اخبار السودان

اعقلوا دون ان تتوكلوا

عثمان بابكر محجوب

يعتقد معظم السودانيين اننا عالم قائم بذاته لذلك لا عمل لهم سوى تصنيف بعضهم البعض باعتبار ذلك من الاولويات فذاك من عرب الشتات وهذا من الكيزان وهذا وذاك الى ما لا نهاية ، مما يدل على ان السعادة في زمن الحرب لا تكون الا عبر تفريغ طاقة سلبية ضاغطة لا تقدم ولا تؤخر هذا من حيث الشكل اما من حيث المضمون فهذا دليل واضح على انتكاسة حضارية تجتاح البنيات الاجتماعية والافراد المتورطين فيها . وكأن “سوف تتفرق امتي الى فرق شتى الا ان هناك فرقة وحيدة ناجية قيلت في اهل السودان وليس في أهل بكة وما حولها. ان تبسيط الامور اي فقدان الاحساس بحجم المحنة وتسطيح الفكر الذي ظهر خلال هذه الحرب كان بمثابة نعي للثقافة والسياسة معا ، حتى ان هذه الحرب فضحت كل من يدعي انه مثقف ونخص بالذكر اولائك الذين تسبق فيها اشارة د. الاسم والكنية وما أكثرهم .
بكل بساطة نقول للجميع ان الاوان ان تصدقوا بان السودان جزء من هذا العالم ، وليس العالم كله وهو ساحة كغيره من ساحات لعبة صرع الامم لذلك من الفطنة ان نبحث عن ما يحاك للسودان في تلك اللعبة لنبني على الشيء مقتضاه لا ان نبقى في أسر اللامعنى ظنا منا اننا سوف نجد معناه. ترى هل يقع السودان ضمن ساحة تصفية الحسابات الجارية في غزة ولبنان التي ستحدد نتيجتها احجام الدول المنخرطة في هذا الصراع في الشرق الاوسط الكبير ؟ ام نحن ضحايا الموجة الاولى من ربيع افريقي قادم ؟ هذا هوالسؤال ولا داعي ان نهتم بزمرة دمى سخيفة سواء كان ذي الشنبين او ذي الابل . وفي خضم هذه المأسي المتنقلة لم نلحظ اي اعتبار لما يزهق من ارواح ويهدر من دماء ويدمر من بناء ويذرف من دموع لشعوب مغلوب على أمرها .ولا عجب فان دم الابرياء دائما يكون حبرا لرسم الخرائط. اين نحن في السودان من لعبة صراع الامم ؟ لا بد من التنويه اولا الى ان مقولة ازدواجية المعايير التي تنتهجها اميركا تقابلها ازدواجية الدور لدى الحركات الاسلامية فمن جهة هم أعداء اميركا وفق زعمهم وفي نفس الوقت هم دمي أمريكية في واقع . وهناك دلائل كثيرة تثبت ذلك مثلا أفغانستان : بشكل مفاجىء وغير متوقع غادرت اميركا افغانستان حتى ان الناس تعلقت بعجلات الطائرة للفرار من طالبان فهل أميركا لاقت هزيمة فعلا هناك أم انها مسرحية قبيحة الاخراج ؟ بالطبع كانت مسرحية تركت فيها اميركا اسلحة حديثة بقيمة 20 مليار دولار بحوزة طالبان اي انها لم تسلم السلطة لطالبان وحسب بل تركت لها ترسانة سلاح كاملة . ما هو السبب ؟ السبب هو ان دور طالبان القادم سيكون موجه نحو دول أسيا الوسطى للضغط على روسيا من خلال تلك الدول اضافة اى دورها في عرقلة مشروع طريق الحرير الصيني . وكل ذلك تم الاتفاق عليه خلال مباحثات طالبان واميركا في قطر والجدير وهذه المباحثات استمرت اكثر من سنة قبل ان تنفذ اميركا قرارها بالانسحاب من هناك . باختصار عداوة تتحول الى صداقة وصداقة تتحول الى عداوة بين اميركا والحركات الاسلامية وجوهر العلاقة الدائم شتاء وصيف على سطح واحد . وهذا الامر ليس بجديد حيث انه ابان الاحتلال السوفياتي كان المجاهدون الافغان اي الاخونج الطفل المدلل لاميركا كذلك بن لادن وما يسمى بالقاعدة وبعد انجاز المهمة قضي الامر كما هو معروف وما سمي بالربيع العربي كان معول الهدم فيه الحركات الاسلامية بمباركة ودعم اميركي . حتى ان ايران بالامس لم تستطع السكوت على الضيم الذي لحقها بقتل هنية على ارضها اطلقت صواريخها للثأر نحو اسرائيل ليتبين ان الصواريخ الفرط صوتية يمكن اطلاقها دون الحشوة المتفجرة وبالتالي المسألة كانت مجرد ألعاب نارية اضاءت سماء اسرائيل . حتى ان اسماعيل هنية قتل بمتفجرة زرعت في سريره وليس بقذيفة مدفع كما اظهرت التحقيقات الايرانية والذي زرع المتفجرة ايراني عميل للحرس الثوري وليس لاسرائيل ومقتل نصرالله بالامس هناك خبر بان ايراني وشى به لاسرائيل مما يدل على ان هناك صفقة تطبخ بين اميركا وايران من شروطها ترويض اجنحة ايران في المنطقة اما بالنسبة للسودان فالحركة الاسلامية التي اختطفت الحكم منذ ما يربو عن 30 سنة تكفلت بتدمير بلدها بنفسها لذلك لم يظهر لاميركا دور مباشر سوى سلاح العقوبات لمساعدة الاخنونج على نحر بلدهم وهذا الذي كان .مختصر القول انه ليس لنا مكان في معادلة الصراع على النفوذ وبالتأكيد لسنا اولى ضحايا الربيع الافريقي لان الربيع السوداني بدأ مبكرا مع وصول المخلوع الى الحكم في السودان .
اما حول صفقة نقل مقاتلي حماس وقادتها الى السودان فهذا مجرد بالون اختبار وهمي لان السنوار الاخونجي لم ينه مهمته بعد ‘ لقد استطاع حتى الان تدمير 60 بالماية فمن يدمر ما تبقى اذا ما غادر غزة .؟ ومن اغرب ما نراه هو مدى تعلقنا بالبند السابع وحيادية أميركا في احداث السودان ، للسوداني الحق في الهرب من وحشية الاخونج والجنج لكن ان يهرب السوداني من عقله بالمراهنة على أميركا فهذا يدخل في عالم اللامعقول .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *