تدافع “بيجيدي” و”الأحرار” ينقذ المشهد السياسي المغربي من “موت مُحقق”
حظيت عملية “كسر العظام” الجارية بين حزب العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار بعناية الأكاديميين، معتبرين هذه العملية “رجة مفاجئة” في حقل سياسي “كاد يسود فيه بعض من الصمت واقترب الجدل فيه أن ينقلب إلى شيء ثانوي”؛ على الرغم من تصريح هؤلاء الأكاديميين والخبراء والمحللين بأن “التواصل السياسي الذي يوجد في ما يشبه أزمة صار يتطلب وقفة حقيقية”، بقولهم.
قيادات “بيجيدي” تهاجم “الحمامة” بـ”حدة غير مهادنة” كل مرة، وقيادات الأخيرة تنبري للرد “بلا رحمة سياسية”. كل طرف يجدف بقوة ضد الآخر؛ وهو ما أثار انتباه الباحثين في الفترة الأخيرة، معتبرين إياه “استمرارا في حملة انتخابية سابقة لأوانها بدأت منذ شهور استعدادا لاستحقاقات 2026”. كما “جرى التقاطه أيضا كإشارات تعيدُ الحيوية إلى النقاش السياسي وتخلص الفاعل الحزبي من شُبهة موت محقق”.
حيوية إيجابية
عبد العزيز القراقي، أكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن السجال الحامي بين الغريمين السياسيين: “المصباح” و”الحمامة” يعكس “شيئا إيجابيا أفضل من الركود وعدم الحركة داخل المشهد السياسي، بغض النظر عن نوعية النقاش وجودته”، معتبرا أن الكثير من الحيوية تؤشر على استمرار نفس ما داخل النسق السياسي، وتثبت أن هناك نوعا من النشاط والدينامية مازالت تشتغل بعناد.
وسجل قراقي، في تصريحه لهسبريس، أن “اللاحركة هي ما يخيف. والفتور في المشهد هو الذي يسائل أي فاعل سياسي، كيفما كانت المرجعية التي ينطلق منها”، مضيفا أن “هذا التدافع بين حزبين هو امتداد لفكرة الحاجة إلى خصم. وهذا الخصم يتم عادة إسقاط كل السلبيات عليه. ومن ثم، حزب العدالة والتنمية هو في حاجة إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، والعكس صحيح؛ فكل منهما يحمل المسؤولية للآخر، حتى يقدم نفسه مُخلصا”.
وأفاد أستاذ العلوم السياسية بأن “كل حزب ينطلق من تصور تمجيد الذات”، لافتا إلى أن “المؤسسات من جهة أخرى دخلت في العد العكسي قبل بداية الولاية التشريعية؛ وحزب “الأحرار” قدم الكثير من الوعود الانتخابية خلال حملته التي سبقت الاتجاه إلى صناديق الاقتراع في 8 شتنبر 2021، والآن هو بصدد تجميع حصيلة ليعرف إلى أي حد استطاع الوفاء بهذه التعهدات الانتخابية في ثوب مشاريع على الأرض. ولذلك، لا يدخر الحزب جهدا لتقديم خطاب سياسي يرد فيه على حزب العدالة والتنمية”.
ولا يبعد المتحدث الحزب ذي المرجعية الإسلامية عن “لعبة تبادل الأدوار”؛ فالأخير لا يدخر من جهته جهدا للنبش في كل ما يمكن أن يكون “هفوات تدبيرية”، ليلقي بها في سلة حزب التجمع الوطني للأحرار، “مع العلم أن هذا الحزب ليس وحده من يوجد ضمن الأغلبية الحكومية، فهو يشكل الائتلاف الحكومي إلى جانب حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، ولكن “بيجيدي” يرى أن العنصر القوي في الجهاز التنفيذي هو “الحمامة”. هكذا، جعل كل اهتمامه ينصب على هذا الحزب.
حياة سياسية
رشيد لزرق، أكاديمي أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، قال إن “الجِدال بين الحزبين يؤشر على عودة السياسة في المشهد الانتخابي”، معتبرا أن هذا النفس الذي يعبر عنه “بيجيدي” كان يتعين أن يتكلف به الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، باعتباره يقود فرق المعارضة وأكثرها تمثيلية؛ ولهذا تزعم الحزب ذي المرجعية الإسلامية لهذا النقاش يكشف اختلالا على مستوى التنسيق بين المعارضة. ولكن هذا النقاش يعطي الفعل السياسي زخما مغايرا.
وأوضح لزرق، ضمن تصريحه لهسبريس، أن “دفوعات المعارضة لتهشيم صورة أحزاب الحكومة تكون مُلقحة بمساعي تعويض الأغلبية الحكومة، فيما الأخيرة تتمسك بتمديد وجودها على رأس الجهاز الحكومي لولاية أخرى، فترد”، معتبرا أن “هذه الطموحات تشكل روح السياسة بين الأغلبية والمعارضة؛ لكن الأخيرة تبدو بعض أحزابها غائبة عن النقاش السياسي وغائبة عن أداء أدوارها داخل الحقل، وهو ما يضعف من مواكبة الرأي العام للنقاش”.
ولفت المحلل السياسي إلى أن “غياب روح السياسة داخل المشهد السياسي يشكل خطرا على المؤسسات؛ فالصمت وغياب النقاش يمنحان المشهد معاني الموت وتبدو الأحزاب السياسية وكأنها غير موجودة، وهذا خطر على الانتقال الديمقراطي”، خالصا إلى أن “الصراع الرمزي يجلب الانتباه إلى الفاعل السياسي وإلى مقترحاته ومشاريعه، وتكون الأفكار السياسية غير الشعبوية التي تقدم في جدول مشاريع وطموحات استراتيجية هي ورقة الحسم بيد الناخب الذي يستطيع الفرز انطلاقا من الدفوعات السائدة أمامه”.
المصدر: هسبريس