تقرير فني شامل يُشخّص «أزمة الكهرباء» ويطرح الحلول: وحدات الإنتاج المُعطّلة… المشكلة الأساس
إياد الفلاح: يجب تحويل وزارة الكهرباء لمؤسسة واعتبار صناعة الكهرباء والماء قطاعاً ربحياً
إنتاجية الوزارة المركبة كانت في يناير 20250 وتناقصت في يوليو إلى 19377 ميغاواط
نمو الاستهلاك أكبر من الإنتاج خلال الفترة من 2012 حتى 2022
لن يتم إدخال محطات جديدة في الخدمة خلال السنوات الثلاث المقبلة
طرح مناقصة إنشاء محطة جديدة وإدخالها في الخدمة يستغرق من 3 إلى 5 سنوات
شخّص الوكيل المساعد لقطاع مشاريع الكهرباء في وزارة الكهرباء والماء السابق المهندس إياد الفلاح وضع الطاقة الكهربائية بشكل عام، مفسراً الأسباب التي قادت الوزارة خلال بعض أيام موسم الصيف الحالي إلى اللجوء للقطع المبرمج، مشيراً إلى أن وحدات الإنتاج المعطلة كانت وراء أزمة انقطاع التيار الأخيرة، مستنداً إلى الإحصائيات التي تحدثها الوزارة عبر موقعها الرسمي بشكل دوري.
ووضع الفلاح، في تقريره الذي تنشر «الراي» أجزاء منه، جملة من الحلول قصيرة المدى لحل هذه المعضلة، أبرزها استعادة القدرة المركبة المتعطلة في وحدات الإنتاج وتعجيل العمل بمناقصات إنشاء محطات (جديدة، متعطلة، متوقفة، ملغية) لدى أجهزة الدولة الرقابية، وإجراء دراسة فنية ميدانية لإمكانية استقبال بوارج إنتاج الطاقة الكهربائية وربطها بالشبكة الكهربائية العامة والاتفاق مع إحدى الشركات المتخصصة بهذا المجال فوراً في حال كانت نتيجة جدوى الدراسة إيجابية، وأخيراً التفاوض والاتفاق مع شبكة الربط الخليجي لاستيراد أكبر قدر ممكن من الطاقة الكهربائية لمواسم الصيف من 2025 حتى 2028.
كما اقترح الفلاح حلولاً إستراتيجية طويلة المدى لتفادي الوزارة مشكلة تكرار نقص إنتاج الطاقة الكهربائية، ومنها، تصحيح الوضع الحالي للوزارة واعتبار صناعة الكهرباء والماء كقطاع صناعي ربحي يدار على أسس تجارية من خلال تحويل الوزارة إلى مؤسسة مستقلة مالياً وإدارياً.
وعول في تقريره على أهمية ترشيد استهلاك الكهرباء والماء وربط ذلك بعدة إجراءات لإلزام المستهلكين بالترشيد، ومن أبرز تلك الإجراءات، التشديد على التحصيل الشهري للفواتير، والإسراع في تركيب العدادات الذكية لجميع المستهلكين، وقطع الخدمة عن متخلفي السداد بعد إجراء الإنذار القانوني، وتطبيق نظام الشرائح لمستهلكي خدمتي الكهرباء والماء بما يكافئ المقتصد ويعاقب المسرف، متوقعاً أن يتم توفير أكثر من 10 في المئة من حجم الاستهلاك في حال تم تطبيق هذه الإجراءات.
التطور العمراني وعجز الوزارة الإنتاجي
أوضح التقرير أنه لابد أن يجاري التطور العمراني النمو في معدل الطاقة المنتجة لتلبية احتياجات الدولة من طاقة كهربائية، ولكي يستمر التطور العمراني في النمو لابد أن يجاريه بل يسابقه نمو الطاقة الكهربائية المركبة في البلد وإلا توقف هذا التطور العمراني، حيث إن متوسط نسبة النمو السنوي للقدرة الكهربائية المركبة بلغ 2.81 في المئة من سنة 2012 والتي كان يصل فيها إجمالي الطاقة المركبة 15349 ميغاواط وحتى 2022 والتي بلغ فيها إجمالي القدرة المركبة 20250 ميغاواط، بينما كان متوسط معدل نمو الطلب على الطاقة الكهربائية للفترة ذاتها هو 3.17 في المئة، حيث يتضح أن السنوات الـ 10 المشار إليها كان متوسط معدل نمو الطلب على الطاقة أسرع نمواً بكثير من متوسط معدل نمو الطاقة الكهربائية المركبة، مؤكداً الوضع المعكوس يؤدي حتماً إلى ما لا تحمد عقباه حالياً ومستقبلاً إذا لم يتم تصحيح الوضع بأسرع وقت ممكن.
