السودان … الدولة التي دمرت بسواعد ابناءها
زكريا ادم علي عبدالرسول
المقولة الشهيره التي ظلت تلهج بها الالسن السودانية في وسائل الاعلام ومجالسهم المجتمعيه عُربها وعُجمها : (إن البلاد تبني بسواعد بنيها) ، وكذلك المثل : (موت الولد ولاخراب البلد) ولكن الواقع الذي عايشناه والماثل امامنا منذ الاستقلال في العام ١٩٥٦م وحتي يومنا هذا يثبت عكس ماذهبت اليه تلك المقولة وما انطوي عليه ذلك المثل.
فما شهدته بلادنا طيلة هذه العقود ، مع الاسف كان تدميرا متعمدا لكل مقدراته بسواعد ابناءه ، فبدلا من ان تسخر تلك الامكانات للبناء والتعمير وارساء اسس نهضويه متينه ، كانت معظم تلك الامكانيات تذهب للمجهود الحربي وإذكاء نيران الحروب بين ابناء الوطن الواحد ، فهلكت المهج والارواح وكانت النتيجه موتا للولد وخرابا شاملا للبلد. والاخطر من ذلك كله هو فساد الاخلاق والسلوك وضياع المُثُل العليا الحميدة الهادية الي رشد المجتمع.
لم تحظي الدولة السودانية بنهضة تنموية متوازنه منذ الاستقلال وقد اعتمدت معظم الحكومات المتعاقبه في حكمها علي ماتركة الاستعمار من الموروث البنيوي للخدمات والموارد الاقتصاديه التي انشاها ، علي سبيل المثال لا الحصر ((مشروع الجزيرة السكة حديد…الخ)). لم يستفيد السياسيون من تلك البنيه التحية وجعلها لبنه تقوم علي اساسها مشروعات تنمية متوازنه ، بل كرس معظم السياسيين الذين تعاقبوا علي حكم السودان جل وقتهم في الصراعات البينية حول السلطة وكرسي الحكم . تلك الصرعات التي مهدت للانتفاضات الشعبيه والانقلابات العسكرية.
فسرعان ماتظهر بين الفينة والاخري ثورات تمرد حاملة للسلاح بدعاوي تهميش جهوي ، والسلطة القائمة تحاول اخمادها بعنف مفرط يؤدي الي هلاك المدنيين وبعدها تسلك طريقا للتفاوض ينتهي بموجبه التمرد المسلح وتنطفئ نيران الحرب بين طرفي النزاع والوصول الي اتفاق جزئي لايلبي حتي طموحات الاطراف المتصارعه علي كرسي الحكم ناهيك عن قضايا البلد المتراكمة. ومابين الهدنة بين السلطة القائمة وثوارت التمرد المسلح تأتي الانتفاضات الشعبيه الرافضه لنظام الحكم برمته مطالبة بالاصلاح الشامل ووضع اسس دستورية ضابطه وفق نظام حكم مدني ديمقراطي ، وسرعان ماتتكشف ان الثورة الشعبيه خلفها احزاب شمولية تتستر خلف العسكر لاحكام قبضتها والتقوّي بالسلاح. أما الاسباب الاساسية خلف ظهور الثورات المتمردة هي المطالبة بالتنمية المتوازنه.
جاءت ثورة ديسمبر ٢٠١٨م كواحدة من ابرز الثورات السودانية من حيث اتساع رقعتها الجغرافيه وكثافتها الجماهيرية ، فكانت هي الثورة الحقيقية للشعوب السودانيه ،حيث استطاعت ان توحد مطالبها في اسقاط النظام وتثبيت شعار الحرية والسلام والعداله فهي بذلك وحدت وجدان الشعب السوداني وكممت افواه العنصريين الذين مافتئوا ينفثون سموم العنصريه بين ابناء الوطن الواحد ، فكان شعار ياعنصري يامغرور كل البلد دارفور قد ابكم كل الاصوات النشاز.
في هذه الاثناء من التاريخ الناصع الذي بدأ يتشكل بعد نجاح الثورة ، ومفاوضات جوبا لسلام السودان تسير علي قدم وساق برزت بعض الاصوات النشاز التي كانت تنادي بفصل دارفور ٢٠٢٠م في تقزم سياسي فاضح يعبر عن عدم ادراك المطالبين بفصل دارفور لأدني ابجديات النظم السياسيه. فليس من حق اي نظام سياسي يحنث القائمين علي امرة بالحفاظ علي الاوطان ارضا وشعبا. هذا مايقسم عليه رئيس اي نظام علي الكرة الارضيه.
استمر بعض الناشطين التقزميين فكريا بعد اتفاقية جوبا لسلام السودان في اكتوبر من العام ٢٠٢٠م يحاولون عبثا نشر غثاء افكارهم العنصرية وفي محاولة يائسه منهم لتفريغ ما تحمله اجوافهم من حقد وحسد وعنصرية بغيضه بغية الاستشفاء من تلك الامراض المزمنه. يبثون سمومهم تارة يحرضون علي فصل ذلك الجزء العزيز من الوطن وتارة اخري بقيام دولة النهر والبحر. وهكذا ظل نشاز المجتمع يسعي ليلا ونهار يمهد لتلك الافكار التي لفظها جموع الشعب السوداني الغيور علي وطنه.
حرب الخامس عشر من ابريل كانت هي الحرب الكاشفه التي اظهرت كل السوءات والايادي الآثمة علي الوطن ، وتباينت فيه المواقف وقد ساهم كثير من السواعد في تدمير الوطن . ولكن بعزيمة واصرار الحادبين علي مصلحته سوف يؤسس لوحدة وطنية ونظام ديمقراطي فيه يختار الشعب من يحكمة ونظام حكم اقليمي فدرالي يمكن ابناء الاقاليم من حكم انفسهم والاستفادة من مواردهم في التنمية وارساء نظام الحكم الراشد.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة