اخبار السودان

الهجوم على “قحت”.. حصان طروادة الإسلاميين

صديق الزيلعي

يستخدم الإسلامويون كل الحيل، والخدع، والأحابيل، للرجوع إلى السلطة، مرة أخرى، فالفطام قاس، لكنه التعود على المال السايب. فانقلاب ١١ أبريل كان لإيقاف المد الجماهيري العاتي للثورة، وتجاسر العسكر وقرروا الانفراد بالسلطة. فأرغمتهم جماهير ٣٠ يونيو على الارتداد والقبول بالتفاوض، وتمت حبكة الشراكة المضروبة، ليتم تعطيل الثورة من الداخل. ونجح العسكر مع الفلول، في استخدام ضعف الحكومة الانتقالية، ليتم تجميد كل أهداف الثورة.

وجاء انقلاب ٢٥ أكتوبر لانتزاع السلطة كاملة لهم، رفضت الحركة الجماهيرية الانقلاب بقوة، وعزلته تماما. أدى فشل الانقلاب، والتغيرات الداخلية والخارجية، للوصول لمقترحات حل سياسي للأزمة. جن جنون الإسلامويين، وملأوا المنابر وعيدا وتهديدات، وزادوا وتيرة الخلافات، ليفجروا الحرب.

بعد اندلاع الحرب، تحول التكتيك، نحو شيطنة قحت، وتحميلها كل الجرائم والأخطاء وحتى اندلاع الحرب. والهدف واضح هو إضعاف الجبهة المدنية وتكريس الانقسامات وسطها، لتخلو لهم الساحة السياسية، مما يسهل قفزهم على السلطة.

تروي الأسطورة أن حصار الإغريق لمدينة طروادة دام عشر سنين كاملة، فشلوا في اقتحام المدينة الحصينة. ابتدع قادة الجيش الإغريقي حيلة جديدة. صنعوا حصانا خشبيا ضخما، أجوفا من الداخل، تحت إشراف البؤس. ملى الحصان بالمحاربين، بقيادة أوديسيوس.

أظهر الجيش الإغريقي أنهم قنعوا من الحرب، ومثلوا أنهم رحلوا، واختفوا في الغابات. فرح الطرواديون بانسحاب الجيش الإغريقي. وصدقوا أن الحصان الضخم هو هدية لهم، كتعبير عن الصداقة. في جنح الليل خرج جنود الجيش الإغريقي، وفتحوا أبواب المدينة الحصينة، فخرج بقية الجيش من الغابات وهاجم المدينة، وسيطر عليها تماما.

الإسلامويين، بعد تسلط استمر ثلاثة عقود من الزمن، أذاقوا خلالها شعبنا، التعذيب والتشريد والحرمان من لقمة العيش، وعرضوا بلادنا للخراب والتدمير والحروب الأهلية والعزلة الدولية. عندما ثار الشعب من أجل الديمقراطية، فعلوا كل ما يخطر على البال من الأحابيل، لإفشال الفترة الانتقالية، ثم انقلبوا عليها، وفجروا الحرب اللعينة.

الآن، وبعد كل ذلك، كأن شعبنا يملك ذاكرة سمكية، يملؤون الآفاق بالشعارات الكاذبة والأمنيات القاصرة. وتحولت كل جهودهم لشيطنة قحت. وأن قحت هي سبب كل بلاوي بلادنا. وحشدوا مواقع السوشيال ميديا بشعار خبيث (قحت لا تمثلني).

الغريب، أن بعض الوطنيين والديمقراطيين، خدعوا بالشعار وصاروا ينشرونه، نكاية في قحت وما وقعت فيه من أخطاء شنيعة، خلال الفترة ما بعد الثورة. القصد من الحملة ليس قحت، وإنما هي حصان طروادة الإسلامويين، لضرب كل قوى الثورة، وفركشتها، وتعميق الخلافات بينها، وزيادة الشروخ الحالية، وسط القوى المدنية.

أقول، وحتى لا يتعجل البعض باتهامي بالانتماء لقحت، أو الدفاع عنها. أقول، إنما أدافع عن كل قوى الثورة، بمختلف مكوناتها، رغم التباينات بينها. وأود أن أؤكد أن قحت جزءاً من قوى الثورة، مهما اختلفنا حول تكتيكاتها وخطها السياسي. وقد قمت شخصيا بانتقاد قحت، عندما كانت في السلطة، وتملك نفوذا جماهيريا، في عدة مقالات، منها” المكون المدني يتحمل المسؤولية الكاملة لما حدث” و “يا قائدا بلا معركة آن أوان المعركة “وغيرهما. ولكن لن أنخدع بمخطط الإسلامويين، مهما غيروا من جلودهم، ولن انزلق إلى مستنقعهم، وأشارك في الحملة.

الواجب أمام كل فصائل الثورة، ومكوناتها السياسية والنقابية والمدنية، أن تدخل في حوار عقلاني شفاف، يقيم الفترة السابقة، ويحدد أين أصبنا وأين أخطأنا، حتى نتعلم من هذه الدروس الهامة. ونستصحب معها أيضا تجارب الانتقال السابقة، في بلادنا.

نهدف من ذلك لتصحيح مسار ثورتنا، وإعادة الزخم لها. وأن نحدد خطواتنا القادمة، بشكل جماعي، وأن نرفض كل دعوة إلى الرجوع إلى أوضاع ما قبل الحرب، وأن نبعد العسكر نهائيا عن السياسية، ونحاسب من تسببوا في الحرب، وأن نخطو خطوات جادة نحو التأسيس لنظام ديمقراطي تعددي دائم ومستقر.

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *