سنة بعد زلزال الحوز.. عجوز تكابد الفقر والتشرد في مأوى موقت (فيديو)
تستقبل “مي زينة” ضيوفها بملامح منشرحة وابتسامة متشبثة بثغرها الخالي من الأسنان، أما لسانها فيلهج بعبارات الترحيب، إما بأمازيغية سريعة إذا توسمت في ضيفها فهمها، أو بعربية مغلفة بنبرة أمازيغية إذا كان الزائر غريبا. تفرح هذه المسنة بزوارها لأنهم يؤنسون وحشتها، وتهديهم وجها بشوشا كأنها تعتذر لهم عن حالة كوخها البسيط، الذي تعيش فيها وحيدة منذ الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وعدد من الأقاليم في الثامن من شتنبر من العام الماضي.
هنا بجماعة ويركان في إقليم الحوز وسط مخيم من الأكواخ، تعيش هذه المسنة منذ سنة في هذا المأوى المؤقت، وهو عبارة عن صندوق مصنوع من أجزاء قابلة للتفكيك وإعادة التركيب، يتسع لحوالي ستة أمتار. في إحدى زواياه تكومت أغراض وأفرشة كيفما اتفق، وفي الزاوية الأخرى وضع سرسر تتمدد عليه “مي زينة” كلما أحست بالتعب أو أرادت الخلود للنوم.
في الجهة المقابلة من هذا “الصندوق” عند الزاوية القريبة من الباب، حولت المرأة ركنا من المسكن إلى مطبخ، حيث حاولت قدر ما يسمح به جهدها ومساحة المكان ترتيب أوان بسيطة فوق طاولة خشبية، حيث تطبخ وجباتها.
أحاطت هذه المرأة المسنة، بمساعدة جيرانها وعدد من المحسنين، الجهة المقابلة لمسكنها الضيق بجدار من خيش بلاستيكي مدعوم بأعمدة خشبية، وهو ما منحها بهوا مفتوحا على السماء، وضعت على جنباته أصصا غرست في أغلبها الريحان، تقضي جزءا من يومها في ترتيبها وسقيها والاعتناء بها.
تحكي “مي زينة” لـ”العمق” أنها كانت فقيرة وتعيش وحيدة قبل أن تأتي الفاجعة لتفاقم معاناتها وتضيف التشرد لوحدهتا وفقرها. تلفظ هذه العجوز الكلمات بسرعة، وكلما أحست بأنها أمعنت في وصف محنتها أو نكأت جرحا، ضيقت عيناها الغائرتين لتترك مجالا لثغرها الصغير ليتألق بابتسامة كبيرة تخفف آلامها وتطرد جو الحزن من المكان.
تتذكر “مي زينة” تلك الليلة العصيبة عندما اهتزت الأرض بعنف تحت الأقدام، تحكي باسترسال أنها قبيل الفاجعة بلحظات، أعدت عشاءها وتناولته وأطعمت قططها، “بمجرد أن وضعت رأسي على الوسادة قبل أن أستسلم للنوم، اهتزت الأرض وبدأ المنزل يتهدم علي”.
واصلت المرأة كلامها قائلة إنها نهضت مفزوعة، “حينها عجزت عن المشي فأعانني الله سبحانه وتعالى.. فتحت الباب بصعوبة وواصلت المشي في الظلام مسترشدة بحائط، قبل أن يتلقفني الجيران ويبعدونني عن الخطر”. أدركت “مي زينة” أنها نجت بأعجوبة، لأن البيت أصبح ركاما بعد لحظات قصيرة من مغادرتها له.
كانت “مي زينة” قبل الفاجعة تعيش بهذا الدوار في منزل ترابي مسقوف بالقش، يؤنس وحشتها فيه بعض الدجاج والقطط ومعزتان، لا تخفي اليوم شوقها إلى هذه الحيوانات، خصوصا قططها التي لم تعثر لها على أثر منذ ليلة الزلزال، “ما بقيت شفتهم من ديك الليلة، عطيتهم عشاهم ومشاو فحالهم”.
استفادت “مي زينة” فقط من الدعم المخصص لتغطية أعمال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا، البالغ 80 ألف درهم، ولم تستفد من دعم 140 ألف درهم المخصص لمن انهارت منازلهم كليا، على الرغم من أن منزلها الطيني تهدم كليا، تقول إن هذا المبلغ بالكاد مكنها من وضع أساس المنزل، والعمل متوقف فيه الآن منذ شهر.
أنفقت “مي زينة” سنة من عمرها في هذا المسكن المؤقت، متشبثة بحلم بناء مسكن جديد على الرغم من كل العراقيل التي تعترضها، واجهت برد الشتاء القاسي في هذه المنطقة بإمكانيات بسيطة وتحملت حر الشمس خلال أشهر الصيف، وها هي اليوم تتهيأ لاستقبال شتاء آخر بالمكان ذاته، لأن استكمال بناء المنزل ما يزال حلما بعيد المنال.
المصدر: العمق المغربي