اخبار المغرب

“التبوريدة” في الصحراء إرث عريق .. والحسن الأول طلب 400 فرس

مرتديا دراعيته الصحراوية زرقاء اللون يقف ماء العينين سيدي علي داخل فضائه الخاص على مستوى المعرض الدولي للفرس الذي تواصل مدينة الجديدة احتضان فعالياته إلى غاية يوم الأحد المقبل، مرحبا بالزائرين ومحاولا الإجابة عن التساؤلات التي يقدمها كثيرون بخصوص طبيعة علاقة أهالي الأقاليم الجنوبية المغربية بتربية الخيل وممارسة الفروسية.

ماء العينين ظل، منذ سنة 1979 إلى غاية السنوات الأخيرة، ينشط في ميدان الفروسية بمسقط رأسه بإقليم كلميم ويشارك كذلك في مختلف التظاهرات التي تتم برمجتها على مستوى تراب المملكة؛ إلى درجة أنه حل ثالثا بمنافسات كانت قد أقيمت بدار السلام سنة 2013، حسب قوله.

وتحدث سيدي علي بنوع من التفصيل لجريدة هسبريس الإلكترونية عن طبيعة ممارسة أهالي الأقاليم الجنوبية لركوب الفرس، وعن أبرز الاختلافات في ذلك بينهم وبين المناطق الوسطى والشمالية للمملكة.

وفي هذا الصدد، أشار المتحدث إلى أن “التبوريدة” بالجنوب “تمثل إضافة نوعية لفائدة هذا التراث اللامادي على المستوى الوطني ككل، على الرغم من وجود بعض الاختلافات في طريقة الممارسة والتي تتأثر بما هو محلي وجهوي”.

وقال ماء العينين في هذا السياق: “أهل الجنوب معروفون كذلك بالفروسية؛ فهي من تقاليدنا وتقاليد أجدادنا. فبطبيعة الحال، نحن معروفون بتربية الجمال؛ لكن لنا تاريخ طويل كذلك مع الفرس والأنشطة المتعلقة به”.

وتابع: “الشاهد على ذلك هو أن الحسن الأول كان قد راسل في وقته الحبيب ولد المعطي، قائد قبيلة أزوافيط بجهة كلميم واد نون، طالبا منه أن يمده بحوالي 400 فرس وفارس؛ وهو رقم جد مهم وقتها”.

الفرس وأهل الصحراء

“التبوريدة كذلك هي فن عُرف لدينا بالمنطقة منذ قرون، حيث أتوفر شخصيا على مجموعة من الوسائل، بما فيها بنادق، يقارب عمرها مائة سنة، كانت تتم الاستعانة من أجدادنا بدورهم خلال مشاركاتهم في نشاط الفروسية”، قال ماء العينين لهسبريس.

وجوابا عن سؤال بخصوص امتدادات ممارسة “الفانتازيا” بالأقاليم الجنوبية، أكد الخبير في المجال أن مجال كلميم واد نون كان يحتكر فعليا هذا النشاط لمدة طويلة؛ في حين أن الأقاليم التابعة لجهتي الداخلة واد الذهب والعيون الساقية الحمراء انخرطت، اليوم، في الممارسة بعدما برزت هناك مجموعة من الفرق المتخصصة في هذا الموضوع.. بمعنى أن احتكار كلميم واد نون للفروسية لم يعد مطروحا”.

وأشار إلى أن “ما يؤكد هذا المعطى هو أن أربع فرق هي التي تمثل الأقاليم الجنوبية كاملة هنا بالمعرض الدولي للفرس بمدينة الجديدة؛ فرقتان من جهة الداخلة واد الذهب، وفرقة واحدة (سربة) من جهة العيون الساقية الحمراء، والعدد نفسه يمثل جهة كلميم واد نون”.

وواصل ماء العينين سرده لكل هذه التفاصيل مستغلا الفرص بين الفينة والأخرى من أجل الإشارة إلى مجموعة من العناصر المادية التي تؤكد تفرد أهل الجنوب في ممارسة فن “التبوريدة”، خصوصا من ناحية اللباس وحتى على مستوى طريقة الأداء.

في هذا الصدد، كشف أن “الاختلاف الأول الموجود بيننا وبين باقي ربوع المملكة هو أننا نقوم بتأدية طلقة البارود في اتجاه الأسفل عكس الآخرين الذين يقومون بتأديتها صوب السماء”.

وهنا، استفسرته هسبريس عن مدى صحة بعض الأقاويل التي تقول إن أسلوب أهل الصحراء في هذا الصدد سهل ويمكن حتى للفتيان المبتدئين التفنّن فيه، فأوضح أن “هذه الطريقة سهلة مقارنة بالأخرى؛ غير أنها تبقى أقل ضررا في حالة وقع عطب على مستوى البندقية”.

وفي تفسيره للدلالات والمعاني التي تنطوي عليها هذا النوع من الحركة، أوضح أنها “مستوحاة من أبرز الحركات والأساليب التي كانت الفرق الحربية تقوم بها فيما مضى، حيث إن العدو المسلح وقتها يلجأ إلى الاختباء بين الشعاب ووراء الصخور. فمن هنا أتى قيامنا بإطلاق البارود صوب الأسفل”.

في جرد الاختلافات

المستوى الثاني من الاختلاف، حسب ماء العينين، يتعلق باللباس، إذ إنه اختلاف طبيعي يرتبط بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كذلك، حيث لا نقوم عادة بارتداء ملابس براقة أو ملونة؛ بل تكون عادية بسيطة، تتكون من الأزرق أو الأبيض مع الأسود، بينما على مستوى جهة كلميم واد نون نجد نوعين من اللباس؛ الأول يخص القبائل الأمازيغية، والثاني يخص القبائل التي تنطق الدارجة”.

في سياق متصل، أبرز المتحدث أن “المناطق الجنوبية عموما تعتمد وسائل بسيطة فيما يتعلق بتسريج الخيول، حيث تكون عادة مصنوعة من الجلد فقط؛ في حين أن “أهل الداخل” يستعملون عناصر تحتوي على الكثير من التفاصيل والألوان والزخارف كذلك”.

وزاد: “سنتجه مستقبلا، نحن سكان الأقاليم الجنوبية، إلى التأسيس لصناعة محلية فيما يتعلق بسروج الخيل على سبيل المثال، عوضا عن اللجوء إلى الإتيان بها من مراكش أو من فاس، إذ إن الصناعة الجهوية التي نتوفر عليها في هذا الصدد تبقى محدودة”.

الفرس والأسرة الصحراوية

يشارك ماء العينين سيدي علي في هذا المعرض من منطلق كونه خبيرا في مجال “التبوريدة”، بعدما أمضى ضمنها كممارس ما يصل إلى أربعين سنة.

وشرح لهسبريس هذا الأمر بقوله بلسان دارج ممزوج بلكنة صحراوية: “ربعين عام وحنا نتبوردوا، ما خلينا بلاصة فالبلاد ما شاركنا فيها. اليوم الله يجعل البركة، دكشي خليناه للجيل الجديد والعزارى”.

“سيدي علي” وبعدما تفرغ للمشاركة في المعارض والمهرجانات المعنية بالفروسية، كمعرض الجديدة ومهرجان طانطان، لا يزال يقوم بتربية ما يصل إلى ستة خيول بمنزله، حيث يجعلها رهن إشارة أولاده الذين يسيرون على نهجه كذلك.

وهنا، قال المتحدث: “الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بتعليم الأولاد ركوب الخيل، إلى جانب السباحة والرماية؛ وهذه هي الفلسفة التي أطبقها اليوم مع محيطي الأسري”.

وختم قائلا: “أولاد الجنوب المغربي كلهم هكذا، يعيشون مع الخيل، إلى جانب الجمل، يقومون بتربيتهم ودفع أبنائهم إلى التعامل معها منذ صغرهم، حيث إن الخيل يرتبط بذاكرة المجال وبعادات أهله سواء في السلم أو في حالة الحروب، كما كان معروفا فيما سبق”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *