أطهر الطاهر ضحية الانتقادات الإعلامية والجماهيرية
هلال وظلال
عبد المنعم هلال
ـ ما دفعني للكتابة عن أطهر الطاهر الذي غاب عن الأضواء مؤخراً وانطوت صفحته تماماً هو ما حدث في مباراة باريس سان جيرمان وجيرونا في دوري أبطال أوروبا قبل يومين حيث ارتكب حارس جيرونا “غازانيغا” خطأً فادحاً حين مرت الكرة بين قدميه ليهدي باريس سان جيرمان هدف الفوز الوحيد فهذه هي كرة القدم لا تخلو من الأخطاء مهما كانت مهارة اللاعبين أو الحراس وكما يحدث مع العديد من اللاعبين قد يُنسى أطهر بسبب زلة أو تراجع ولكن هذا لا ينفي قيمته أو ما قدمه في مسيرته.
ـ في عالم كرة القدم لا مفر من الأخطاء فهي جزء أساسي من اللعبة وأحياناً تكون لحظات العثرة هي ما يبني لاعبين أفضل وأقوى لكن في السودان ولدى جماهيرنا تحديداً يبدو أن بعض الأخطاء تُعامل كخطايا لا تغتفر وتحكم بالإعدام الكروي على مرتكبيها ، هذا ما حدث مع لاعب الهلال السابق أطهر الطاهر الذي عانى من ردود فعل قاسية بمجرد إضاعته لضربة جزاء في إحدى المباريات المصيرية.
ـ كان أطهر الطاهر نجماً ساطعاً في الهلال يشتهر بقوته وسرعته ومهارته وتقدمه الهجومي من مركزه كظهير أيمن وكانت بدايته مع الفرق السنية لنادي الهلال حتى وصل إلى مرحلة الكابتنية في الفريق الأول ولكن كل تلك السنوات من التألق وكل تلك اللحظات الرائعة التي صنعها للهلال تلاشت فجأة في أذهان بعض الجماهير بعد ضياع ضربة جزاء وكأن كرة القدم لعبة بلا أخطاء ، وكأن اللاعب المثالي هو من لا يخطئ أبدأ.
ـ أطهر الطاهر رغم انه يشغل مركز الظهير إلا أن أهدافه الرائعة كثيراً ما حسمت مواجهات مهمة للهلال دولياً ومحلياً.
ـ في الواقع كانت ضربة الجزاء مجرد لحظة واحدة في مسيرة مليئة بالعطاء لكن ردود الفعل الجماهيرية الحادة دفعت البعض إلى إعدام أطهر الطاهر كروياً وكأن مسيرته انتهت.
ـ بدلاً من دعمه ومساعدته على تجاوز تلك اللحظة الصعبة قوبل اللاعب بسيل من الانتقادات التي شككت في مستواه ومهاراته وجعلته ضحية للتعصب والانفعالات.
ـ قد تكون إضاعة ضربة جزاء محبطة لكن السؤال الأهم هو هل يستحق لاعب مثل أطهر الطاهر هذه العقوبة الجماهيرية..؟ ألا تعد تلك اللحظة فرصة للتعلم والنمو بدلاً من التنكيل والإقصاء ..؟ إن مثل هذه المواقف يجب أن تدفعنا للتفكير في كيفية تعاملنا مع اللاعبين وكيف يمكن أن يؤثر التعصب على تطورهم ومسيرتهم.
ـ في النهاية أطهر الطاهر يبقى أحد أعمدة كرة القدم السودانية وإسهاماته مع الهلال والمنتخب لا يمكن اختزالها في لحظة إضاعة لصربة جزاء.
ـ علينا أن نتعلم كجماهير كيف ندعم اللاعبين في لحظاتهم الصعبة لأن كرة القدم لا تلعب بالقدم فقط بل بالقلب والروح أيضاً.
ـ طريقة تفكيرنا كمجتمع تجاه الأخطاء في السودان كما في كثير من البلدان تتداخل العواطف مع كرة القدم بطريقة تجعل الخطأ الواحد يعد وكأنه خيانة أو فشل ذريع وخاصة في لحظات الحسم لكن الحقيقة التي يجب أن نفهمها هي أن كرة القدم مثل أي مجال آخر مليئة بالأخطاء والتعثرات ولا يوجد لاعب كامل أو خالٍ من العثرات.
ـ إعدام لاعبينا كروياً بسبب أخطاء عابرة يعكس ثقافة تعصب تحتاج إلى إعادة النظر ، إن تحويل لحظة إخفاق إلى قضية جماهيرية كبرى يساهم في تدمير ثقة اللاعب بنفسه ويدفع بالمواهب الشابة إلى الخوف من التجربة أو المحاولة. بدلاً من ذلك يجب علينا أن نتبنى روح الدعم والتشجيع وأن نفهم أن الرياضة تقوم على الانتصار والهزيمة معاً وأن كلاهما جزء من النمو الرياضي والنفسي للاعب.
ـ نتوقف عن إعدام لاعبينا عندما نتمكن من الفصل بين العاطفة والتقييم الواقعي ، عندما ندرك أن كرة القدم لعبة جماعية وأن كل لاعب يسعى لتحقيق الأفضل قد ينجح أحياناً وقد يفشل أحياناً أخرى.
ـ اللاعبون بشر قبل كل شيء وتعرضهم للضغوط المستمرة قد يؤدي إلى نتائج عكسية تضر بالفريق كله.
ـ المجتمعات الرياضية المتقدمة تجاوزت هذه المرحلة عبر بناء ثقافة تقبل الأخطاء كجزء من اللعبة وعملت على تطوير آليات لدعم اللاعبين نفسياً ومعنوياً بعد الإخفاقات ونحن بحاجة إلى التحول إلى هذا النهج حيث ندرك أن لاعبينا ليسوا أدوات للانتصار فحسب بل هم مواهب تحتاج إلى الصقل والدعم وليس إلى النقد والتدمير.
ـ متى نتوقف عن إعدامهم..؟ بالتأكيد حين نبدأ في التعامل معهم كأبطال يتعلمون من أخطائهم وليس كأعداء عند لحظات الإخفاق.
ظل أخير
إذا ما زلّ في يوم فتى
فلا تقسو عليه بلا هدى
فالناس تخطئ في الدروب
وتسعى رغم ألم أو أذى
وكل لاعب في الميدان
له من لحظات الخطأ ما بدا
فاغفر له زلته واعلمْ
أن العثرات درس سيحتذى
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة