معركة “الأنوف” على تيك توك بين الأمريكيين والأوروبيين
معركة “الأنوف” على تيك توك بين الأمريكيين والأوروبيين
- Author, توماس جيرمان
- Role, بي بي سي
أثار أمريكيون وأوروبيون جدلا، على موقع تيك توك، بشأن حاسة الشم، وقدرات كل منهما على التمييز بين الروائح المختلفة.
بدأت القصة بتعليق متهكم أطلقه هاريسون زيب، وهو بريطاني يعيش في فلوريدا. فقد سمع زيب صديقه الأمريكي يقول “أشم رائحة المطر”. ولم يسمع زيب بهذه العبارة من قبل . فذهب على موقع تيك توك ليبحث هذا الأمر.
ونشر زيب فيديو يصف فيه زعم الأمريكيين أنهم يشمون رائحة المطر بأنه أمر “سخيف”.
وجاءت الردود عليه عاصفة، حيث أثار كلامه موجة من الجدل، وبلغ عدد التعليقات عليه 80 ألف تعليق، وعشرات الفيديوهات من مستخدمي تيك توك الآخرين.
ونشر حساب لإحدى المستخدمات على موقع تيك توك باسم @yvanabee ردا عليه في فيديو قائلة “هذا صحيح”، وقد سجل أكثر من 6 ملايين مشاهدة.
وأضافت المستخدمة “لاحظت فعلا أن زملائي الأمريكيين يشمون الأشياء أكثر مني. فهم أكثر تناغما مع ما حولهم من الروائح”.
وقالت أن “أنوف الأمريكيين تركز أكثر على كل شيء، من باقة الورود إلى قص العشب الطري، مرورا بالروائح المتعلقة بمختلف الفصول. إنها ثقافة العبق”.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
وقاطعها كثيرون بالقول إن هذه القدرات موجودة في كل العالم. ولكن في النهاية، وافق العديد منهم على أن حاسة الشم عند الأمريكيين أقوى من حاسة الشم عند الأوروبيين.
والواقع أن هذه النظرية تصطدم بالكثير من الحقائق، وعلى رأسها أن الأوروبيين أيضا يشمون المطر، وقص العشب الطري، وأشياء أخرى. فالكيميائيون الفرنسيون والبريطانيون كانوا من السباقين في دراسات Petrichor البتريتشور، وهو الاسم العلمي لرائحة المطر.
وهذا لا علاقة له بتاريخ أوروبا الثري في صناعة العطور.
وككل نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الحوار منشأه قدر قليل من الحقيقة. فقدرتك على الشم ليس لها علاقة كبيرة بشخصك ولا ببلدك.
“هناك متغيرات كثيرة في حاسة الشم لدى الإنسان، بما في ذلك قدرة الناس على إدارك بعض الروائح”، حسب كيسي تريمر، وهي باحثة تدرس نظام الشم، في شركة DSMFirmenich دي أس أم فيرمينيتش، المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية، في سويسرا، وتعمل في صناعة العطور.
وتقول كيسي إن “المورثات لها دور، ولكن أشياء أخرى، مثل السن، والنوع البشري، والنسب يمكنها أن تؤثر في إدراك بعض الروائح، إلى جانب الاختلافات الثقافية وتفاوت الخبرة”.
وتقول كيسي إنه من الممكن، وإن كان غير محتمل، أن يعطي مزيج من هذه العوامل للأمريكيين سبق في حاسة الشم.
ولا تحظى حاسة الشم وحاسة الذوق بالاهتمام الكافي لدى الدارسين وفي الباحثين في المجتمع الطبي، مقارنة بحاستي النظر والسمع. وتقول كيسي وباحثون آخرون إن الدراسات لم تبحث من قبل في الفارق بين الأمريكيين والأوروبيين في قدرة الشم.
ولكن هناك دراسات كشفت عن فوارق مفاجئة في قدرات الشم بين مختلف المجموعات السكانية، من ثقافة واحدة أو بين مختلف الثقافات.
معلوم عند الناس أن حاسة الشم لدى النساء أقوى من حاسة الشم لدى الرجال. وهذه معلومة تؤيدها دراسات علمية. ولكن الأدلة قليلة على أن الحمل يقوي حاسة الشم، وإن كان قد يثير حساسية الحامل لبعض الروائح”.
ولكن النوع البشري ليس العامل الوحيد الذي يؤثر في حاسة الشم.
فبعض الناس مثلا لهم استعداد وراثي يجعلهم أكثر حساسية تجاه رائحة حمض الإيزوفاليريك، الذي له رائحة كريهة مميزة. ولكن الاختلافات الوراثية نفسها تجعل بعض الناس لا يدركون بعض الروائح، مثل الليرال وهي مادة كيمياوية رائحتها تشبه الورد الأبيض، والغاياكول ورائحتها مثل الدخان. والمادتان من المكونات الشائعة في صناعة العطور.
“لدينا مجموعة تزيد على 400 من المستقبلات في أنوفنا. ولكن لكل واحد فينا مجموعة مختلفة عن مجموعة غيره”، حسب يوليان وين سيه، الجراح المتخصص في الأنف والشم، في المستشفى الجامعي في جنيف بسويسرا.
“وهذ يفسر جزئيا لماذا هناك متغيرات كثيرة في حاسة الشم عند الناس”.
وقدرتنا على إدراك الروائح، وشعورنا بقوتها أو متعتها، متعلق أيضا بكيفية عمل هذه المستقبلات في أنف كل واحد منا.
فنحن نشم أريج البنفسج عندما تلتقي مادة كيمياوية تدعى بيتا أيونون بأحد المستقبلات يدعى OR5A1 “أو أر 5 أي 1”. ولكن هذا العصب لا يعمل عند نصف الناس. فلا يمكنك أبدا أن تشم بيتا أينون إذا كنت واحدا من هؤلاء، مهما كانت كميته الموضوعة أمامك.
وعندما تسقط الأمطار على الأرض الجافة، يمكن أن ينبعث من ذلك مركب اسمه geosmin “جيوسمين”، له رائحة ترابية، وهو مكون أساسي في رائحة المطر.
والمتغيرات الوراثية يمكنها أن تؤثر في كيفية إدارك الناس للرائحة الترابية، حسب كيسي. فمن الممكن، نظريا، أن يجعل الحمض النووي الأمريكيين أقدر على شم المطر. ولكن ذلك مستبعد، لأن أكثر من نصف الأمريكيين، أصولهم أوروبية. وتقول كيسي إن”مورثاتهم المتعلقة بالشم متشابهة”.
عبق الثقافة
ولكن المورثات ليست هي كل شيء. فبعض قدراتك على الشم يصنعها التدريب. فخبراء النبيذ أقدر من الهواة على التمييز بين مختلف الروائح.
فقد كشفت دراسة شملت طلابا يتدربون على تذوق النبيذ، أن البصيلات العصبية المتعلقة بالشم في أنوفهم أصبحت أكبر، بعد عام ونصف من برنامج التدريب.
ولكن اكتساب الخبرة في النبيذ ليس هو السبيل الوحيد لتقوية قدرتك على الشم. إذ يبدو أن التدريب على الشم يتم طبيعيا، حسب اللغة والثقافة المحيطة بك.
ففي البلدان التي تتحدث الانجليزية يعرف الناس الروائح بربطها بشيء أو ظاهرة معينة، كقولهم “رائحة المطر”، مثلا. وإذا قارنا ذلك بالألوان، فكأننا نقول إن الطماطم هي لون الفرولة، بدل اللون الأحمر.
ولكن هذا لا ينطبق على ثقافات أخرى. فشعب الجاهاي في شبه جزيرة مالايو لهم قائمة طويلة بأسماء الروائح، أثرى من قائمة أسماء الألوان في بالانجليزية. وكما هو متوقع فإن الجاهاي لهم قدرة أكبر على تحديد مختلف الروائح من المتحدثين بالانجليزية.
ويعتقد بعض الباحثين أن وجود كلمة تصف الرائحة في لغتك تساعدك على إدراكها.
وينطبق هذا الأمر على الحواس الأخرى. فاللغة تغير نظرتنا للعالم. فالروس واليونانيون والأتراك لهم كلمتان مختلفتان لوصف اللون الأزرق الفاتح والأزرق الداكن، مثلا.
والعارفون بهذه اللغات بإمكانهم التمييز بين درجات اللون الأزرق، التي قد تبدو متطابقة للمتحدث بالانجليزية، التي لها اسم واحد لهذا اللون.
بل إن دراسة كشفت أن متحدثين باللغة اليونانية ضعفت لديهم القدرة على التمييز بين درجات اللون الأزرق بعدما عاشوا في بريطانيا. فيبدو من ذلك أنك إذا لا تستخدم قدرات معنية، فإنك ستفقدها بمرور الوقت.
وترى خبيرة علم الأعصاب في جامعة براون بالولايات المتحدة، راشيل هرتز، التي تدرس المؤثرات النفسية على حاسة الشم، أن اللغة ليست من المتغيرات الفارقة بين الأنوف الأمريكية والأوروبية.
“فالاختلافات اللغوية بين الأوروبيين والأمريكيين لا وزن لها. فبريطانيا تشترك مع الولايات المتحدة في اللغة. والأمريكيون والبريطانيون يستعملون الأسماء نفسها في تسمية الروائح، باستثناء اللهجات العامية، المحتملة، التي لا علم لي بها”.
ومع ذلك فهناك أسباب أخرى تجعل الثقافات تتمتع بمهارات مختلفة في الشم. ففي 2014، قارنت دراسة بين سكان جزيرة كوك، والأوروبيين، وشعب تسيماني في الغابات المطيرة في بوليفيا. فوجدت أن سكان جزيرة كوك أكثر قدرة على التمييز بين الروائح من شعب تسيماني. وكلا المجموعتين أقدر بكثير على التمييز بين الروائح من الأوروبيين.
وكان الباحثون يعتقدون أن عيش الإنسان في تناغم مع الأرض يقوي حاسة الشم لديه. ولكن هذه الدراسة اعترضت على هذه الفكرة. فقد تبين أن سكان شبه جزيرة كوك هم الأقدر على التمييز بين الروائح.
ولكن جزر كوك فيها تطور صناعي مثلها مثل أي بلد أوروبي. أما شعب تسيماني فيعيشون على الزراعة التقليدية والصيد والغذاء الطبيعي.
ويرى الباحثون في هذا الأمر أن التلوث قد يكون هو السبب. فتلوث الهواء قد يضر كثيرا بحاسة الشم لديك.
ويشير الباحثون إلى أن جزر كوك توجد في منطقة المحيط الهادئ، وهي أقل المناطق تلوثا على وجه الأرض. ونوعية الهواء في الغابات المطيرة في بوليفيا أحسن من نوعية الهواء في أوروبا. وقد تناسبت نوعية الهواء مع القدرة على الشم.
وكغيرها من الأسئلة العلمية الصعبة، لا يوجد جواب بسيط يفسر لماذا بعض المحموعات السكانية حاسة الشم لديها أفضل من حاسة الشم عند غيرها. ويمكن أن تختلف قوة حاسة الشم حتى بين أعضاء المجموعة السكانية التي تعيش في الظروف نفسها.
ففي 2012، وجدت دراسة، شملت 391 من سكان نيويورك، أغلبهم يعيشون في مانهاتن، بعض الاختلافات المفاجئة في حاسة الشم. فالآسيويون، الذين شملتهم الدراسة، تبين أن لهم قدرات شم أقوى من الأوروبيين. والمجموعاتان لهما قدرة شم أكثر حدة من حاسة الأمريكيين الأفارقة.
وتستمر هذه الفوارق إذا احتسبنا النوع البشري والسن، والتدخين وشكل الجسم.
ما هو سبب هذه الاختلافات؟ قد تكون المورثات، أو الثقافة، أو نظريا، تغيرات صغيرة في نوعية الهواء عبر أحياء مانهاتن. وبدون المزيد من الدراسات لا يمكننا إلا أن نخمن.
ويقول سيه: “هناك مشكلة أساسية نشأ منها النقاش كله. لا يوجد حاليا اختبار عالمي لحاسة الشم. فالاختبارات الحالية متحيزة على أساس الأصول الثقافية والوراثية، وتقصي العديد من البلدان والثقافات من إجراء اختبارات فعالة لحاسة الشم، ولا تلائم إلا عددا قليلا من البلدان”.
والبلدان والثقافات المختلفة معتادة على روائح معينة. فربما كان الأستراليون أكثر تعودا على رائحة عشبة اليوكاليبتوس، وبالتالي هم أقدر على شمه من الكنديين، مثلا. ولكن حسب سيه، فإن الاختبارات الموجودة حاليا لا تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
فهو يعمل مع باحثين آخرين على وضع اختبارات عالمية تستعمل “الروائح البيضاء”.
ومثلها مثل الأنوف البيضاء، فإن الروائح البيضاء ستكون غريبة على نفس الدرجة بالنسبة للجميع. وبهذه الطريقة يمكن مقارنة قدرات الشم عند مختلف المجموعات أو الأفراد. وقبل أن يتحقق ذلك لا يمكننا أن نجيب على سؤال قدرة الشم عند الأمريكيين.
وفي النهاية، فإن كل هذه المؤثرات على الشم غير كافية، حسب هرتز، لتصديق ما جاء في تيك توك بشأت قدرات الشم التي لاحظها الناس. وربما يكون ذلك مجرد رأي شخصي.
وتقول هرتز: “بعض الناس تكون تعليقاتهم على رائحة معينة أقوى من غيرهم. ولا علم لي وأشك في أن يكون للأمريكيين قدرة أكبر على الشم من الأوروبيين”.
المصدر: صحيفة الراكوبة