وأشار إلى أن ما يزيد الوضع سوءاً أن التوقعات للقدرة الكهربائية المركبة للسنوات من 2023 الى 2028 لن تتحقق في السنوات المقبلة، فالقدرة المركبة الحالية حسب تقرير شهر يوليو الماضي بلغت 19377 ميغاواط، أي أقل بنحو 1251 ميغاواط عما هم متوقع أو مخطط له.
ولفت إلى أنه لن يتم إدخال محطات جديدة في الخدمة خلال السنوات المقبلة 2025 و2026 و2027 وذلك بسبب عدم توقيع عقود إنشاء محطات جديدة منذ بضع سنوات حتى يومنا هذا وأن فترة طرح مناقصة إنشاء محطة جديدة وإدخالها في الخدمة تستغرق من 3 إلى 5 سنوات، كما أن خطة الوزارة لإيقاف محطتي الدوحة الشرقية في 2027 والتي تنتج نحو 910 ميغاواط ومحطة الشعيبة الجنوبية في 2028 والتي تنتج 660 ميغاواط ربما يفاقم المشكلة.
19 يونيو الفائت، هل كان
يوماً عابراً أم متكرراً؟
كشف الفلاح في التقرير أنه في ظهيرة 19 يونيو الفائت، انقطعت الكهرباء فجأة دون سابق تنبيه عن نحو 40 منطقة لفترات زمنية متفاوتة، من ساعة إلى بضع ساعات، والسؤال البدهي الذي يتبادر إلى الذهن لماذا انقطعت الكهرباء عن معظم مناطق الكويت؟ هل لحرارة الجو علاقة بالقطع؟ أم بسبب مشكلة في شبكات التوزيع أو شبكات النقل أو في محطات الإنتاج؟ وللحصول على إجابة وافية لابد لنا أولاً من استعراض جاهزية محطات توليد الطاقة الكهربائية من ناحية القدرة المركبة والقدرة المتوفرة والحمل الكهربائي العام للشبكة ودرجة الحرارة أثناء القطع اليدوي. يلاحظ من تقرير شهر يونيو 2024م الخاص بتقرير إدارة الإحصاء التابع للوزارة، أن القطع اليدوي حدث خلال الشهر في خمسة أيام كما يلي: 13 و18 و19 و20 و23 وفي درجات حرارة تراوحت بين 46 و50 درجة مئوية وكان أشدها الانقطاع الذي حصل في يوم 19 يونيو، حيث إجمالي القطع اليدوي 1215 ميغاواط في ذلك اليوم، ما كان له الأثر الواضح لانقطاع التيار الكهربائي عن معظم مناطق الكويت.
وأضاف «يتضح من الجداول، أن سبب الانقطاعات تلك، هي عدم قدرة محطات توليد الطاقة الكهربائية على تزويد الشبكة بالطاقة اللازمة لتغطية الطلب المتزايد على الكهرباء بالرغم إن مجموع القدرة المركبة للمحطات هي 20250 ميغاواط إلا أن قيمة القدرة المركبة الخارجة عن الخدمة في ذلك الوقت كانت تتراوح ما بين 3855 الى 4560 ميغاواط!».
وتابع: كما يلاحظ من الجداول، أن القدرة المركبة في شهر يناير 2024 كانت 20250 ميغاواط بينما نقصت في شهر يونيو 2024 بمقدار 873 ميغاواط لأسباب لم توضحها الوزارة! علما بأنه لا تتناقص القدرة المركبة بهذا الكم الكبير والفترة القصيرة نسبياً إلا في حالة سكربة وحدات الإنتاج.
ويتضح مما سبق، أن تناقص القدرة المركبة بشكل متسارع وغير مفهوم مصحوباً بخروج وحدات توليد الطاقة الكهربائية عن الخدمة بقدرات كبيرة جداً (بالرغم من انتهاء موسم الصيانات من شهر أكتوبر الى مايو) أدى إلى ما حصل من قطع يدوي في الأيام الخمسة من شهر يونيو 2024، ومن المحتمل جداً أن يتكرر هذا السيناريو مرات أخرى، لاسيما خلال بعض المواسم الفصلية كبدء المدارس بجميع مراحلها خلال شهر سبتمبر متزامناً مع عودة جموع المواطنين والمقيمين من إجازات السفر أو عند ارتفاع درجات الحرارة مصحوبة بنسبة رطوبة عالية.
عوامل إجرائية
بيّن التقرير أن ما آلت إليه أوضاع الكهرباء من سوء في دولة الكويت إنما هو نتيجة تراكم عوامل عديدة لفترات زمنية طويلة، ومن بينها عوامل إجرائية إدارية يمكن تلخيصها بالآتي:
1 مساواة المشاريع المليونية التي تفوق قيمتها على سبيل المثال الـ 100,000,000 دينار بالمشاريع الصغيرة التي يتبلغ قيمتها 75,000 دينار من حيث الدورة المستندية والإجراءات الإدارية والموافقات المطلوبة.
2 تشتيت الأداء بمتابعة آلاف العقود دون التركيز على الجوانب الفنية.
3 طول مراحل إجراءات وموافقات المشاريع، فأي مشروع عقد يتطلب بدءا من طلب الميزانية واعتمادها وصياغة مستندات المناقصة وأخذ الموافقات على مستندات العقد وطلب الطرح ودراسة العروض ومخاطبة المناقصين والتوصيات الموجهة للجهاز المركزي للمناقصات العامة والرد على استفسارات ديوان المحاسبة وانتهاء بتوقيع العقد تستغرق نحو 2418 شهراً في أحسن الأحوال.
5 حلول قصيرة المدى
كشف التقرير أن طبيعة إنشاء مشاريع محطات كهربائية جديدة مكلفة مالياً ويستغرق وقتا طويلاً يقدر بـ 3 إلى 5 سنوات، لذا يجب العمل بالتزامن على تطبيق ما يلي:
1 استعادة القدرة المركبة المتعطلة كما ذكرناها سابقاً والتي تقدر ما بين 3855 الى 4560 ميغاواط في أسرع وقت ممكن وبالاستعانة بالمصنعين الأصليين لوحدات الإنتاج (إن لزم الأمر).
2 تعجيل العمل بمناقصات إنشاء محطات (جديدة، متعطلة، متوقفة، ملغية ) لدى أجهزة الدولة الرقابية.
3 عمل دراسة فنية ميدانية لإمكانية استقبال بوارج إنتاج الطاقة الكهربائية وربطها بالشبكة الكهربائية العامة والاتفاق مع إحدى الشركات المتخصصة بهذا المجال فوراً في حال كانت نتيجة جدوى الدراسة إيجابية.
4 التفاوض والاتفاق مع شبكة الربط الخليجي لاستيراد أكبر قدر ممكن من الطاقة الكهربائية لمواسم الصيف من 2025 حتى 2028.
5 تخفيف القيود الرقابية المكبلة لسرعة الإنجاز، مثل رفع سقف التعاقد المباشر للوزارة وإلغاء الرقابة المسبقة والاكتفاء بالرقابة اللاحقة.
4 حلول طويلة المدى
1 تصحيح هذا الوضع واعتبار صناعة الكهرباء والماء كقطاع صناعي ربحي يدار على أسس تجارية.
2 في حال عدم تحويل الوزارة إلى مؤسسة: يتم إنشاء مجلس استشاري مستقل مالياً وإدارياً عن تبعية الوزارة ووزير الكهرباء والماء.
3 في حال عدم تحويل الوزارة إلى مؤسسة: يتم تعديل بعض القوانين (قانون المناقصات العامة، قانون ديوان المحاسبة)، ما يتيح للوزارة العمل بحرية أكبر وأسرع مما هو عليه حالياً.
4 التوعية الإعلامية الممنهجة (ولا نقصد بها الحملات الإعلامية على نهج: «من حبنا لها نوفر لها».
6 إجراءات للتوعية والترشيد
أوضح الفلاح في تقريره أنه إذا أردنا أن يكون للترشيد فائدة وتأثير إيجابي على سلوك المواطن والمقيم ينعكس على تخفيض معدلات استهلاك نعمتي الكهرباء والماء، حيث إنني أتوقع ألا يقل حجم التوفير 10 في المئة إذا تم تطبيق الإجراءات التالية:
1 التحصيل الشهري للفواتير وعدم المماطلة.
2 الإسراع في تركيب العدادات الذكية لجميع المستهلكين.
3 محاسبة مسؤولي الوزارة على التقصير في التحصيل.
4 قطع الخدمة عن متخلفي السداد بعد إجراء الإنذار القانوني ودفع رسوم لإرجاع الخدمة بعد السداد.
5 تطبيق نظام الشرائح لمستهلكي خدمتي الكهرباء والماء بما يكافئ المقتصد ويعاقب المسرف.
6 تفعيل الضبطية القضائية.
المصدر: الراي