اخبار السودان

الحزب الشيوعي السوداني مخترق أم مختطف؟

عاطف عبدالله

جدلية الصراع في … الحزب الشيوعي السوداني

العديد من أصدقاء الحزب ، والمراقبين والمهتمين بالشأن السوداني ، يتساءلون، مشفقين أو شامتين ، عما جرى ويجري في الحزب الشيوعي السوداني خلال السنوات الأخيرة؟ ولماذا تراجع بهذه الصورة المخيفة! وتقلص دوره السياسي في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها البلاد نتيجة الحرب المدمرة التي قضت على الأخضر واليابس. وهل الحزب شاخ وفات فيه الفوات كما يدعي البعض ، أم هي كبوة جواد ، وأنه قادر على تضميد جراحه وتصويب أخطاءه والنهوض مثل عنقاء الرماد من الدمار ، والقيام بدوره المناط به في مجريات الثورة السودانية؟.
لا شك في أن الحزب الشيوعي السوداني ، مثله مثل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني السودانية كافة ، يعاني ويقاسي كلّما يقاسيه السودان من أوجاع التخلف والفقر ، وضعف الإمكانات ، بالإضافة إلى مصادرة الحقوق ، وتشتت عضويته في أصقاع الأرض بحثاً عن الحياة الكريمة وانشغال من بالداخل في البحث عن الأمان ولقمة العيش. وجاءت الحرب العبثية لتضاعف معاناته التي هي أصلا مزدوجة. معاناة كونه حزبا سياسياً سودانياً متأثراُ بالدمار والقهر الذي حاق بالبلاد بعد عقود من الحروب الأهلية وحكم الأنظمة الشمولية والدكتاتورية ، ومعاناة كونه حزباً شيوعياً يتأثر بالأزمة التي تمر بها الشيوعية فكراً وتطبيقاً بعد تصدع وانهيار المعسكر الشرقي.
لكن هل تنتهي معاناته عند هذا الحد؟ الإجابة يا للأسف لا. فهناك المزيد ، فهو في داخله يعاني التفكك والتشظي التنظيمي ، وضعف على مستوى القيادة انعكس سلباً على أدبه وإعلامه ومخاطباته العامة والخاصة ، وعلاقته بالجماهير. وفوق هذا وذاك أصيب بداء الشللية والتكتلات الفتاك ، مما أفقده تلك الصلابة التي تميز بها ، والوحدة الفكرية ، والروح الرفاقية التي حمته وحافظت على وجوده في أحلك الظروف.
كان من المفترض أن أقدم هذه الورقة، كمساهمة فكرية ، داخل قنوات الحزب، ليطلع عليها أعضاء الحزب وهيئاته ، كشأن داخلي لإثراء الصراع الفكري ، هذا الأمر كان حتى وقت قريب هو الخيار الوحيد والطبيعي ، لكن الآن نحن أمام حالة غاية في التعقيد. العديد من الشيوعيين حاولوا وكتبوا ولم تر كتاباتهم النور ولم تحدث أي صدى لعدم نشرها. وقد أشار لذلك المرحوم عبد الماجد بوب في استقالته الشهيرة. وكذلك كتب العديد من الشيوعيين الحادبين ، لكن لا حياة لمن تنادي. لذا قررت نشرها لاستثارة الصراع الفكري داخل الحزب وخارجه. دافعي ، الأسئلة العدّيدة التي تدور في الأذهان ، والحالة الآنية للحزب من تصدع وضعف وتخبط ، وعدم وضوح. كما أرى أن ما يحدث في الحزب يخص كل السودانيين ، وهو أكبر من أن تعالجه المجموعة التي تديره الآن منفردة في ظل غياب الشفافية واجتماعات اللجنة المركزية. لذا رأيت أن أنشر هذه الورقة على الملأ ، وأشرك فيها كل الناس تحقيقاً لشعار الحزب الخالد “من الجماهير وإليها يعلم ويتعلم منها”.
من دواعي نشري لهذه الورقة كذلك على الملأ ، أن ما أطرحه فيها لا يهم فقط قيادة الحزب ، أو عضويته ، أو حلفائه الاستراتيجيين في الجبهة الوطنية الديمقراطية (الاتحاد النسائي أتحاد الشباب الجبهات المهنية ديمقراطية) ، أو حتى حلفائه التكتيكيين في التحالف الجذري ، الأمر صار أكبر ويهم رجل الشارع العادي ، الذي يتساءل في حيرة ماذا جرى للحزب الشيوعي؟ ومحتار أمام مواقفه المعلنة التي لا تخدم جهود وقف الحرب ، بل تخدم مواقف من يقف وراء الحرب ويؤجج نارها ، فلول الإنقاذ وأحزاب الموز وأعضاء اللجنة الأمنية. إن مواقف الحزب المعلنة ، وسياسته على أرض الواقع ، تصبان في مصلحة أعداء الثورة ، خصوم الأمس أصدقاء اليوم ، باعتبار أن عدو عدوي صديقي The enemy of my enemy is my friend وكلا الجانبين الفلول والحزب ، على الرغم من أنهما يقفان على طرفي نقيض أيديولوجياً ، إلا أن المصلحة المشتركة جمعتهما في محاربة تنسيقية القوى المدنية (تقدم) الساعية لوقف الحرب ، لقد أجلا كل خلافاتهما وتفرغا لمحاربة حكومة حمدوك حتى تم اسقاطها ولآن كل جهودهما تنصب في إضعاف تنسيقية تقدم ، ذلك الموقف من الحزب الشيوعي ، أدهش العدو قبل الصديق ، مما أوجب طرح السؤال ، الذي يبدو ملحاً على أذهان الجميع ، وتصعب الإجابة عليه : هل الحزب الشيوعي مخترق أم مختطف؟
أسئلة كثيرة مشروعة تدور حول الحالة التي يمر بها الحزب الشيوعي السوداني، أسبابها ونتائجها والأهم كيفية معالجتها. وهو ما تصدت له هذه الورقة في محاولة لاختراق حاجز الصمت. ولم تكتف الورقة بتسليط الضوء على السلبيات ، بل اجتهدت في استنباط الحلول للمشكلات والعقبات التي تعوق مسيرته. وهي تحتوي في خاتمها على مقترحات ، تمثل نواة للانطلاق منها ، بجهد جماعي ، للعمل على استعادة تماسك الحزب في الداخل وإخراجه من عزلته الراهنة في الداخل والخارج.
لذا فهذه الورقة تسلط الضوء على المشكلة أو المشاكل التي يعانيها الحزب ، راجياً أن ينطلق منها عمل وجهد جماعي كي يعود الحزب شامخاً منارة للفكر والتنوير والتوعية ومنبراً للديمقراطية والحرية والرأي ، وساحة للنضال والكفاح من أجل إعلاء راية الحقّ والصواب ونصرة الكادحين ومن أجل وطن حر خير ديمقراطي.
وكما قال الشاعر حميد (إذا ما آخر العلاج الكي … مراويدك حمر يا أمي) ، سيكون العلاج مؤلم للبعض ، لكنه بلسما وشفاء للأغلبية وللحزب … أكتب هذه الورقة وأنشرها بعد هردت لهاتى وجف مدادي، أنا وآخرين ، بالنصح والكلمات.
وللحديث بقية …
في اللقاء القادم (2) الصراع الفكري والشخصي داخل الحزب .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *