اخبار السودان

معركة الخرطوم تحريك أم تحرير؟ (إعادة إنتاج توازن الضعف)

 (١) تحت قصف العقول والقصف المضاد ضمن دعاية الحرب التضليلية وإعلاء شأن الحرب النفسية ، تضيع الحقيقة وهي أولى ضحايا الحروب. وبالرغم من ذلك ، يصح الاستنتاج بأن الجيش المختطف قد نجح لأول مرة في الإنتقال من حالة الانسحاب المزمن والفشل حتى في الدفاع عن قياداته العسكرية وثكناته ، إلى الهجوم الواسع في مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري ، بغض النظر عما حققه من نتائج شابها التضخيم من أنصاره والتبخيس من أنصار المليشيا المجرمة. فالثابت هو أن الجيش المختطف قد تقدم من مدينة أم درمان صباح أمس الخميس ليدخل الخرطوم عبر كبري الحديد وكبري الفتيحاب ، وأستطاع أن يحقق تقدما غير واضحة حدوده قبل أن يتم صده من قبل المليشيا المجرمة والمستحكمة في وضع دفاعي أريح حتما. كذلك تقدم الجيش المختطف عبر كبري الحلفايا في اتجاه مدينة بحري ، ووسع من تقدمه في منطقة الكدرو وتراجعت المليشيا المجرمة أمامه قبل أن تستعيد تماسكها جزئيا. والموقف العملياتي الآن غير واضح في ظل مزاعم الطرفين ودعايتهما الحربية في ظل غياب أي تقرير من جهات مستقلة عما يحدث فعليا في ارض الواقع. فلا الحديث الذي يبثه أنصار الجيش المختطف عبر منصات دعاية الحركة الإسلامية المجرمة مشعلة الحرب عن التحرير صحيح ، ولا أكاذيب المليشيا المجرمة عن الكمين صحيحة أيضاً!!. (٢) في تقديرنا أن ما حدث هو محاولة تحريك لا تحرير ، قام بها الجيش المختطف ، لتحسين موقف قيادته التفاوضي في أي مفاوضات قادمة ، أخذا في الإعتبار مطالبته بخروج المليشيا المجرمة من القصر الجمهوري وفك الحصار عن القيادة العامة ، حتى يستطيع المشاركة في مفاوضات جنيف، وطلبه لذلك في المفاوضات التمهيدية بينه والولايات المتحدة الأميركية في جده. فالهدف من الانفتاح الهجومي لم يكن تحرير الخرطوم بكل تأكيد ، لأن الوضع العسكري وتوازن القوى لا يسمح بذلك بكل بساطة. والدلالة على ذلك أن الهجوم قد استبق خطاب رئيس مجلس قيادة الانقلاب والبائد غير الشرعي للجيش المختطف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، والذي ورد به زعم بأن سلطة الأمر الواقع ساعية للسلام وأنها استجابت لكل المبادرات بعكس ممانعتها المستمرة لذلك في أرض الواقع. فتزامن الهجوم مع الخطاب وخلوه من أي إشارة إلى التقدم في أرض المعركة وإشارته إلى الرغبة في السلام مع مطالبته بإعلان المليشيا المجرمة كتنظيم إرهابي ، يؤكد يقين الانقلابي المزمن الذي يرفض المجتمع الدولي الاعتراف به كسلطة من أن ما يتم مجرد تحريك لن يقود إلى تحرير. هذا بالطبع في حال إستبعاد أن الهجوم قد تم أصلا ضده للزعم بأنه هو الممسك بلجام الجيش المختطف والمانع له من الانتصار كما يروج البعض ، وكأن سفره خارج البلاد يفقده التحكم في قواته كما يفقده صفته كقائد للمجموعة المختطفة للجيش والتابعة للحركة الإسلامية المجرمة.

(٣) الحقيقة تبقى هي أن معركة الأمس الواسعة والضارية ، محطة مؤسسة ومهمة لدعاية من يسعرون الحرب ويوزعون وهم إمكانية حسمها عسكريا لمصلحة الجيش المختطف. وهي مجرد وقود دعائي لرافضي وقف الحرب والداعين لاستمراراها حتى تأكل الأخضر واليابس وتحيل البلاد لخراب مستدام. لذلك نرى الحملة الدعائية المنسقة والكبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي عن سيطرة الجيش المختطف على وسط الخرطوم والصمت المطبق عن حقيقة أن المليشيا المجرمة قد نجحت في إيقاف تقدمه. كذلك نشهد ترويجيا واضحا لترحيب المواطنين بقوات الجيش المختطف عند دخولها لأي منطقة كانت تحت سيطرة تلك المليشيا ، في تجاهل تام لأن هذا الترحيب أمر طبيعي لأنه من ناحية خلاص من جحيم المليشيا المجرمة ، ومن ناحية أخرى دعم لصغار الضباط والعسكريين المكتوين فعليا بنار الحرب ويدفعون ثمنها ، وهم ابناء الشعب السوداني الذين تدفع بهم القيادة المختطفة للجيش إلى هذه المحرقة ، وليس تأييدا لهذه القيادة ولا الحركة الإسلامية المجرمة التي تتوارى خلفها. ومن ناحية استراتيجية تقدم الجيش المختطف في بعض المعارك ، أو استعادته لبعض المواقع من المليشيا المجرمة جيد ، لأنه يعيد إنتاج توازن الضعف ، ويمنع إنتصار أحد طرفي الحرب ، ويقلص من تقدم المليشيا المجرمة ويضعف من قدراتها ويمنعها من المزيد من التقدم ، وتوهم القدرة على تحقيق نصر كاسح وحسم المعركة برمتها عسكرياً. وتوازن الضعف شرط أساسي لتتمكن القوى المدنية من إعادة العسكر للثكنات وحل المليشيا المجرمة مستقبلاً ، ومانع من تفتيت البلاد في المرحلة الحالية ، وممكن للمجتمع الدولي من الضغط على الطرفين المجرمين المتحاربين.

(٤) ومفاد ما تقدم هو أن معارك الأمس في الخرطوم وبحري لن تحسم الحرب، ولن تقود إلى تحرير المدينتين من قبضة المليشيا المجرمة ، لكنها حتما تضعف هذه المليشيا ، كما تضعف الجيش المختطف وإن حقق بعض التقدم والانتصار الجزئي. فهو على الاقل يسيطر على شرق النيل الان عبر حزام ناري لكن سيطرته على أي مواقع في الخرطوم بالمشاة غير مؤكدة. فخسائر الطرفين في الأرواح كبيرة بلاشك ، وخسائر الجيش المختطف بوصفه الجهة التي قادت الهجوم في مواجهة مليشيا مجرمة ومستحكمة دفاعيا على الارجح أكبر ، هذا فوق الخسائر المادية الكبيرة جدا التي حدثت نتيجة هذه الاشتباكات. والدرس المستفاد هو أن القتال لن يحسم الحرب ، وأن تحسين المواقف التفاوضية عبر تحسين الموقف الميداني سيستمر ، وأن الجيش المختطف مصر على مواصلة الحرب رغم ضعفه الواضح لأن الحركة الإسلامية المجرمة المسيطرة عليه مصرة على ذلك ، وأن المليشيا المجرمة تنادي بالسلام لا رغبة فيه ولكن في محاولة للحفاظ على تفوقها العسكري واحتلالها لما يزيد على السبعين في المائة من أراضي البلاد. وبالرغم من أن تحركات الجيش المختطف الهجومية تعيد إنتاج توازن الضعف لمصلحة الحركة الجماهيرية استراتيجياً ، إلا أن ذلك لا يعني تأييد هذه التحركات ودعم استمرار الحرب أو الانخراط في العمل الدعائي لمعسكر الحرب المعروف بالبلابسة. فقراءة أثر التطورات في البعد الايجابي الداعم لسلطة الجماهير المستقبلية ، يستلزم الاستمرار في عدم الانخراط في الحرب بدعم أي من أطرافها تكتيكياً ، لأن ذلك يكرس الرفض للحرب كوسيلة لحسم الصراع السياسي ، ويعزز موقف الحركة الجماهيرية كطرف ثالث سلمي يسعى لتحقيق أهداف ثورته عبر الوسائل السلمية. فالمطلوب هو ترك القوى المتحاربة تخوض حربها لوحدها وتضعف بعضها بعضاً ، حتى يتسني للحركة الجماهيرية هزيمتها مستقبلاً. فملاحظة أن إعادة إنتاج توازن الضعف مفيد لحركة الجماهير مستقبلاً ، لا يعني الانخراط في الحرب ودعم ايا من أطرافها لأن هذا يهزم إستراتيجية حركة الجماهير القائمة على النضال السلمي ويجعل القوى المدنية داعمة للحرب ، وفي هذا تغليب للتكتيكي على الاستراتيجي وإنتهازية واضحة كاملة الدسم. على قوى شعبنا الحية والصامدة الاستمرار في رفض الحرب ومع رسملة نتائجها سياسيا في كل الأحوال ، والاستعصام بنضالها السلمي ويقينها من أن العسكر للثكنات بعد هيكلة الجيش الواحد ، والجنجويد وكل المليشيات بما فيها حركات جوبا المسلحة تنحل . وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! .

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *