اخبار السودان

جبل موية وجبال الاحزان!  السودانية , اخبار السودان

رشا عوض

جبل موية وجبال الاحزان!

رشا عوض

منذ ان بدأت هذه الحرب ومنذ طلقتها الاولى لم افرح بانتصار احد او اغضب لهزيمة احد لانني كمواطنة منحازة للسلام والدولة المدنية الديمقراطية لا ارى في الحرب من حيث هي سوى هزيمة ثقيلة لبلادنا ارضا وشعبا وفرص نماء وتقدم، وعدوان مغلظ على الحياة السياسية المدنية الحرة وتمهيد لتقسيم الوطن مجددا ليس الى دول مستقرة بل الى دويلات متصارعة في داخلها ومع بعضها البعض!

هذه الحرب عقوبة قاسية تجرعنا مرارتها مكرهين! اذ تم حرماننا من كل شيء! فقدنا بيوتنا والطمأنينة داخلها ، فقدنا الكرامة واصبحنا نصطف في انتظار كمشة بليلة قد تنفذ قبل ان يأتي دور احدنا! وهذا نصيب الافضل حظا منا! لان هناك من قتلوا بالرصاص او فتكت بهم الامراض ! وهناك من فقدوا اقرباءهم وجيرانهم وهناك من تعذبوا هم او تعذب ابناؤهم حتى الموت على يد استخبارات الجيش او استخبارات الدعم السريع! وهناك من سقطت فوق بيوتهم الدانات وقذائف الطيران واحالتها ركاما! وهناك ملايين النازحين واللاجئين ومن ماتوا عطشا او مرضا في طرق التهريب ! وهناك من ينتظرون في اي لحظة خبر موت ابن او اخ او زوج او خال او عم او صديق او جار مرابط في احد جبهات القتال في حرب بين ابناء الوطن الواحد! هناك اسر لها ابناء في الجيش واخوتهم او ابناء عمومتهم في الدعم السريع!! وهناك المستشفيات والمدارس والمنشآت الصناعية والبنية التحتية والجسور والشوارع التي دمرت ، وهناك الالغام المزروعة التي ستظل متربصة بالابرياء اعواما بعد الحرب!! وهناك الشظايا والمواد المتفجرة التي تكسو شوارعنا وهناك بيئتنا التي تلوثت بكل انواع السموم الفتاكة بالبشر والشجر والتربة فضلا عن خسائر خاصة وعامة بعشرات المليارات من الدولارات!

نحن امام جبال من الاحزان تجعل الفرح مستعصيا على اي شخص سليم العقل والضمير، الخبر الوحيد الذي يستوجب فرح المواطنين المكتوين بنيران الحرب هو اعلان طرفيها وقفا طويلا لاطلاق النار تمهيدا لعمليات الاغاثة للمنكوبين ، ثم الانخراط في مفاوضات سلام جادة، هنا فقط يجب علينا ان نخرج للشوارع شاهرين فرحتنا لنحاصر بها من هم في طاولة المفاوضات ونحاصرهم حصارا محكما برفضنا المغلظ للحرب ورغبتنا الاكيدة والعارمة في ايقافها واحلال السلام.

اما صناعة الافراح الوهمية لان الجيش استرد جبل موية او حرر مصفاة الجيلي وإغراق الاسافير وحتى شوارع الدول المجاورة بالاحتفالات ، فهذا دليل غفلة وذهول عن الواقع، ليس فقط لان الانتصارات حتى الان وهمية، فما حدث في مصفاة الجيلي كان هزيمة نكراء للجيش خلفت خسائر بمئات القتلى والجرحى، وجبل موية تم استرداده من قبل الجيش لسويعات “ابنعوفية” ثم عاد الدعم السريع للسيطرة عليه مجددا ، بل تكمن المأساة في المؤامرة الخبيثة على عقول المواطنين وشحنهم بالاوهام والوعود الكاذبة من اجل استغلالهم في كسب المعركة السياسية لصالح المجرمين الذين اشعلوا الحرب ومن خلالها يرغبون في حصاد التأييد الشعبي المطلق بدلا من ان ينالوا عقابهم المستحق!

الموضوع باختصار هو ان العصابة الكيزانية والجيش الذي تسيطر عليه هم من صنعوا الدعم السريع لحمايتهم من معارضيهم المسلحين وحراسة كراسي سلطتهم الفاسدة، تمرد الدعم السريع على دور حارس العصابة وحاميها فارادوا التخلص منه بالحرب للعودة مجددا الى السلطة وان كلف ذلك تدمير الوطن بالكامل، بدلا من محاسبة الكيزان وجيشهم حسابا عسيرا على صناعة هذه المأساة او على الاقل الامتناع عن شراء اكاذيبهم يخرج البعض الى الشوارع مقدما البيعة السياسية بوعي او بدون وعي قبل ان يتحقق اي انتصار حقيقي ، وحتى لو تحقق نصر جزئي او كلي فليس هناك مدعاة لاي فرح على ارتال الجثث والجرحى والمعاقين وعلى انقاض المباني والمعاني.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *