“فيضانات تمنارت” تستعجل محاصرة البناء في شعاب وأودية الملك العمومي
نبهت فعاليات مهتمّة بمجال الماء إلى أن الفيضانات، التي قضّـت مضجع الجنوب الشرقي قبل أيام قليلة، لم تكُن لتُخلّف هذه الحصيلة البشرية الثقيلة، التي وصلت إلى 18 حالة وفاة و4 مفقودين (وفقا لآخر المعطيات الصادرة عن وزارة الداخلية) لولا الإشكاليات التي يعرفها قطاع التعمير بالمناطق القروية، سّيما استمرار البناء في الشعاب والأودية المندرجة ضمن الملك العمومي المائي، رغم منعه قانونيا بمقتضى القانون رقم 36.15 المتعلّق بالماء.
الفعاليات التي تحدّثت لهسبريس أكدّت أن فيضانات واد تمنارت بدواري واكردة وسموكن التابعين لجماعة تمنارت بإقليم طاطا، تسائل مدى التزام الفاعل العمومي نفسه بهذا المنع، سيّما أن مؤسسات عمومية بدورها مبنيّة على أرض الملك العام المائي، مضيفة أن “مذبحة التغيّرات المناخية التي لا يزال المغرب مهددا بها، استنادا إلى توقّعات خبراء المناخ ومنظمات الرصد الجوّي، تستعجل تشديد المراقبة على احترام هذا المقتضى القانوني، وتنقيل ساكنة الدواوير المستوطنة للأودية ولو كانت جافة إلى مناطق أخرى لتفادي تكرر سيناريو تمنارت”.
جدير بالذكر أنه وفقا لآخر المعطيات المتوفرة للجريدة، فقد سجلت إلى حدود الثلاثاء الماضي 11 حالة وفاة بدواري واكردة وسموكن و3 مفقودين، نتيجة فيضانات واد تمنارت، الذي تقول الساكنة إنه ظلّ جافا سنوات قبل أن تجري به المياه عقب الأمطار الطوفانية الأخيرة.
تشديد المراقبة
شرفات أفيلال، الخبيرة الدولية المختصة في الموارد المائية، أوضحت بداية أن “الشعاب و مجاري المياه والأودية تنتمي إلى الملك العمومي المائي المحصن قانونيا بمقتضى القانون رقم 36.15 المتعلّق بالماء، حيث يمنع استغلاله دون ترخيص أو الترامي عليه أو البناء فيه”. واستغربت من “إقامة دوار أكرض سموكن بأكمله وبمؤسساته عمومية من مسجد ومدرسة على أرض الملك العام المائي”، مشيرة إلى أن ذلك “يسائل مدى احترام هذا المنع وقواعد التعمير في المجال القروي من طرف الفاعل العمومي نفسه”.
ولفتت أفيلال، في تصريح لجريدة هسبريس، إلى أنه “رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها السلطات المركزية والمحلية في الإنذار بخصوص التساقطات المطرية الغزيرة وعمليات التدخل التي قامت بها، لم ينجح المغرب في تفادي حصيلة ثقيلة بسبب وجود المناطق المفجوعة على مستوى الأودية”، مضيفة “ما لم يتمّ استخلاص الدرس من هذه التجربة بتحرير الملك العمومي المائي وتشديد المراقبة بخصوص منح رخص وتصاميم التعمير بالعالم القروي، سيكون المغرب مرشّحا لسيناريوهات مماثلة في ظلّ ارتفاع حدّة التغيرات المناخية”.
وأبرزت الوزيرة السابقة، التي كانت مكلفة بقطاع الماء، أن “أحدث التقارير الدولية بشأن التغيرات المناخية، سيّما التقرير السادس لفريق خبراء المناخ، يحذر من أن أزمة تداعيات التغيّرات المناخية بدأت للتوها في المغرب وعدد من الدول، وأن المناطق المصنفة بنيويا جافة، وضمنها المملكة، مقبلة على ظواهر قصوى في شكل فيضانات فجائية وشديدة مماثلة لتلك التي اجتاحت الجنوب الشرقي مؤخرا نتيجة الكميّة الكبيرة من التساقطات التي عرفتها المنطقة في يوم واحد، والتي تتهاطل في الظروف المناخية العادية في سنة كاملة”.
وتابعت قائلة: “المعطيات المناخية سالفة الذكر تستعجل بناء كل التجهيزات الكفيلة بتجنيب المغرب تداعيات هذه الظواهر القصوى، وينبغي استحضارها على مستوى التخطيط الترابي حتى لا تتكرر فاجعة دوار أكرض سموكن”، داعية مرة أخرى إلى “مزيد من المراقبة والتقنين للتعمير في العالم القروي، وإيجاد حلول لنقل ساكنة الدواوير الواقعة على الأودية والشعاب ولو كانت جافة إلى مناطق أخرى لأن حكمة الأجداد المسنودة بالمعطيات العلمية تقول إن الماء لا ينسى مجراه ولو غاب مئات السنين”.
مسؤولية مشتركة
على النحو ذاته تقريبا سار تدخل مصطفى برامل، الخبير في المناخ ورئيس جمعية “المنارات الإيكولوجية”، الذي أكد أن “فاجعة دوار أكرض سموكن تسائل قيام كلّ المتدخلين في مجال التعمير بتضييق الخناق على عمليّات البناء في الأودية والشعاب الممنوعة بموجب قوانين الماء والتعمير”، مرجحا أن تكون “مختلف المباني الموجودة في الملك العمومي المائي بدوار أكرض سموكن وعموم دواوير تمنارت تنتمي إلى البناء العشوائي وغير حاصلة على رخص البناء”.
برامل توقف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، عند “توقع أغلبية منظمات الرصد الجوي انحسار ظاهرة النينيو المسؤولة عن ارتفاع درجات الحرارة هذا العام، مقابل امتداد ظاهرة النينيا المؤدية إلى انخفاض درجات الحرارة، والمصحوبة غالبا بظواهر مناخية متطرفة، في مقدمتها هطول أمطار طوفانية”، مشيرا إلى أن “المغرب مرشّح، كما العديد من دول العالم، ليكون على موعد مع فيضانات مماثلة لتلك التي شهدها مؤخرا، وقد تعيد جريان عدد من الأودية التي اطمأنت الساكنة إلى جفافها، مما يفرض الاستباق من الآن حتى لا تكرر ظاهرة دوار أكرض سموكن”.
وأكد رئيس جمعية “المنارات الإيكولوجية” بدوره أن “تفاقم حدة التغيّرات المناخية يفرض على وزارة الداخلية والجماعات ووكالات الأحواض المائية ووزارة التجهيز والماء تشديد المراقبة على عمليّات البناء بالشعاب والأودية المائية بصرف النظر عن جفافها من عدمه، وتكثيف حملات تحرير الملك العام المائي بالدواوير على غرار حملات تحرير الملك العام البحري”، مبرزا أن “اللجوء إلى تنقيل ساكنة الدواوير المعنيّة سيواجه صعوبات إيجاد الوعاء العقاري، لكنه يبقى ضروريا لتقليل الكلفة البشرية لتطرّف المناخ مستقبلا”.
المصدر: هسبريس