اخبار السودان

ما يطلبه إسلاميو السياسة

خالد فضل

أقرأ بعض ما ينشره أساتذة لنا أجلاء وزملاء (مع حفظ حق نون النسوة) من منسوبي تنظيم الإسلام السياسي المعروف (المؤتمر الوطني) ؛ والوضعية القانونية له (المحظور) على الأقل نصّت بذلك وثائق الفترة الإنتقالية التي أعقبت إسقاط نظام المؤتمر الوطني بثورة شعبية عارمة ؛ قد يسميها بعضهم (مصنوعة) أو (صبيانية) أو (خيانة) من صلاح قوش , وكل هذه الصفات مقبولة منهم بشرط وحيد أن يوضحوا لقارئ بسيط مثلي ما يدعوهم لوصف الثورة بهذه الصفات غير اللائقة في تقديري , تطرأ على ذهني بعض الشواهد التي تجعلني غير مقتنع بصفاتهم تلك , مثلا ؛ انطلقت المظاهرات الطلابية في مدينة الدمازين ومايرنو , وعطبرة , ثم الخرطوم ؛ احتجاجا على صعوبات وجودية واجهت كل المواطنين , وفي معظم أنحاء السودان , منها شح الوقود , ونفص الخبز , وإنعدام النقود , وما ترتب على ذلك من معاناة حقيقية وليست مصنوعة , فهل ثورة الناس من أجل تأمين أسباب حياتهم وضرورياتها يعتبر عبثا وصبينة , ما الذي يطرحه هولاء السادة/ات ويطلبونه في هذه الحالة من الشعب؟ أن يحتسب معاناته في سبيل الله , ويخرج بالملايين هاتفا بحياة تجار الدين والبنزين مجمعا رؤيته على تأييد وتشجيع الرئيس البشير الذي يتلقى الهدايا من ملوك السعودية شوية دولارات , يرسل مدير مكتبه لبيعها في السوق _الموازي_ ومن فروقات الأسعار يمنح صاحب قناة طيبة الطيبة ما كفله له شرع الله من أموال (الفيئ) ! وهو ما تم كشفه بوساطة مدير المكتب نفسه في المحكمة التي انعقدت في ظل الفترة (الصبيانية) كما يزعمون .
أخطاء ممارسة بعض شؤون الحكم من جانب أفراد من تحالف إعلان قوى الحرية والتغيير (ق. ح. ت) أمر لا خلاف عليه , الخلاف فقط في أنّ الأخطاء في عهد حريات عامة , وانتقال نحو الديمقراطية , مما يمكن ويسهل كشفه ومعالجته والضغط من أجل اصلاحه بمختلف الوسائل السلمية التي ليس من ضمنها بالطبع التحريض على العنف أو إشهار (الرجالة) ! وكأن الحياة العامة عراك بين صبيان في حلة أمقوجة . ولجنة إزالة التمكين التي نالت حوالي 90%من غضب إسلاميئ السلطة , ومشايعيهم من أصحاب المصلحة في استمرار التمكين ؛ هذه اللجنة كشفت عن أوجه فساد ما كان لها أن تكشف مثال بسيط حكاية (الحساب التجميعي) أرجو من أحدهم أن يكتب لنا حقيقة ذلك الحساب ؟ مثال آخر كشوفات عناصر جهاز الأمن في السلطة القضائية والنيابة العامة والخارجية؟ تفاصيل ما حدث في سودانير والنقل النهري , هذه رؤوس موضوعات فقط مما كشفته هذه اللجنة ؛ صحيح قد تكون هناك بعض التجاوزات , وأخذ بعض الناس بشبهات لم تصمد طويلا .. إلخ , وكما أسلفت عمل أجهزة كل الفترة الإنتقالية يتم أغلبه تحت الضوء , ومواقع العتمة مما كان يمكن كشفه بتواتر واستمرارية الثورة , ولكن لم أجد من بين الزملاء والأساتذة من يحدث الناس عمّا جرى عقب إنقلاب 25 أكتوبر2021م , وبحساب السنوات فإن (ق. ح. ت) قد شكلت السلطة منفردة في الفترة من سبتمبر 2019م _ أكتوبر 2020م أي 13شهرا , ثم الفترة من أكتوبر 2020م _ أكتوبر 2021م تشكلت السلطة إئتلافية مع قوى ما عرف بسلام جوبا . أي 12شهرا إضافية , الفترة التي أقصيت فيها (ق. ح.ت) حتى الآن أكتوبر2021م _ سبتمبر 2024م تبلغ 35 شهرا أي أكثر من فترة سلطتها منفردة أو مشتركة مع (حركات عقار ومناوي وجبريل) بنحو 10شهور على الأقل , لا أجد في كتابات أعزائنا الإسلاميين شيئا عنها , فهل توقفت مسيرة الحياة السياسية في السودان خلال هذه الفترة ولم يبق سوى نبش تاريخ (قحت) قبل 35 شهرا من الآن ؟وهل ما حدث خلال الفترة عقب الإنقلاب مسؤولية (قحت وتقدم) , ما حكاية قائمة الألف وظيفة (1000) التي تسلمها البرهان/حميدتي فور تنفيذ إنقلابهما ؟ وهل لتلك القوائم علاقة بالقرارات التي أصدرها قاض محدد يدعى (أبوسبحة) , ومن هم الذين حلوا محل الموظفين الذين أقصاهم البرهان ؟ كفاءات وطنية نزيهة ومستقلة مش كده!! يا جماعة الخير حكاية النعامة لا تنفع , لأن جسدها كله مكشوف يراه الناس أو حيوانات الغابة هي وحدها من يتوهم بأنها (مستورة) لأنها لا ترى ما يراه الآخرون فرأسها مغطى في الرمال .
قرأت ذات مرّة كلمة مميزة للزميلة _ الكاتبة الصحفية _ سناء حمد ؛ تزاملنا في صفحة الرأي في جريدة الصحافة في فترة أساتذتي عادل الباز والنور أحمد النور في العشر الأوائل من هذا القرن إن لم تخني الذاكرة , ومما ورد فيها (دعونا نفهم بوضوح ونتقبل بوعي أنه انطوت صفحة من كتاب الإسلاميين السياسي , ومرحلة من مراحلهم السياسية . نقطة سطر جديد , ابدأوا صفحة جديدة فيها اعتبار من الأخطاء , ودروس من المسيرة ولتكن أول جملتين فيها :
1/أننا تيار إسلامي معتدل صاحب فكرة وتقدير سياسي وقضية نؤمن بها ونبذل في سبيلها الغالي والنفيس , (ولا نلزم بها غيرنا) و(لا نفرض قناعاتنا وتقديراتنا على الآخرين)
2/الإنتماء لهذا الوطن مقدم عندنا على أي انتماء وسنعمل مع الآخرين على بنائه والحفاظ عليه آمنا مستقلا مستقرا .
3/هناك حاجة ملحة للتسامي فوق (التلاؤم) و(التلاوم) , فمن الأهمية بمكان الاعتراف بالأخطاء , وجوانب القصور , ليس بغرض تجريم البعض ولا التنصل من المسؤوليات لكن لنرفع هاديات مضيئة في طريق المستقبل تبدأ بتجنب مواقع الزلل والاخفاق ولتعزيز نقاط القوة وتطويرها .
إنّ الذين شاركوا في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الحكم وأنهت مرحلة الإنقاذ كانوا من كل الفئات وفيهم نسبة كبيرة من أبناء الإسلاميين وأهاليهم , وبينهم شباب وطني غير منتمي سياسيا أغضبته أخطاء الحكومة السابقة وانضجته في ذات الوقت , لم يخرج ضد الإسلام ولا الافكار المستمدة من الدين لكنه خرج ضد (فساد) (سياسي) و (مهني) و(إداري) وأخطاء قاتلة في إدارة الدولة , هولاء يستحقون الإحترام وأن يفسح لهم وهم يملكون من القدرات والحماس ما سيجعلهم ينظمون أنفسهم في كيانات ولن يكونوا أقل منا حرصا على الإسلام والوطن .
إنّ كل تغيير في بداياته يصحبه عنف وضحايا وكل نظام في بداياته حماس طاغ لتأمين نفسه ومكتسباته ستكونون النسبة الغالبة من هولاء الضحايا , أنا لا أبحث عن أعذار لما تمّ أو ما سيتم ولكن بالنظر إلى التجارب البشرية وإلى تجربة الإسلاميين أنفسهم , أتفهم ما حدث وما سيحدث , وأن تتفهم أمرا لا يعني أن تتقبله , التحدي الحقيقي أن يكون للإسلاميين دور إيجابي في عبور الوطن لهذه المرحلة الحرجة من تاريخه والإسهام مع الآخرين على ألا تنزلق البلاد إلى مرحلة الفوضى) وأقواس التنصيص من عندي . كان هذا مجتزأ طويل من مقالها المنشور في شهر يوليو 2024م , لتعود في أقل من شهر على كتابتها المائزة تلك , وفي مطلع أغسطس لتكتب في منشور على الوسائط : (بثورة صبيانية غير محسوبة النتائج لا دافع لها سوى التشفي والعمالة تم استدراج شعبنا ليثور محاولا قطع الشجرة التي أظلته وأطعمته حتى أشتد عوده , ولكنه أدرك بعد ذلك أن محاولة إزاحة المؤتمر الوطني المتجذر ليس في الحياة السياسية للشعب السوداني فحسب , بل في وجدانه أيضا , هي خسارة دفع ثمنها ذات الشعب , وحقا في الليلة الظلماء يفتقد البدر , ولكن للبدر أيام يغيب فيها ثم يهل ليذيق الناس ظلمات غيابه , وكل ذلك تدبير من الله تحقيقا لسنته الكونية , ولكن سنعود سنعود وسيقول الناس العود أحمد) .
صراحة احترت في أيهما سناء حمد التي يمكن مناقشتها , الحوار معها , الوصول معها لقواسم مشتركة , لتجنيب بلادنا الإنزلاق لمرحلة الفوضى , وحتما سيحتار كل من يبادر أو يقترح ضرورة إجراء حوار سوداني معمق لا يستثني أحدا , إذ كيف يتم الحوار مع من يقول شيئا اليوم ثم ينكص عن قوله غدا , اللهم إلا أن يكون (حوار الوثبة) . واتصور أن كل من يقرأ القولين لتلك السيدة القيادية سيكتشف دون مشقة النتيجة الصفرية لحاصل جمعهما فالأنتفاضة التي شارك فيها كل فئات الشعب بمن فيهم أبناء الإسلاميين وأهاليهم ضد الفساد بمختلف ضروبه , هي نفسها تساوي ثورة صبيانية لا دافع لها سوى التشفي والعمالة !!! وعلى ذلك قس . واسلاميو السياسة في أشخاصهم محل محبتنا أما في فكرهم وسلوكهم فمحل نقدنا , هذا مما قدّم به الأستاذ محمود محمد طه وحدد فيه د. الترابي في نقده وتفنيده لأطروحاته . ذلك النقد والتفنيد الذي قاده لحبل المشنقة في 18 يناير 1985م بساحة السجن العمومي في كوبر وسط ترحيب وتهليل وتكبير الإسلاميين أنفسهم أي الأقمار التي افتقدها الشعب السوداني في الليلة الظلماء !!! .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *