محاولات الهجرة الجماعية تسائل السياسات العمومية الموجهة للشباب والأطفال
منذ ما قبل تنفيذ محاولة الهجرة الجماعية يوم 15 شتنبر الجاري بدأ النقاش بخصوص هذا التدفق “غير الطّبيعي” للقاصرين والشباب من مناطق مختلفة نحو الفنيدق لاجتياز الشريط الحدودي الفاصل بين المدينة الشمالية ومدينة سبتة المحتلة، بحيث دفعت فعاليات مدنية كثيرة بأن هذا “الوضع المأساوي هو تحصيل حاصل لغياب حلول حقيقية تستجيب للحاجيات الراهنة للشباب المغربي”.
وقال فاعلون إن “أغاني الألتراس” كانت إشارة قبلية إلى “طبيعة الفعل الاحتجاجي المقبل لشريحة مهمة من الشباب المغربي، لاسيما بعد تصاعُد احتجاجاتهم خلال الوسائط الرقمية ضدّ أوضاعهم الاجتماعية، ومطالبتهم بتوفير بدائل اقتصادية وتنموية تخلصهم من البطالة والهشاشة الاجتماعية وانحسار الأفق”، وهو ما عده أحد المتحدثين لهسبريس “نتيجة حتميّة” لما اعتبره “إقباراً” للإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب.
“رومانسية الهجرة”
عبد الواحد زيات، رئيس الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، قال إن واقعة “الهروب الكبير” صارت “تسائل الحكومة بشكل حقيقي بخصوص السياسات الموجهة لفئة الشباب، وذلك بالخصوص بعد إقبار الإستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب، وما ترتب على ذلك من تعميق فقدان الأمل والشعور بالإحباط معنويّا لدى الشباب، وغياب اليقين تجاه المستقبل”، معتبرا أن “هذه الرغبة في الهجرة هي نبتة مغربية خالصة موجودة في جل المناطق الفقيرة حيث ينتفي الأفق والبديل”.
زيات ضمن تصريحه لهسبريس أورد أن “ما جرى هو مجرد تحصيل حاصل مرشّح لأن يتكرر بلا توقّف كلما كانت الفرصة ملائمة”، مبرزاً أن “مؤسسات التنشئة الاجتماعية تبدو محدودة الأثر، ومفعول السياسة العامة غير واضح في حياة هذه الشّرائح الحيويّة والحساسة التي نعوّل عليها للسير بالمغرب وفق الرؤية التي نريد؛ غير أن الحكومات المتتالية تصرّ على أن تحوّل كل هذا إلى مجرد رؤيَا بعيدة عن واقعنا، من خلال جعل الشباب موضوعاً ثانوياً، لا يستطيع أن يضمن المستقبل بالمقومات نفسها التي أتيحت لغيره في أقطار أخرى”.
وسجل المتحدث سالف الذكر أن التصور الشبابي للهجرة “مازال يعتبر أوروبا الأمل والخلاص”، قائلاً إن “تكريس الصورة الحقيقية لليافعين عن الهجرة يقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، ووضع مخطط استعجالي لفائدة شريحة الشّباب، من خلال خلق الطّمأنينة بأن فرص العدل والمساواة متوفّرة محليا دون الحاجة إلى المغامرة وسط البحر للمرور إلى الضفة الأخرى؛ فموضوع المخيمات يحتاج إلى إعادة النظر والرهان أكثر على دورها في التأطير وحماية حقوق الناشئة في مستقبل متوازن”.
“طفولة محاصرة”
عبد العالي الرامي، رئيس “منتدى الطفولة”، أشار إلى أن ما حدث في الفنيدق “يدقّ ناقوس الخطر، ويستعجل وضع تصورات عمومية جديدة تتلاءم مع حاجيات الطفولة في الزمن الحالي، ونبذ الخطابات التيئيسية السائدة في المحيط الأسري والمجتمعي وفي الإعلام؛ وتغليب كفة العدالة المجالية والترابية في مجمل البرامج التربوية والثقافية والترفيهية لضمان انطلاقة موحدة وبالفرص نفسها من أجل أن تكون النتيجة ليست بالضرورة واحدة، ولكن على الأقل سليمة في إعادة توضيب فكرة الطفل المغربي الفقير عن الهجرة”.
وأضاف الرامي، وهو يتحدث لهسبريس، أن “التركيز على المدن الرئيسية أعطى نتائج عكسيّة؛ وهو ما نحتاج اليوم أن ننبه إليه لننطلق بظروف جديدة في سياقات أكثر جدية”، مسجلاً أن “الطّفولة باتت اليوم تتطلّب كل الاهتمام باعتبارها الرأسمال الحقيقي”، وزاد: “الاهتمام ينطلقُ أساساً من إنقاذ كلّ ملامح الطفولة من مخالب الضياع والقضاء على التشرد، وكل الظواهر السلبية التي يمكن أن يُستغلّ فيها الطفل وتؤثر على مساره الطبيعي في الحياة”.
ونبه الفاعل المدني المختص في الطفولة إلى أن “معالجة شؤون الطفولة لا تسمح بعزل الطفل عن محيطه الأسري، ولذلك يحتاج إلى فضاء أسري يؤهّله للانخراط في المجتمع وليس في متاهات تشجّعه على الرمي بنفسه في البحر؛ وذلك من خلال تشييد منشآت في فضاءات القرب لملء الفراغ وتقوية التربية على المواطنة، وتجشيع محاربة الهدر المدرسي وتوسيع إجبارية التعليم، فضلاً عن طرح بدائل مشجعة وإحياء الرياضة المدرسية؛ وهذا يتعين أن يكون شموليا حتى نتجنب ما جرى في الفنيدق”.
المصدر: هسبريس