دفاعات إيران ومنشآتها.. خفايا وقدرات “كعب أخيل”
في ظل حالة الترقب السائدة في المنطقة حول طبيعة “الثمن الإسرائيلي” الذي ستدفعه إيران بعد الهجوم الصاروخي الذي نفذته قبل أيام، تثار تساؤلات عن ماهية القدرات الدفاعية التي تملكها طهران و”حرسها الثوري”، وما إذا كانت كفيلة بدرء أخطار وتداعيات الرد الانتقامي المحتمل أم لا.
ولم يحدد المسؤولون الإسرائيليون بدقة حتى الآن الخطوة التي سيقدمون عليها في المرحلة المقبلة وكذلك توقيتها، ردا على ما تعرضوا له من هجوم بالصواريخ البالستية.
وفي حين رجّح مراقبون لوسائل إعلام إسرائيلية وأميركية أن الهدف قد يتمثل بضرب “المنشآت الاستراتيجية”، يستعرض خبراء عسكريون خفايا هذه المنشآت، وتوقع أحدهم، في حديثه لموقع “الحرة”، “3 فئات مميزة”.
الهجوم الإيراني الذي حصل، قبل أيام، لم يكن الأول من نوعه على إسرائيل، إذ سبقه آخر في شهر أبريل الماضي، وكان حينها “استثنائيا ومباشرا” من دولة وليس منظمة، منذ أن أطلق صدام حسين صواريخ نوع “سكود” على إسرائيل في 1991.
وقالت إسرائيل قبل ستة أشهر إنها نفذت ردا انتقاميا على الهجوم الإيراني الأول، وبينما لم تحدد طبيعته آنذاك، ذكرت وسائل إعلام أنه استهدف منطقة أصفهان التي تضم بنى تحتية عسكرية إيرانية هامة، بينها قاعدة جوية كبرى، ومجمع كبير لإنتاج الصواريخ، فضلا عن العديد من المنشآت النووية.
وكان الهجوم الإسرائيلي الأول “بمثابة رسالة إلى إيران” وفقا لموقع “بزنس إنسايدر” وتم تنفيذه بصاروخ باليستي أطلق من الجو، وأدى إلى تدمير جزء حيوي من شبكة دفاع إيران الجوية، والمتمثل برادار تابع لأحد صواريخها الروسية المتقدمة من طراز إس300.
وقد أصاب الصاروخ الإسرائيلي هدفه بشكل مباشر، وفي اليوم التالي حاولت إيران التغطية على الضرر باستخدام رادار بديل أقل كفاءة، وفقا للصور حصلت عليها مجلة “الإيكونوميست” ونشرتها، في 24 من شهر أبريل.
هل إيران قادرة على الدفاع؟
ومنذ عام 2023 طالما افتخرت وروجت إيران للدفاعات الجوية التي تملكها، وكانت تركز دائما على المصنوعة محليا وأبرزها “باور 373″، التي يزعم المسؤولون في طهران أنها تتفوق على نظامي “إس300″ و”باتريوت” الأميركي.
لكن وبشكل عام يوضح فابيان هينز الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة فكرية دفاعية مقرها لندن، أن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية “ليست بالمستوى المطلوب”.
وكان النظام الإيراني أهمل لفترة طويلة تطوير أنظمتهم الدفاعية الخاصة، بما في ذلك الصواريخ من نوع أرضجو. وجاء ذلك على حساب اتجاههم لتطوير أنظمة الصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار.
ورغم أن هذا الوضع تغير في السنوات الأخيرة، حيث استثمرت طهران أموالا طائلة في تطوير صواريخ أرضجو محلية الصنع، يرى هينز في حديثه لموقع “الحرة” أنه من الصعب الآن الحكم على مدى جودتها.
ولدى إيران عدد قليل من الأنظمة الروسية القادرة على الاعتراض وأبرزها “إس300”.
لكنها لا تعتبر كفيلة في تغطية عمليات الدفاع كونها محدودة العدد، وليست متقدمة بما يكفي لمواجهة سلاح الجو الإسرائيلي، بحسب الباحث والخبير في الصواريخ الإيرانية.
ويشير إلى الرد الانتقامي الأول لإسرائيل، وكيف أن الإسرائيليين دمروا رادار “إس300” في ضربة دقيقة، مردفا: “ما فعله الإسرائيليون حينها هو أنهم أظهروا للإيرانيين أنهم يستطيعون ضرب أي نقطة في إيران، وأنها لا تستطيع الدفاع ضد الهجمات الجوية”.
