معارك الفاشر.. مصير مجهول لعاصمة إقليم دارفور في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية
أكثر من 100 معركة بين الجيش والقوات المشتركة من جانب وقوات الدعم السريع من جانب في الفاشر عاصمة إقليم دارفور آخر معاقل الجيش في الإقليم الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع منذ اشهر.
تقرير: التغيير
قوات الدعم السريع تفرض حصارا منذ أشهر علي مدينة الفاشر ذات الأهمية الاستراتيجية فهي العاصمة التاريخية لإقليم دارفور، وتمثل السيطرة عليها مفتاحا للسيطرة على كامل الإقليم المكوّن من 5 ولايات، كما أنها حدودية مع دولة ليبيا وتشاد وايضا مجاورة للولاية الشمالية وولايات كردفان.
حوالي 700 ألف مواطن يعانون من أوضاع إنسانية صعبة وخطيرة في مدينة الفاشر المحاصرة والتي ظلت تعاني من تبعات القتال بين الجيش السوداني والقوات المشتركة في مواجهة الدعم السريع، حيث اشتعلت المعارك منذ 8 اشهر عقب تخلي القوة المشتركة لحركات السلام (مناوي وجبريل) عن حيادها في العاشر من مايو الماضي، وتحالفها مع الجيش ضد “الدعم السريع”، حيث وصل عدد المعارك لحوالي 135 معركة حتى كتابة التقرير.
تحدي
مستشار قائد قوات الدعم السريع أيوب عثمان، أكد عزمهم على المضي قدما في تحرير الفاشر من قبضة “فلول النظام البائد” وأنهم لن يستمعوا إلى أي أصوات مخذلة وقال: “اذا كان المجتمع الدولي جادا في ايقاف الحرب عليه أن يطالب الجيش الإرهابي بإيقاف استهداف المدنيين بواسطة الطيران الحربي”.
واكد عثمان أن سقوط الفاشر مسالة زمن فقط مشيرا إلى انهم يتقدمون في كل المحاور بالمدينة واضاف: “نطمئن المواطنين بأنهم سيكونون في ايادي أمينة”، مشيرا إلى أن قوات الدعم السريع سبق وان طرحت العديد من الحلول لتفادي الحرب من ضمنها تفريغ المنطقة من الوجود العسكري إلا أن خروج الحركات من الحياد تسبب في القتال، مبينا انهم رسل سلام ولكن الكيزان ومن شايعهم لا يريدون سلاما للسودان.
من جانبه وصف المتحدث باسم القوة المشتركة للحركات المسلحة الرائد أحمد حسين، القتال الذي يدور في الفاشر بأنه “معركة الحفاظ على الدولة والإبقاء عليها موحدة، وإفشال مخططات التقسيم”.
وقال حسين في تصريحات صحفية إن قواتهم تبسط سيطرتها على المدينة، وإن الدعم السريع يتقدم فقط في “مواقع التواصل الاجتماعي”، مؤكدا تدمير القوة الصلبة، للدعم السريع الذي يتواجد في أطراف المدينة لأغراض النهب والسرقة فقط.
اجراءات فورية
الأمم المتحدة، اعربت عن قلقها إزاء تقلص المساحة المدنية، والهجمات بدوافع عرقية وخطاب الكراهية، واستخدام العنف الجنسي كسلاح في الحرب، داعية إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف القتال في الفاشر.
كما حذرت الولايات المتحدة من أن التاريخ يعيد نفسه في دارفور، حيث أن الملايين في الفاشر يعيشون تحت حصار لا هوادة فيه، ويواجهون صعوبات وعنفاً لا يطاق.
المحلل الاستراتيجي عمر عبد الموجود قال لـ (التغيير)، نتيجة معارك الفاشر ربما ستحدد مستقبل السودان السياسي والأمني الدعم السريع الذي يخطط للضغط علي الحكومة في بورتسودان بالسيطرة علي الفاشر وبالتالي ضمان امداد وعتاد عسكري وبشري متواصل من الخارج دون عوائق.
واضاف عبد الموجود، بأنه اذا سيطر الدعم السريع علي الفاشر ربما يتم الإعلان عن حكومة في الإقليم علي قرار ما حدث في ليبيا، ولكن شخصيا استبعد جنوح الدعم السريع للانفصال قائلا: “في اعتقادي تكوين دولة مستقلة في دارفور أمر صعب شديد فهي لا تملك المقومات لذلك كما أن التنوع الاثني والخلافات بين مكونات أبناء الاقليم ستشكل حاجز وعقبة أمام هذا الامر في المستقبل لكن عسكريا سيتمكن الدعم السريع من بناء قواته من جديد واقامة مطارات ومهابط للإمداد ايضا سيتمكن من السيطرة علي طريق الكفرة الذي يربط السودان وليبيا وهو معبر اقتصادي مهم جدا وشريان حياة لدارفور.
واقع جديد
حاكم إقليم دارفور رئيس حركة “جيش تحرير السودان” مني أركو مناوي، سبق وأن اتهم قوات الدعم السريع وبعض الدول لم يسمها، بمواصلة سعيها إلى ما وصفه بـ “استلام دارفور”، مشيرا إلى ان قوات الدعم السريع تتمادى في توسيع دائرة سيطرتها لترسيم دولة جديدة غرب السودان، تحظى بالاعتراف الصامت كما خُطط لهم.
فيما أشار عبد الموجود، إلى ان سيطرة الدعم السريع علي شمال دارفور تعني ايضا امكانية التقدم للولاية الشمالية ونهر النيل وبالتالي خنق الجيش الذي سيجد نفسة يسطر علي ولايات الشرق فقط.
وأضاف: “لكن هذا الامر سابق لا وانه في ظل صمود المدينة التاريخي رغم الحصار المحكم الذي يشابه ما حدث في الحرب العالمية الثانية معركة ستالينغراد الاتحاد السوفيتي والتي كانت محاصرة من قبل الالمان لا شهر لكنها صمدت”.
ويقول عبد الموجود، في المقابل اذا استطاع الجيش والحركات المسلحة “المشتركة” من الصمود وتحقيق انتصار عسكري في الفاشر سيكون ذلك بمثابة نصر حاسم ربما يكسر شوكة الدعم السريع في دارفور وبالتالي ايقاف الدعم العسكري وتدفق المقاتلين من دارفور إلى بقية الولايات وسيزحف الجيش لبقية ولايات دارفور ويفك الحصار ايضا عن شمال كردفان.
تهجير وانتهاكات
يصف الناشط المقيم في الفاشر الطاهر بابكر، ما يحدث في المنطقة بأنه أمر مؤلم جداً، ويقول: “مليشيا الجنجويد تواصل التدوين العشوائي بالمدفعية الثقيلة على أحياء المدنيين بصورة مستمرة تُريد ان تُهجر المواطنيين من بيوتهم وديارهم حتي تقتحم الأحياء وتحول الحرب إلى حرب مُدن كاملة لتنتهك الفاشر مثلما انتهكت قُري الجزيرة حينما ارتكبت مجازر في قُري متعددة”.
وأعتبر بابكر، أن المدينة في وضع حصار محكم لدرجة انعدام بعض السلع وحتي الاوراق المالية وأن هنالك من يتناول وجبة واحدة في اليوم. وأن المستشفيات خرجت من الخدمة حيث كان هنالك مستشفي واحد مخصص للحالات النسائية وهو “المستشفى السعودي” فقط لكنه اصبح الان يستقبل كافة المرضي رغم الظروف الصعبة.
وأشار إلى ان الفاشر لن تسقط لأنه يحرسها المواطنين قبل الجيش والحركات وهي مدينة استراتيجية وسقوطها يعني انفصال دارفور لكن صمود أهل المدينة سيستمر حتي تحقيق النصر.
واضاف: “المليشيا تضرب المستشفيات والاسواق ومناطق الكهرباء وغيرها من المرافق الخدمية توطيد لفكرة النزوح لا ننكر ان الطيران ايضا يضرب لكنه بالخطأ، ولا يمكن مقارنة انتهاكات الجيش بهؤلاء القتله الذين يخططون بعد الاستيلاء عليها لتوطين سكان جدد من عرب ليبيا وتشاد بعد طرد سكانها الاصليين لذلك يقاتل سكان الفاشر في المعركة التي يعتبرونها وجودية قبل كل شيء”.
احتمالات واردة
يقول العقيد المتقاعد الطيب عثمان لـ (التغيير) كل المعطيات تقول إن سقوط الفاشر وارد جدا فالمدينة محاصرة منذ فترة طويلة والإمداد لا يصلها إلا بالإسقاط الجوي والمظلي والجوع يحاصر المواطنين وتوقفت الطوف التجاري منذ أشهر.
في المقابل الدعم السريع يتحرك بحرية في كافة ولايات دارفور والجيش والحركات رغم الانتصارات تتخندق داخل المدينة في وضع الدفاع وهو أمر لن يفك الحصار ولن يجلب النصر الذي يتطلب التحرك إلى الامام في الوقت المناسب.
واضاف: “اذا ظل الجيش والحركات تدافع ستسقط المدينة في أي لحظة مالم يتراجع الدعم السريع عن الهجوم الذي استنزف الكثير من الزاد البشري لقوات الدعم السريع”.
المصدر: صحيفة التغيير