ظاهرة انتشار التفاهة والتافهين على وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية مواجهتها
انتشرت، في السنوات الأخيرة، على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة ما يعرف بـ«البوز” أو الشهرة الاجتماعية؛ وهي عبارة عن التفاهة التي يسوّقها أشخاص تحت مسميات مختلفة (بلوقر، يوتيوبر، فاشينستا، مؤثرة… وما إلى ذلك من الألقاب) ونشرهم محتويات غير لائقة اجتماعيا، وقد تتضمن مدلولات أو كلمات أو صور أو فيديوهات لا أخلاقية، يدخلون في سباق الأرقام لصناعة التفاهة ونشرها في المجتمع، حتى أصبحت هذه الظاهرة حالة مرضية تهدد كيان المجتمع وقيمه وأخلاقه.
لقد صار لدينا صُنّاع للتفاهة بامتياز أصبحوا سلعا رائجة، نوعية من الناس من طراز رديء يستخفون بعقول الناس، يصنعون التفاهات ويروّجون لها، إذ يقول الكاتب النمساوي (كارل كراوس): “هوت شمس الثقافة أرضا حتى أصبح الأقزام أنفسهم يظهرون بمظهر العمالقة”.
إن “التفاهة” أصبحت ظاهرة خطيرة جدا، وأصبحت بضاعة رائجة عبر وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية كلها، عبر “اليوتيوب” و«الواتساب” و«التيك توك” و«تويتر”، ولا بد من الانتباه إلى خطورتها، وإلى تأثيرها وآثارها لا على الأطفال والشباب فقط، بل على المجتمع ككل، فلابد من الانتباه إلى آثارها للحيلولة دون المزيد من انتشارها وتحفيز المشرعين والمربين على مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تسيء إلى الإنسان والمجتمع، وإلى كل ما يمت إلى الأخلاق وقيم المجتمع الذي علينا أن نحميه من هذه الظاهرة الخطيرة.
إن طوفان التفاهة يعبّر عن ظاهرة عالمية منتشرة في بقاع الأرض وتعاني منها مختلف المجتمعات العربية والغربية، وأصبحت التفاهة وأهلها محاربا شرسا ينهش بمقوّمات المجتمع، يقتل الفكر والإبداع وينشر الخمول والكسل، ويؤثر على العلاقات الأسرية ويفتك بها، وينشر الشائعات ويظلل الرأي العام، وينتهك الخصوصية بدافع كسب المال، من خلال الجماهيرية والشهرة، بل ويؤدي إلى بزوغ عادات سلبية دخيلة، تمس ثقافة المجتمع وزيادة الرغبة في الانعزال والإحساس بالفراغ العاطفي، وهذه تسهم في تفكك الأسرة والمجتمع. ويرى باحثون أن الهدف من تعميم ونشر “التفاهة” في المجتمع هو شغل الرأي العام عن القضايا الأساسية، وإلغاء آلية التفكير لديهم أو إبعادهم عن متابعة قضايا معيّنة.
من الضروري على الصالحين والمصلحين عدم ترك الساحة الافتراضية للمؤثرين السطحيين، والتصدي لهم بالشكل والأسلوب الذي يتلاءم مع تلك المنصات، فما نفع علم كبير نختزنه وفكر عظيم نمتلكه، إن لم نكن قادرين على تقديمه وإيصاله بالطريقة التي تفهمها أغلبية الناس والأجيال الشابة؟
إن المسؤولية لمعالجة إشكالية التفاهة وآثارها السلبية على المجتمع والرأي العام، تقع على وزارات الثقافة والاتصال والبرلمان، والمشرع الذي عليه أن يضع قوانين وتشريعات يمكن أن تساعد في التخفيف من هذه الآفة، ولا بد له أن يتدخل في مثل هذه الظواهر لكي يوقف هذا النزيف وهذا الانتشار الخطير جدا لهذه المواقع والمحتويات التافهة التي تخرّب الأخلاق وتدمّر القيم والعلاقات الاجتماعية، وتسيء إلى المجتمع وتعطي صورة مشوّهة وتافهة على المجتمع الذي نعيش فيه.
إن مواجهة التفاهة تتم من خلال إطار ثقافي شامل، يقوم على إحياء الثقافة المحلية وإبراز قيمها ومعانيها، وتفعيلها إجرائيا بما ينعكس على الفكر والسلوك داخل المجتمع، مع ضرورة مراقبة الأسرة للمضامين الثقافية التي يتعرّض لها الأبناء، من خلال شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، والتأكيد على دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، ذلك الدور الذي بدأ في التراجع لصالح وسائل التواصل الاجتماعي.
نحن، نظريا وعمليا، نعيش عصر التفاهة أو عصر الرويبضة الذي حذرنا منه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وأهمية التنبه له حين نبدأ نراه ونعايش رموزه، كما قال عليه الصلاة والسلام: “سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يُصدق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة”. قيل: وما الرويبضة؟ قال: “الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”.. ألم تخرج آلاف الرويبضات تتحدث في السياسة والاقتصاد والدين والثقافة والفكر، وغير ذلك من مجالات الحياة المتنوعة، بلا علم ولا فكر ولا قيم أو أخلاق؟ هذا هو، فعلا، عصر الرويبضات أو عصر التفاهة بلغة العصر. فماذا نحن فاعلون لمواجهة ظاهرة شهرة الحمقى، وكما يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أميتوا الباطل بالسكوت عنه”؛ ونحن كمستخدمين للمواقع الاجتماعية، علينا تجاهل هؤلاء لكيلا يزداد حجمهم؛ فخطورتهم أصبحت في أنهم أصبحوا قدوة للأجيال المقبلة؛ وكانت أكبر حملة مواجهة للقضاء على الظاهرة في الغرب، بإطلاق حملة “لا تجعلوا من الحمقى مشاهير”.