ضعف “الداتا” بالمغرب يضعف قدرته على تقييم أوضاعه الاقتصادية
أشار تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية “OECD”، حول المغرب، إلى وجود نقص يعاني منه المغرب على مستوى البيانات والإحصائيات الدقيقة والمحدثة.
واعتبر التقرير أن هذا النقص يضعف قدرة المغرب على تقييم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بدقة واتخاذ قرارات سياسية مستنيرة.
وشدد المصدر ذاته على أن هذا النقص يتطلب إعادة هيكلة النظام الإحصائي والاستثمار فيه لضمان توافر بيانات عالية الجودة وقابلة للمقارنة على المستوى الدولي.
تعافي الاقتصاد
بالمقابل، سجل التقرير أن الاقتصاد الوطني استطاع أن يتعافى بشكل ملحوظ، رغم التحديات المتتالية التي واجهها المغرب في عام 2023، بما فيها الجائحة وأزمة الطاقة والزلزال والجفاف.
وسجل أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، وصل سنة 2022 إلى 3.4 بالمئة، فيما يتوقع أن يصل إلى 3.5 بالمئة السنة الماضية، على أن ترتفع هذه النسبة إلى 4 بالمئة عام 2025.
وحسب المعطيات الصادرة عن المنظمة في أعقاب اختتام المرحلة الثانية من البرنامج القُطري للمغرب، فإن مؤشر أسعار الاستهلاك عرف تغيرا كبيرا منذ عام 2022، حيث انتقل من 6.6% إلى 2%.
ووفق المصدر ذاته، فقد عرفت ميزانية الحكومة المركزية من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا حيث انتقلت من 5.4% سنة 2022، إلى 3.5%.
تراجع التضخم
وأوضحت المؤسسة أن الاقتصاد الوطني يشهد زخمًا متزايدًا مدفوعًا بقوة بانتعاش الاستهلاك والاستثمار ونمو الصادرات، كما يساهم الاستخدام الأمثل للقدرات الإنتاجية والحوافز الحكومية في تعزيز الاستثمار.
وحسب المصدر ذاته، فقد ساهم انخفاض أسعار المواد الغذائية في تراجع التضخم، مما أتاح مرونة نقدية أكبر، مسجلا أنه رغم ارتفاع القروض المتعثرة، فإن القطاع المالي يظل قويًا بفضل الاحتياطيات الكافية.
وسجل التقرير استفادة المغرب من نظام اقتصادي كلي مستقر، مؤكدا تقلص العجز بعد الجائحة وأزمة الطاقة، كما أن نسبة الدين الحكومي تبلغ حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي.
واعتبر أن السياسات المالية النشطة ساعدت في إدارة الصدمات الأخيرة التي شهدها الاقتصاد، لكن العجز الآن يتراجع مع تعافي الاقتصاد ومع وجود إجراءات كبيرة ومتوازنة بشكل عام في كل من الإنفاق والضرائب.
مواصلة الإصلاح
وشدد المصدر ذاته على وجوب المضي قدماً في تنفيذ الخطط الرامية إلى تحقيق هدف خفض العجز إلى 3% بحلول عام 2026، وهو ما يتطلب وضع قاعدة مالية جديدة تستند إلى هدف دين متوسط الأجل وآلية للإنفاق بهدف إدارة الضغوط المالية المستقبلية.
كما يتعين مواصلة الإصلاحات الاجتماعية، مع التركيز على توسيع تغطية التأمين الصحي والمساعدة الاجتماعية، والاستغناء تدريجياً عن بعض الإعانات، بما يضمن استدامة المالية العامة وتحسين كفاءة الدعم الاجتماعي.
ولتأمين الموارد اللازمة لتمويل الإصلاحات الشاملة دعت المنظمة ضمن تقريرها إلى توسيع قاعدة الضرائب، ما يتعين العمل على تقليص الاقتصاد غير المهيكل وزيادة الإيرادات من مختلف القطاعات، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تحسين نظام الضرائب والمزايا.
ودعا التقرير إلى ضرورة زيادة كفاءة تحصيل الضرائب، والاستفادة من القطاعات ذات الإمكانات الكبيرة مثل التعدين والمؤسسات المملوكة للدولة، ناهيك عن وجوب اللجوء إلى أدوات ضريبية جديدة مثل ضريبة الانبعاثات.
وأردف المصدر أن الاستثمار الخاص المحلي لا يزال دون المستوى المطلوب، مسجلا أن الشركات المغربية تواجه العديد من العقبات التي تحد من قدرتها على التنافس، وهو ما يتطلب بذل جهود أكبر لتشجيع الاستثمار المحلي وتذليل العقبات التي تواجهه.
وحسب المصدر ذاته، فرغم التقدم المحرز، لا تزال فجوة الإنتاجية بين المغرب والدول المتقدمة واسعة، مشيرا إلى أن الشركات متعددة الجنسيات تساهم في تعزيز الإنتاجية في بعض القطاعات الصناعية، لكن الروابط مع الاقتصاد المحلي تحتاج إلى تعزيز.
وأضافت المنظمة فإن النشاط الاقتصادي المحلي يرتكز بشكل كبير على الأنشطة الأقل تعقيدًا، وتواجه الشركات المغربية صعوبة في الحفاظ على تنافسيتها العالمية في العديد من المنتجات، كما يعيق انتشار الاقتصاد غير المهيكل وصغر حجم الشركات جهود زيادة الإنتاجية.
انخفاض كفاءة الاستثمار
ورغم ما تتمتع به البنية التحتية من جودة مقبولة، إلا أن الاستثمارات كانت مركزة بشكل كبير في القطاع العام، مما أدى إلى انخفاض كفاءة الاستثمار، ما يستوجب تحسين توجيه وإدارة الاستثمارات العامة، مع التركيز على حشد الاستثمارات الخاصة من خلال حوافز قوية وتبسيط الإجراءات. كما يجب تحقيق توازن في الحوافز بين القطاعات الجديدة والتقليدية لتوسيع القاعدة الصناعية.
وشهدت بيئة الأعمال تحسينات ملحوظة، إلا أن تعزيز حوكمة المؤسسات المملوكة للدولة يظل ضرورة ملحة لضمان بيئة تنافسية عادلة وتعزيز كفاءة الاقتصاد بشكل عام.
ورغم التقدم المحرز في مكافحة الفساد، إلا أن التقرير شدد على أن الشركات تشير إلى استمرار ظاهرة الرشوة، مما يزيد من تكاليف الأعمال، ما يستدعي تكثيف الجهود لمكافحة هذه الظاهرة، خاصة من خلال تعزيز التحول الرقمي في الإجراءات الحكومية.
ويعاني الاقتصاد المغربي من ضعف الابتكار وتبني التقنيات الرقمية، لمعالجة هذا التحدي، دعت المنظمة إلى وجوب ضمان وصول عالي الجودة للإنترنت، وحماية المستهلكين في التجارة الإلكترونية، وتوفير برامج تدريبية رقمية شاملة للقوى العاملة.
ولتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، أوصت “OECD” الاستثمار في الابتكار وتطوير التعليم، مسجلة أنه رغم التحسن في المهارات الأساسية، إلا أن النظام التعليمي بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات لضمان مخرجات تعليمية تواكب متطلبات سوق العمل، ما يستلزم التركيز على التعليم المهني والتقني وتطوير المهارات اللازمة لاقتصاد قائم على المعرفة.
المصدر: العمق المغربي