ما أبرز ما تملكه إيران؟
إلى جانب بعض القطع من منظومة “إس300” الروسية تمتلك إيران أنظمة أخرى قديمة ومحلية أبرزها “باور 373″، التي تم تطويرها محليا كواحدة من أهم أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بالبلاد.
ويضاف إليها “خرداد 15″ القادرة على اكتشاف الطائرات والصواريخ من مسافات تصل إلى 150 كيلومترا، و”مرصاد” التي يستخدم لإسقاط الطائرات على ارتفاعات متوسطة، فضلا عن منظومات أخرى تحمل أسماء مختلفة وتعتمد على مزيج من الأنظمة روسية الصنع والمحلية، لتوفير تغطية دفاعية جوية متعدد الطبقات، تتراوح بين قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى.
ويعتقد آراش عزيزي، المحاضر الأول في التاريخ والعلوم السياسية في جامعة كليمسون ومؤلف كتاب “القائد الظل: سليماني والولايات المتحدة وطموحات إيران العالمية”، أن إيران تتمتع بإمكانية الوصول إلى نظام “إس300” الروسي، كما استثمرت في دفاعاتها الصاروخية محلية الصنع.
ويوضح، لموقع “الحرة”، أنها أعطت خلال السنوات الماضية الأولوية بشكل خاص للدفاع عن المواقع النووية.
ومع ذلك، يشير عزيزي إلى أنه “لا يزال لديها عيوب كبيرة”، ويضاف إلى ذلك أن “أراضيها شاسعة ومواقعها متناثرة، مما يجعل الدفاع عنها أكثر صعوبة”.
“كعب أخيل”
ومن جهته، يعتبر الباحث في الشأن الإيراني، ضياء قدور، أن “الدفاعات الجوية تعتبر بمثابة (كعب أخيل) للقوات الإيرانية”.
ويقول إن إيران “تفتقد لمنظومات متطورة وقوية يمكن أن تساعدها في حماية المنشآت الاستراتيجية”.
وفي سيناريو متصور لقصف جوي إسرائيلي يعتقد قدور، في حديثه لموقع “الحرة”، أن الطائرات الإسرائيلية “ستتمتع بحرية شبه مطلقة تقريبا فيما ستعيش الدفاعات الإيرانية حالة من الافتضاح الكبير”.
وتدعي إيران منذ عقود أن لديها دفاعات متطورة محلية الصنع مثل “صياد” و”باور” و”خرداد” وغيرها، لكن وعند الغوص في التفاصيل يتبين أن “القدرات العملياتية لهذه المنظومات غير محسومة حتى الآن”، بحسب الباحث المختص بالشأن الإيراني.
ويؤكد على الفكرة التي أشار إليها عزيزي، موضحا أن “المشكلة الكبيرة التي قد تعاني منها إيران في حالة قصف جوي واسع النطاق وعنيف هو المساحات الجغرافية الشاسعة لأراضيها”.
و”مهما امتلكت إيران من منظومات دفاعية لا تستطيع تغطية الجغرافيا الخاصة بها بشكل كامل، وستبقى العديد من الثغرات ونقاط الضعف التي يمكن من خلالها التسلل”، كما يرجح الباحث قدور.
وعلى مدى السنوات الماضية طورت إيران العديد من منظوماتها الدفاعية، لكن من الصعب حتى الآن تقييم مدى كفاءتها وإلى أي مدى تم إنتاجها بشكل كبير ووضعها في الخدمة، كما يضيف الخبير فابيان هينز.
ويوضح من جانب آخر أن إيران كانت طورت بعض الصواريخ التي أثبتت نجاحها، وأبرزها صاروخ مضاد للطائرات بدون طيار يُسمى “358”.
واستخدم الحوثيون في اليمن هذا الصاروخ وأيضا “حزب الله” اللبناني والميليشيات المدعومة من “الحرس الثوري” في العراق.
وفي حين أنهم تمكنوا من إسقاط الطائرات بدون طيار، إلا أن إسقاط المسيّرات “أسهل بكثير من إسقاط الطائرات الحربية”، بحسب هينز.
ولذلك يؤكد أن الإيرانيين “لا يمتلكون شبكة دفاعية مناسبة مثل التي تمتلكها إسرائيل”.
ويطرح مثالا على ذلك بالقول: “استراتيجيتهم تعتمد بشكل أكبر على ردع أي هجوم من خلال التهديد بالهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار، ولكن عندما لا يعمل هذا الردع يكون لديهم مشكلة”.
“بين ردين انتقاميين”
وكانت الضربة الانتقامية الإسرائيلية التي حصلت في أبريل كشفت بوضوح عن “نقاط الضعف في الدرع الجوي الإيراني”، وفقا لتقرير تحليلي نشره موقع “إيران إنترناشيونال”، في الخامس والعشرين من الشهر المذكور.
وكانت تهدف أيضا إلى “إظهار قدرة إسرائيل على اختراق الأنظمة الدفاعية الإيرانية دون أن يلاحظها أحد”، ومع ذلك جاء في التقرير أنه “لا ينبغي أن نقلل من شأن الجهود الحثيثة التي تبذلها إيران لتعزيز وتوسيع قدراتها الدفاعية الجوية”.
في 20 يونيو 2019، أسقطت القوات الإيرانية طائرة استطلاع عسكرية أميركية بدون طيار كانت تحلق فوق مضيق هرمز الاستراتيجي. وأشادت بنظام خرداد 3 المضاد للطائرات باعتباره “الصياد”.
وفي إطار توسيع ترسانتها إلى ما هو أبعد من أنظمة الدفاع الجوي المتنقلة وعددها 21 بحسب “معهد واشنطن”، قدمت إيران نظامين دفاعيين إضافيين: نظام “أرمان” المضاد للصواريخ الباليستية ونظام “أزارخش” (الصاعقة) للدفاع الجوي المنخفض الارتفاع.
وكشفت وزارة الدفاع الإيرانية عن هذين النظامين في 19 فبراير 2024، و”هما يؤكدان على الجهود المستمرة التي تبذلها إيران لتعزيز قدراتها الدفاعية الجوية”، كما جاء في تقرير “إيران إنترناشيونال”.
وفي تعليقه على ذلك، يعتقد الباحث في الشأن الإيراني قدور أن “الطائرات الإسرائيلية التي تتمتع بحرية شبه مطلقة في سوريا حيث تتواجد شبكة دفاعية معقدة ومتكاثفة من الدفاعات الروسية لن تعاني الكثير من المشاكل في الجغرافيا الإيرانية”.
لكنه في المقابل يشير إلى مشكلة واحدة وتتعلق بكيفية التزود بالوقود والحصول القذائف الخارقة للتحصينات لاستهداف منشآت حساسة محمية تحت الأرض.
ولا تعرف حتى الآن طبيعة الرد الانتقامي الذي ستنفذه إسرائيل، وما إذا كان سيتم عبر الصواريخ بعيدة المدى أو من خلال الطائرات الحربية.
ويعتبر الباحث أن النظام الإيراني “يقف على قدم واحدة فيما يتعلق بالتهديدات الإيرانية”، وخاصة المتعلقة بضرب الشق الاقتصادي الحيوي (القطاع النفطي والمصافي الذي يعاني أصلا من مشاكل وصعوبات في عملية الإنتاج من خلالها).
ما أبرز المنشآت الإيرانية؟
ولاتزال التحليلات المتعلقة بشكل “الثمن” الذي ستدفعه إيران على حد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، تدور في حلقة من التخمينات والتكهنات.
وقال مسؤولون إسرائيليون، قبل يومين، إن بلادهم ستبدأ “ردا قويا” على الهجوم الإيراني، في غضون أيام، وقد يشمل استهداف منشآت نفطية ومواقع استراتيجية إيرانية أخرى.
وتعد إيران موطنا لعدد من المنشآت الاستراتيجية الهامة التي تغطي المجالات العسكرية، النووية والاقتصادية والبنية التحتية الحيوية، وأبرزها منشآت البرنامج النووي: كمفاعل “نطنز” لتخصيب اليورانيوم ومنشأة “فوردو” النووية” ومفاعل “آراك”.
وفي مقابل ذلك، تبرز عدة منشآت عسكرية وقد تكون ضمن دائرة الأهداف الإسرائيلية، وبينها مواقع الصواريخ البالستية في مناطق أصفهان وتبريز وخرم آباد وكرج وأراك.
وعلاوة على ذلك، تعتبر الطائرات بدون طيار جزءا مهما من الاستراتيجية العسكرية الإيرانية، ولدى إيران الكثير من المنشآت التي تتم فيها عملية الإنتاج.
ومن الجانب المتعلق بالمنشآت الاقتصادية فتتصدرها منشآت النفط والغاز في الأحواز وجزيرة خارك، التي تحوي على أكبر مرفأ لتصدير النفط الإيراني.
إضافة إلى منشآت البتروكيماويات، إذ يوجد في إيران العديد من المصانع المهمة في ميناء بندر عباس وميناء عسلوية، وهي مناطق استراتيجية لصناعة البتروكيماويات.
محطات الطاقة الكهربائية تعتبر كذلك من المنشآت الاقتصادية الهامة في إيران، بما في ذلك محطات الطاقة النووية مثل محطة بوشهر النووية، والتي تُعد المصدر الرئيسي للطاقة النووية في البلاد.
وتجدر الإشارة أيضا إلى الموانئ والمطارات، وأبرزها ميناء بندر عباس وهو أحد أكبر الموانئ في إيران ويعتبر بوابة البلاد للتجارة البحرية، وميناء الإمام الخميني، الذي يستخدم لتصدير واستيراد البضائع، ويُعد من الموانئ الهامة في منطقة الخليج.
ويضاف إلى ذلك مطار مهرآباد ومطار الإمام الخميني الدولي، وهما المطاران الاستراتيجيان اللذان يخدمان العاصمة طهران.
“3 فئات مميزة”
ويعتقد الباحث هينز أن هناك ثلاث فئات مميزة من الأهداف التي قد تهاجمها إسرائيل، الأولى والأكبر هي البرنامج النووي.
وكان المراقبون يتحدثون عن احتمال توجيه ضربة للبرنامج النووي من قبل إسرائيل لأكثر من عقدين، ومع ذلك يطرح هذا الخيار عدة أسئلة بحسب الباحث، وبينها: هل يمكن أن تقرر إسرائيل في لحظة معينة أن حزب الله تم إضعافه، ويمكنها الصمود أمام هجوم إيراني؟
إضافة إلى سؤال آخر مفاده: هل تآكلت قدرة الردع الإيرانية إلى الحد الذي يجعلهم يقولون: “سنمضي قدما ونقوم بتدمير البرنامج النووي؟”.
ويعتبر هينز أن “خيار ضرب البرنامج النووي يحمل مخاطر وصعب التنفيذ، لأن العديد من المنشآت النووية مدفونة بعمق تحت الأرض، ولأن المسافة بين إسرائيل وإيران بعيدة”.
وقد يكون الاحتمال الثاني القدرات العسكرية.
ويمكن أن تحاول إسرائيل إضعاف بعض القدرات العسكرية الإيرانية التي تشكل تهديدا لها، خاصة فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار والصواريخ، وربما استهداف أفراد مهمين أيضا.
أما الفئة الثالثة فهي الأهداف الاقتصادية، ويوضح هينز أن “النظام الإيراني يواجه وضعا صعبا الآن، وقد تكون إسرائيل مهتمة بزيادة الضغط من خلال استهداف المنشآت النفطية”.
وكانت إسرائيل قد ضربت ميناءً في اليمن، وكان ذلك مثيرا للاهتمام، على حد تعبير الباحث.
وعندما ردوا على الحوثيين اختاروا عدم استهداف البنية التحتية العسكرية، بل البنية التحتية المدنية الحساسة التي كانت حيوية بالنسبة لهم، و”ربما يمكنهم القيام بشيء مماثل في إيران”، بحسب الباحث.
ومن جهته، يرى آراش عزيزي، المحاضر الأول في التاريخ والعلوم السياسية في جامعة كليمسون، أن “المواقع النووية الإيرانية في نطنز وفوردو ومصافيها هي أهداف رئيسية بالإضافة إلى عدد من القواعد الجوية والقواعد العسكرية الاستراتيجية”.
ويعتقد أن “الرد الإسرائيلي من المرجح أن يكون أكثر شمولا هذه المرة، ومن المؤكد أن النظام الإيراني يأخذ الأمر على محمل الجد ويشعر بالقلق الشديد إزاءه”.
وسوف يحاول النظام الإيراني التحدث مع الأميركيين حول سبل الحد من هذا الأمر والتخفيف من حدته، كما يرجح عزيزي في حديثه لموقع “الحرة”.
المصدر: صحيفة الراكوبة