اخبار السودان

مصر تستفز إثيوبيا بتقديم مساعدات عسكرية جديدة للصومال

إرسال مصر للمزيد من شحنات الأسلحة إلى الصومال يغذي التوترات في منطقة القرن الأفريقي، وتجازف القاهرة في ذلك بالدخول في صراعات ليست مضمونة النتائج، وقد تكون تكلفتها باهظة.

مقديشو/ القاهرة تصر مصر على المضي قدما في تقديم المساعدات العسكرية إلى الصومال، في استفزاز واضح لإثيوبيا ومحاولة إرباك جهودها في الحصول على منفذ على البحر الأحمر. لكن مراقبين يحذرون من أن القاهرة، التي يمكن أن تحقق بعض الإزعاج لأديس أبابا، قد تجد نفسها في قلب صراع طويل الأمد ولا أفق للخروج منه.

وينظر المصريون إلى إرسال أعداد من جنودهم وأسلحة إلى مقديشو على أنه بمثابة جولة استطلاعية لن تترتب عليها نتائج تزعجهم، لكن إذا اشتبك الصوماليون مع الأثيوبيين فهذا يعني أن المصريين هناك سيكونون في حالة حرب مع أثيوبيا، مع فارق في العدة والعتاد والقرب الجغرافي، وكلها عناصر تخدم أديس أبابا.

ولا أحد يمكن أن يتكهن بأفق الحرب في حال نشبت بين دولتين عاشتا على وقع الصراعات على مدى عقود. وحروب السودان وإثيوبيا والصومال وإرتريا بينت كلها أن أهل القرن الأفريقي يقاتلون بطريقة مختلفة وأن الحروب عندهم ببدايات معروفة ونهايات تستمر عشرات السنين.

والاثنين كشفت تقارير إعلامية عن قيام سفينة حربية مصرية بتسليم شحنة كبيرة جديدة من الأسلحة إلى الصومال، تشمل مدافع مضادة للطائرات وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تزيد التوتر بين مصر والصومال من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، وذلك بعد وصول طائرتين مصريتين محملتين بالأسلحة مؤخرا.

وقامت السفينة المصرية بتفريغ شحنة الأسلحة، وأغلقت قوات الأمن الصومالية رصيف الميناء والطرق المحيطة به يومي الأحد والاثنين، بينما عملت قوافل على نقل الأسلحة إلى مبنى تابع لوزارة الدفاع وقواعد عسكرية قريبة.

إذا اشتبك الصوماليون مع الإثيوبيين فهذا يعني أن المصريين هناك سيكونون في حالة حرب مع إثيوبيا، مع فارق القرب الجغرافي

واستقبل وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر نور السفينة المصرية فور وصولها إلى ميناء مقديشيو، مشيدا بموقف القاهرة الداعم لبلاده، وكتب تغريدة حذّر فيها إثيوبيا من دون أن يشير إليها، قائلا “لقد تجاوز الصومال مرحلة الإملاء عليه وينتظر تأكيد الآخرين على من سيتعامل معه.. نحن نعرف مصالحنا، وسوف نختار بين حلفائنا وأعدائنا.. شكرا مصر”.

وتساءل مراقبون عن الهدف من تصميم مصر على تزويد الصومال بأسلحة للمرة الثانية في غضون فترة وجيزة، وما يمكن أن يحدثه ذلك من توترات في المنطقة، وصدام مع إثيوبيا التي تتعامل مع التصرفات المصرية باعتبارها موجهة إليها وأنها تصفية حسابات بسبب موقفها من بناء وتشغيل سد النهضة دون اتفاق مع مصر.

ويحذر المراقبون من إمكانية أن يورط هذا السلوك مصر في حرب على بعد مئات الأميال من أراضيها، لافتين إلى أن تجربتها السابقة في اليمن بدأت بإرسال كتيبة عسكرية وشحنة أسلحة ثم اكتشفت أنها دخلت مستنقعا كلفها خسائر باهظة، ولعب دورا كبيرا في انكسارها أمام إسرائيل في حرب يونيو 1967.

وقال الخبير الإستراتيجي ومدير جهاز الشؤون المعنوية بالجيش المصري سابقا اللواء سمير فرج إن مصر “متمسكة بدعم القوات المسلحة الصومالية، تنظيما وتسليحا وتدريبا، لأنها تحصّن أمنها القومي من خلال دولة مطلة على خليج عدن وقريبة من مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر، وله أهمية حيوية لقناة السويس”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر “لا تبعث برسائل إلى أحد ولا تهدد أحدا، ولن تدخل في مواجهة أو صدام مع دولة أخرى نيابة عن آخرين، ولن تسمح لجماعات إرهابية بأن تهدد الأمن القومي لدولة بينها وبين القاهرة بروتوكول عسكري، ولذلك تتمسك مصر بتحقيق التأمين التام لدولة الصومال في حدودها مهما بلغ الأمر”.

المراقبون يحذرون من إمكانية أن يورط هذا السلوك مصر في حرب على بعد مئات الأميال من أراضيها

وأوضح أن القاهرة لا تبدي اهتماما بما يثار حول نوايا خبيثة من وراء دعمها العسكري للصومال، لأن الأمر برمته يتعلق بالأمنين القومييْن المصري والصومالي، “وهناك إصرار على مساعدة الجيش الصومالي بمده بكل ما يحتاجه من معدات تدعم قدرته القتالية، والجميع يعرف جيدا قوة وإمكانيات القوات المسلحة المصرية عندما تدعم، وخبرتها في مكافحة الإرهاب، ومن ثم ستساعد الصومال على دحر جماعة الشباب الإرهابية المتطرفة هناك”.

وتطورت العلاقات بين القاهرة ومقديشو على خلفية موقفهما المشترك من أديس أبابا، ما دفع الأولى إلى توقيع بروتوكول للتعاون العسكري مع الصومال، وإرسال طائرات محملة بالأسلحة إلى مطار مقديشو، وهو ما فهم أنه تعبير مباشر عن رفضهما توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال، تحصل بموجبها أديس أبابا على قاعدة بحرية وتسهيلات لوجستية في جنوب البحر الأحمر، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال الإقليم.

المصريون ينظرون إلى إرسال أعداد من جنودهم وأسلحة إلى مقديشو على أنه بمثابة جولة استطلاعية لن تترتب عليها نتائج تزعجهم

ووصلت العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا إلى طريق مسدود بسبب الخلاف بينهما على قيام الثانية ببناء سد النهضة على نهر النيل لتوليد الطاقة الكهرومائية، من دون اتفاق ملزم مع دولتي المصب (مصر والسودان) حول البناء وطرق التشغيل، وهو ما رأت فيه القاهرة ضررا بحصتها التاريخية من مياه النيل.

ويوجد نحو ثلاثة آلاف جندي إثيوبي في الصومال، ضمن بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي التي تقاتل حركة الشباب المتطرفة، ويتراوح عدد القوات الإثيوبية المنتشرة في مناطق أخرى بالصومال بين خمسة وسبعة آلاف بموجب اتفاق ثنائي.

وطالبت مقديشو بمغادرة القوات الإثيوبية بحلول نهاية العام ما لم تلغ أديس أبابا الاتفاق مع إقليم أرض الصومال، بينما قبلت مصر بإرسال نحو عشرة آلاف جندي، نصفهم لتدريب قوات الجيش والأمن الصومالية، والنصف الآخر سوف ينخرط في مهمة قوات حفظ السلام الأفريقية الجديدة التي ستبدأ مهمتها خلال بداية العام المقبل.

وذكرت الحكومة الإثيوبية في وقت سابق أنها لا تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي بينما تتخذ “جهات فاعلة أخرى”، في إشارة إلى مصر، تدابير لزعزعة استقرار المنطقة، وتوعد رئيسها آبي أحمد بأن بلاده “تذل” أي دولة تهدد سيادتها.

والأحد طلبت السفارة المصرية في الصومال، عبر صفحتها بمنصة فيسبوك، من جميع الرعايا المصريين عدم السفر إلى إقليم أرض الصومال بجمهورية الصومال الفيدرالية، “في ظل تأثير عدم استقرار الوضع الأمني في الإقليم على سلامتهم”.

وجاء هذا القرار بعد مرور أيام على اتخاذ حكومة إقليم أرض الصومال قرار إغلاق المكتبة المصرية في أراضيها، مطالبة موظفيها العاملين فيها مغادرة البلاد، وأرجعت ذلك إلى دواع أمنية.

وأشار وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، في اجتماعه مع المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايك هامر في واشنطن مؤخرا، إلى حرص بلاده على تحقيق الاستقرار في الصومال من خلال دعم مؤسسات الدولة المركزية وتعزيز احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه ومساندة جهود الحكومة الرامية إلى تحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب وتأكيد سيادة الدولة على كل أراضيها.

والجمعة أدانت وزارة الخارجية الصومالية إرسال شحنة من الأسلحة والذخيرة عبر الأراضي الإثيوبية إلى إقليم أرض الصومال، واعتبرتها “تصرفا غير قانوني، وانتهاكا خطيرا لسيادة مقديشو”، معبرة عن قلقها من “تصرفات إثيوبيا وتدخلاتها السافرة”.

العرب

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *