أبوعركي البخيت.. إنسانية الفنان المناضل الرافض للحرب والقمع
مثل النخيل الشامخ العصي على الانحناء، ظل الفنان السوداني الكبير أبو عركي البخيت عملاقا بفنه ومشروعه الغنائي القائم على الالتزام تجاه قضايا شعبه.
التغيير: عبد الله برير
وبمثلما قدم عركي فنا عاطفيا راقيا للوطن والحب والجمال، وقف صامدا وملتزما مع خيارات شعبه ضد كافة الحقب الديكتاتورية ورفض بيع ضميره وظل مناصحا مناديا بالديمقراطية والحكم المدني ومؤمنا بالانسانية والحريه والعدالة والمساواة.
لينعكس مشروعه الفني على مواقفه الوطنيه وكلمات اغنياته ومضامينها بل حتى على ألحانه.
الفنان المولود في العام 1947 بمدينة ودمدني وسط السودان إحدى المعاقل المشهورة بالفن، استقر في العاصمة الوطنية ام درمان ليكون نجما نبت بين قمرين ومدينتين كبيرتين اشتهرتا بالغناء. غنى البخيت للعاطفة فاخرس لسان الشوق في (واحشني) وحذر العشاق في (يا قلب انا كنت قايلك).
وفي زمان الحرب ودفن الرؤوس في الرمال صرخ شامخا باغنية (بمشيئة الرب واكراماً لهذا الشعب/ حكموا صوت العقل/ صحوا ضمير القلب/ اوقفوا هذه الحرب).
وغنى كذلك (تعالوا نشوف مما نلنا الاستقلال اتقدمنا ولا تاخرنا/ يا ساستنا الدنيا عجول).
ويلات الحرب
رفض البخيت مغادرة تراب أم درمان وظل بين القصف والترويع مفضلا البقاء في منزله الذي شهد اجمل قصه حب بينه وبين شريكة حياته الراحلة عفاف الصادق.
حارب الجهازين القوميين الاذاعة والتلفاز احتجاجاً على تماهيهما مع الأنظمة القمعية لا سيما حكم (الانقاذ) المُباد.
حفلات عركي في المسرح القومي كانت مهرجانا من التلاحم الوطني والعاطفي مزدانة بالشيب والشباب والرجال والنساء الذين يصيبهم الهوس في كل حفل وكانهم يسمعون فنانهم المفضل لاول مرة.
عركي مدرسة متفردة في الكلمة واللحن والأداء والتوزيع والنوتة الموسيقية التي يصرعليها الفنان الكبير.
تعامل البخيت مع أسماء معروفه في الشعر السوداني أبرزهم سعد الدين ابراهيم (عن حبيبتي) وهاشم صديق (أضحكي، أمونه) والتجاني حاج موسى (واحشني) وعفاف الصادق (من معزتك) وعوض جبريل (ست التوب) وغيرهم.
وأمتدت إليه أواصر التعاون مع عدد من الملحنين مثل الموسيقار محمد الأمين وعبد الكريم الكابلي وناجي القدسي. كانت أبرز بداياته أغنية عازة في هواك للفنان المناضل الراحل خليل فرح، (وبوعدك) التي لحنها له الموسيقار الراحل محمد الأمين والتي قدمها عركي وهو ما يزال طالبا بالجامعة.
شتتوك يا شعبي
آخر أعماله الغنائية التي صاغ كلماتها ووضع لحنها لم ينس فيها شغله الشاغل وهو الشعب السوداني الذي خاطبه بالقول:
شتتوك يا شعبي
شعبوك يا شعبي فلملم أطرافك توحد
احسبا صح
ونبه حواسك للجاي
سد الفرق
رتب أمورك من جديد
وأبدا العد ما تغفل
الرقراق في قطيتك كتر وداير ليه سد
ونحن بنسد
دايرين سودان موحد ومتحد
التمسك بتراب البلد
يقول عنه الشاعر مدني النخلي لـ (لتغيير): مثل عركي هو من يحتاج إلى دفعة معنوية الآن، وهو يقدم أكثر مما قدمناه. “البخيت” مَثل موقفا شهما، وهو يتمسك بتراب البلد، ويبقى وسط الناس في وقت الحرب.
ويضيف مدني: “عركي فنان وكذلك كابلي ومصطفى وهم متعددو المواهب، لكن البعض الآخر لم يصل لمرحلة الفنان مع أن لديهم صوتاً جميلاً، لكن حينما تظهر المواقف، ويحتاج الوطن إليهم يكونوا بعيدين، وهذا اختيارهم لكن عركي اختار الإنحياز للناس والبلد والأرض وترابها، وهذا يعبر عن الفنان الملتزم، الجميع يجب أن يكتب ويغني ويصفق لأبو عركي البخيت”.
المصدر: صحيفة التغيير