اخر الاخبار

الفلسطيني النازح في مصر .. لهفة وحنين للوطن وتصميم فولاذي للنهوض من جديد

أمد/ كنت في يوم طويل وشاق منذ بدايته وحتى منتصف الليل برفقة صحفي كندي يدعى “ماثيو ” وهو صحفي في صحيفة كندية شهيرة في كندا تسمى “لادوڤوار” بإقليم الكيبيك الناطق باللغة  الفرنسية بكندا .. وبرفقة صديقتي  مصرية الجنسية الرائعة مريم جوهر التي رافقت “ماثيو ” طيلة هذا اليوم كمترجمة من اللغة العربية للغة الفرنسية والعكس ، والتي عملت طيلة الوقت  كخلية نحل مفعمة النشاط لا تلين لها قناة لنقل الصورة بأدق تفاصيلها لتصل للعالم بحقيقتها الساطعة من خلال  تحقيق صحفي متكامل عن العائلات الفلسطينية النازحة من قطاع غزة إلي مصر هرباً من جحيم العدوان وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي  منذ ما يقارب ال 340 يوماً  على قطاع غزة ، هذا التحقيق الذي تناول هموم ومشاكل النازحين من زوايا عدة والصعوبات التي تواجه ما يقارب 150 ألف فلسطيني نزحوا لمصر هرباً من جحيم الموت أو بسبب ضرورات العلاج للمرضى والإصابات الصعبة الناجمة عن قصف الاحتلال للمدنيين الفلسطينيين ، و عن طلبة فلسطينيين دُمرت جامعاتهم في غزة وواصلوا دراستهم وتعليمهم بحامعاتهم  عبر تقنيات إلكترونية ONLINE , وآخرين إلتحقوا بالجامعات المصرية  واضطروا لدخول تخصصات جديدة بعد إلتحاقهم بالجامعات المصرية والبدء كطالب جديد  ، عن طلاب المدارس ومشاكل إلتحاقهم في المدارس المصرية الخاصة والحكومية ومدارس الأزهر الشريف حسب الحالة الاقتصادية لكل عائلة  وتناول التحقيق أيضاً العائلات الفلسطينية التي تقطّعت بهم السبل في جمهورية مصر العربية بلا معيل لهم ولا مغيث  يستر أحوالهم في شتات الغربة ، و عن رجال أعمال فلسطينيين وتجار دمّرت مشاريعهم التجارية جراء هذه الحرب وباتت أثراً بعد عين وخسروا كل شيء ، وبدأوا يحاولون النهوض من جديد بفتح  مشاريع تجارية في مصر ..
بتقديري أنه سيكون تحقيق صحفي كبير وواسع وشامل يغطي الكثير من المعلومات الوافية عن أدق تفاصيل حياة الفلسطينيين الغزيين النازحين واللاجئين للأراضي المصرية والذين يقطنون العديد من المناطق المتفرقة بالعاصمة المصرية القاهرة والمدن المصرية  في  المحافظات الأخرى .. لكل واحد منهم روايته بل رواياته الخاصة التي يختلط فيها الحزن والغضب على ما مر به من مآسي ونكبات ، والأمل والتحدي لكل الصعوبات لينهض العنقاء الفلسطيني من تحت الرماد ليولد من جديد ويحلق الفينيق الفلسطيني كما اعتاد يمخر عباب السماء وفضاء الكون محلقاً في أعالي رحاب المجرّة وسماواتها . 
خلال لقاءات صديقي الصحفي “ماثيو” مع كل من قابلهم من النازحين الفلسطينيين في مصر من نساء ورجال وشباب وصبايا وطلاب جامعات ومدارس وجرحى ومرضى ورجال وسيدات أعمال والتي كانت في معظمها مصوّرة بكاميرته الخاصة وبجهاز هاتفه فيديو صوت وصورة ، لمست عظمة الشعب الفلسطيني و بحجم انتمائه العميق لفلسطين وغزة وعواطفه ومشاعره الجياشة للوطن السليب المدمّر ، والعزيمة والإرادة الصلبة بعدم تمكين المحتل من كسر إرادته ، فكل من تحدث فيهم بكل أطيافهم وثقافاتهم عن غزة بكى حرقةً على  الوطن وهو يسرد ذكرياته الجميلة في غزه ، الأماكن التي كان يعتاد الجلوس فيها ، والتمتع بها ، وجميعهم أجمعوا على عشقهم لبحر غزة وشواطئها الجميلة و رمالها الذهبية .. لمدارسها وجامعاتها ، لمنتزهاتها و مطاعمها .. لكافتيرياتها واستراحاتها الممتدة على كورنيش البحر .. لمقاهيها الشعبية .. لمساجدها وكنائسها .. للأماكن الأثرية التاريخية … تحدثوا عن أكلاتهم وطبخاتهم الفلسطينية .. عن المقلوبة الفلسطينية والمسخّن الفلسطيني والمفتول الفلسطيني .  وعن كل شيء فلسطيني …. عن لقاءاتهم بالأقارب والأصدقاء.. عن لحظات الفرح والنجاح بتخرّج الأبناء من مدارسهم وجامعاتهم .  عن أعراسهم وأهازيجهم .. عن التراث الفلسطيني .  والزجل الفلسطيني والدبكة الفلسطيني .. عن الثوب الفلسطيني وألوانه المتعددة حسب المدن والقرى الفلسطينية المتعددة .. عن افتقادهم للثوب الفلسطيني الذي لم يتمكنوا من إحضاره معهم .. لخروجهم من بيوتهم هائمين على وجوههم من شدة القصف  .. في برهة .. تتحشرج الكلمات في حلوقهم .. بغصةٍ واضحة في قلوبهم .. انهمرت دموعهم من عيونهم بغزارة وهم يتذكرون بيوتهم الجميلة وكل زاواياها .. كل ركن فيه ، وكل ذكرى … بكى الطفل والطالب والطالبة والتلميذ والتلميذة  والسيدة والرجل  والتحار وأصحاب الشركات ،  ذرفت دموع جميعهم على ذكريات وأحلام شعروا للحظة أنها قد تبخرت  ، على اصدقاء في المدرسة والجامعة و جيران وأقارب استشهدوا حتى أبكونا جميعاً ..  لم نتماسك .. لم نسيطر على مشاعرنا وأحاسيسنا  … وكأننا نكأنا  جرحاً عميقاً ، أو نبشنا مخزون كبير من الحزن المدفون عميقاً في القلب والعقل معاً .. وفجّرناها  من دواخلهم ، فانهمر الدمع من عيونهم ،  وتحشرجت الكلمات في حلوقهم حتى غابت أصواتهم وسط غصة عميقة في قلب كل واحد منهم .. نضطر لوقف اللقاء لبرهةٍ من الزمن .. ونعود من جديد بعد نكفكف دموعهم .. ونربّت على أكتافهم أو احتضانهم ، وفي حقيقة الأمر كنا نحن مَن يبحث عمّن  يكفكف دموعنا التي انهمرت دونما أن نشعر ، ويربّت على أكتافنا ويحتضننا .. بعد أن تهدأ الأنفس نعود من جديد لاستكمال  اللقاء ، وفي لحظة  .. وبعد توقف سيل  الدموع  ، يفاجئونك بلملمة مشاعرهم ، يصمتون للحظة قصيرة ، تشعر أنهم يستجمعون قواهم .. ويعززون من دافعتهم الذاتية .. يشدّون من أزر ذواتهم ، وبرباطة جأش عظيمة ،  تلحظ  تغيّر قسمات وجوههم ، تنفتح حدقات عيونهم مصوّبينها   نحو ” ماثيو ” وجميعهم يقولون نفس الجملة وكأنهم متفقون مع بعضهم على ترديدها رغم أن اللقاءات معهم كانت في أماكن متفرقة ولا يعرفون بعضهم ، ولقاء كل واحد منهم كان على حدة وبمناطق متباعدة جغرافياً …  قالوها جميعاً  وبمليء الفم وبشعور عالٍ بالمسؤولية الوطنية والتصميم الفولاذي والتحدي الكبير ، وبإرادةٍ لا تلين .. نحن لن ننكسر .. ولن يحقق المحتل الصهيوني مخططاته .. وسنعود لغزة .. سنبني غزة .. سنعمرها لتكون أكثر جمالاً وبهاءً .. نحن الشعب الفلسطيني لن ننكسر ولن تستطيع قوةً على الأرض من كسرنا .. سنعيد بناء مدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا ورياض أطفالنا .. سنبني بيوتنا .. سنعبّد شوارعنا ، سنعلّم أبنائنا ليكون منهم  المدرسين والأطباء والمهندسين والفنيين والمهنيين ، وسيزرع فلاحينا أرضنا الخصبة  ، ونبني وطننا بسواعدنا .. سنعود للوطن مهما كان الثمن  ، ورغم ما حل به من خراب ودمار .. وسنظل نسعى لحريته حتى نحيا كباقي شعوب الأرض بحرية وأمن وسلام وازدهار ..
لم أبالغ بأي كلمة واحدة كتبتها هنا .. فالجميع قالها و بلسان واحد .. إنه الشعب الفلسطيني الذي لا يعرف الهزيمة ولا  الانكسار  .. يعلي صوته أننا شعب لا يركع ، ما دام فينا طفل يرضع .. وان الأماني ممكنة في رحلة البحث عن وطن  تحت الشمس ينعم بالحرية والسلام كباقي شعوب الأرض .
ما أجملك يا فلسطين .. ما أجملك يا غزة .. ما أجمل أهلك و ناسك وشعبك .. فأنتم والله بلا تحيّز فخر أحرار العالم وفخر الأمم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *