزّة بأدوات عسكرية احتلالية.وتجتهد إسرائيل في منع الشعب الفلسطيني من التعامل مع ذاته كشعب،بما يعنيه ذلك من الربط بين قضاياه،رغم حالة التجزئة القسرية.وهذا ما بيّنته جليا اتفاقيات أوسلو،التي خلقت وضعا يبدو فيه وكأن هناك ثلاث قضايا فلسطينية متصادمة في المصالح والأولويات،وهذا فرق جوهري بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية،التي مثّلت إلى حد كبير الشعب الفلسطيني بمجموعه.
ووفق التعامل التجزيئي أصبح الانتصار الإسرائيلي والهزيمة العربية عام 1967،لا الغبن التاريخي،هما نقطة البداية ومنطلق أي حل.
واليوم..تستغل الحكومة الإسرائيلية التداعيات الدراماتيكية في الأراضي المحتلة لمحاولة فرض أحد خيارين على الفلسطينيين، إما أن يرضوا بكانتونات عرقية في بعض أراضي الضفة الغربية وغزّة، من دون حق عودة اللاجئين الفلسطينيين ومن دون سيادة فلسطينية على القدس،وإما أن يخضعوا للتطهير العرقي،أو لنكبة جديدة توعّد بها أكثر من مسؤول إسرائيلي..
وهذا الخيار الأخير لم يعد ضربا من الديماغوجية الصهيونية المتطرّفة،بل تسلل وبقوّة إلى التيار العام،إذ بات يُطرح من قبل أكاديميين وصحافيين وكتّاب،وراحت أصوات متصاعدة من داخل الحزبين الرئيسيين (العمل والليكود) تدرس بعض الأشكال المقبولة لهذا التطهير.
في العقود الثلاثة الأخيرة كان شعار «دولتان لشعبين» يُعدّ تعبيرا عن الواقعية والحكمة السياسية في آن واحد،أما الآن فلا بد من التفكير بجدية ونزاهة في ما إذا كان ذلك الشعار لا يزال صحيحا، بل لا بد من التفكير في ما إذا كان شعار «دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين التاريخية» وهو شعار يطرح حلا إنسانيا وأخلاقيا للصراع،بات أكثر واقعية كحل لهذا الصراع؟
أردت القول إنّ إسرائيل ترفض تبديل طبيعتها اليهودية العرقية التفوّقية،أو تبديل سياساتها العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، وتعتبر هذا الرفض دفاعا عن مبادئ إسرائيل «الديمقراطية» وعن شعب يهودي توقّف اضطهاده التاريخي لمجرد دخول الصهيونية على الخط.
ومن هنا فإن التفوّقية اليهودية هي ما يجعل قضية إسرائيل، بوصف هذه الدولة يهودية بدلا من أن تكون إسرائيلية،أمرا بالغ التقديس لا يمكن تبديله لأن ذلك سيكون شأنا غير عملي. وإن التزام هذه النزعة،هو ما يجعل من عودة اللاجئين الفلسطينيين «خطرا ديموغرافيا» يهدّد الغالبية اليهودية في إسرائيل (وهي غالبية باتت كذلك تحديدا لأن الفلسطينيين الذين يسعون اليوم إلى العودة إلى أراضيهم وبيوتهم سبق أن طُردوا منها أصلا) وإن ذلك الالتزام هو الذي يواصل شرعنة معاملة الفلسطينيين داخل حدود 1948 مواطنين من الدرجة الثالثة، وهو الذي يشرّع استمرار الاحتلال صمّام أمان أمام التهديدات الموجّهة إلى إسرائيل كدولة عرقية تمييزية يهودية.
ولكن من المؤسف حقا أن تكون إسرائيل قد حظيت منذ نهاية السبعينيات بالاعتراف بحقّها المزعوم في أن تكون دولة يهودية عنصرية من قبل مصر، ومنذ أوائل التسعينيات من قبل الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية ذاتها.وفي فبراير 2002،حظيت إسرائيل باستعداد العالم العربي أجمع،المجتمع في قمته المنعقدة في بيروت،بالإعتراف بها شريطة أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية التي احتلّتها عام 1967.
ما يلفت النظر تاريخيا أن الشعب الفلسطيني لم يكن في أي فترة سيّد نفسه،قدر ما هو في الجولة الحالية من الصراع مع إسرائيل، وليس مصادفة أنّ أيا من الحلول المطروحة اليوم، أو في الماضي لم يكن حلاّ بادر إليه الشعب الفلسطيني. فاقتراح الدولتين هو اقتراح دولي،وما سبقه من اقتراحات لم يكن بمبادرة وإرادة فلسطينية.
ومن هنا،فإنّ ما نشهده اليوم من تحوّل فهو نضال الشعب الفلسطيني كي يكون سيّد نفسه من حيث رفضه الأمر الواقع، ومحاولته خلق توازن أمني مع إسرائيل،رغم الفارق الهائل في القدرة العسكرية بين الطرفين،مستحدثا أدوات لهذا التوازن بعد أن جرّب الشعب الفلسطيني العديد من المسارات،التي لم تؤدّ إلى الاستقلال ولا السيادة ولا إحقاق حقوقه الجوهرية ولو بالحد الأدنى المطروح دوليا،وهو حل الدولتين.
وما دام المجتمع الدولي لا يوفّر الحماية للشعب الفلسطيني، فإن هذه المقاومة ستبقى ضرورة حياتية، لاسيما وأنّ المراد الصهيوني لا يعرف «الوسط» ولا التعايش، بل هو «البديل» لهويتنا الحضارية بمضمونها القومي، أي أنّ جوهر المعركة مع إسرائيل هو النصر الكامل أو الهزيمة الكاملة: الوجود أو الانقراض لأحد الطرفين. أما الأرض والاقتصاد و..و فهي تفاصيل ونتائج المقدمة الأولى..
*طوفان الأقصى” عملية شنتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على إسرائيل فجر يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وشملت هجوما بريا وبحريا وجويا وتسللا للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة.
وأعلن عن العملية محمد الضيف،قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام،الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واعتُبرت أكبر هجوم على إسرائيل منذ عقود.