اخبار المغرب

باحث يستحضر تاريخ “موسم الخطوبة”

في قلب جبال الأطلس، حيث تلتقي السماء بالأرض في منظر خلاب، تقبع منطقة إملشيل على ارتفاع 2160 مترا فوق سطح البحر، وهي موطن لأمازيغ آيت احديدو، الذين يحملون في ثنايا تاريخهم وعاداتهم إرثا ثقافيا غنيا، منذ القرن السابع عشر، وفق الروايات التاريخية.

وكشفت هذه الروايات التاريخية أن هذه القبيلة، التي تشتهر برعاية المواشي وتنقلاتها، استقرت لتصبح من أعرق القبائل الأمازيغية في المغرب. وفي شهر شتنبر من كل عام تتحول ساحة ضريح سيدي أحمد أولمغني إلى مسرح لأحد أهم الأحداث الاجتماعية والثقافية والروحية في المنطقة.

ويعتبر موسم سيدي أحمد أولمغني فرصة للشباب والشابات لعقد القران، وتنظيم أنشطة موازية، من فقرات فلكلورية محلية شعبية مصحوبة بالرقص والغناء والأنشطة التجارية، معلنة بداية جديدة للعديد من الأزواج في إطار تقليدي يحتفي بالماضي ويتطلع إلى المستقبل.

وعلاقة بالموضوع أكد عبد الواحد فينيك، أستاذ باحث في الجغرافيا، أن المراجع التاريخية التي تحدثت عن القبيلة تشير إلى أنها فرع من فروع قبائل صنهاجة الكبرى، وتضم مجموعة من الفروع التي انطلقت من منطقة أدار إلى شنقيط (موريتانيا حاليا)، وهي قبائل تعتمد على الترحال، وانطلقت في فترات تاريخية قديمة.

وكشف الباحث ذاته أن “موسم سيدي أحمد أولمغني ارتبط بأحد الشرفاء (أكرام) الذين استقروا في المنطقة، وكانت الغاية منه تفادي عناء التنقل ومصاريف الزواج وعقد القران بين أبناء المنطقة، لذلك يتم الزواج الجماعي خلال نهاية الموسم الفلاحي (شهر شتنبر)”، وفق تعبيره.

وأكد الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن موسم سيدي أحمد أولمغني يسمى أيضا “سوق عام”، “لأنه يجمع عددا من القبائل في المنطقة كل عام، وهو موسم للتبادل التجاري بين الرحل وسكان الجبال والفلاحين المستقرين في هذه المناطق”، مؤكدا أن “استقطاب الموسم يصل إلى سهول تادلة وأطلس بني ملال ونحو الجنوب الشرقي (واحات فركلة وتودغى)”، ومشيرا إلى أن “كل هذه القبائل كانت تصعد إلى إملشيل وتستغل الفرصة للتبادل التجاري وبيع المواشي والتزود بالتمر من الجنوب الشرقي والحبوب والشعير والأعلاف الآتية من سهل تادلة”.

وأكد عبد الواحد فينيك، الأستاذ الباحث في الجغرافيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن “موسم سيدي أحمد أولمغني تحول من موسم عقد قران إلى موسم تجاري، نتيجة مجموعة من العوامل، أهمها العوامل التجارية والاقتصادية والتبادل التجاري بين القبائل المحيطة بالمنطقة؛ كما أصبح أيضا موسما للتعارف وتبادل الأخبار بين القبائل، وخاصة قبائل صنهاجة”.

وأوضح المتحدث نفسه أن وزارة السياحة تدخلت خلال سبعينيات القرن الماضي من أجل جعل هذا الموسم موسم الخطوبة، وربطه بأسطورة “إسلي وتسليت”، مردفا: “إلا أن التسميات محليا لا تقول ‘إزلي وتزليت’، لأن البحيرة والبحيرات بصفة عامة في مناطق آيت حديدو تسمى إزلان وليس إسلان، وإسلان تعني العرسان”.

وكشف الأستاذ الباحث ذاته أن “بعض المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن النساء يعرضن في موسم إملشيل”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر مغلوط ولا يمت للواقع بصلة”، ومضيفا أن “ما يتم ترويجه لا يستقيم على أي أساس علمي أو اجتماعي، والدليل أن هذا الزواج مقتصر على قبائل آيت إبراهيم وآيت عزا وآيت عمر”.

وأضاف فينيك أن “الخطوبة والتعارف يكون قبل الموسم، وما يجمع العرسان في هذه المناسبة هو عقد القران أو ما يصطلح عليه محليا بـ’أزمم’”، مؤكدا أن “النساء لسن سلعة معروضة للبيع والمقايضة في هذا الموسم، بل العكس، إذ يتم تزويجهن بطريقة شرعية من أجل تكوين أسرة”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *