فتوى عبد الحي يوسف بقتل «حواضن الدعم السريع».. هل تحوله لمجرم حرب؟!
تأتي خطورة فتوى عبد الحي يوسف الأخيرة في سياق الحرب الحالية بما يعرف بـ”التحريض” لقتل المدنيين.
التغيير نيروبي: أمل محمد الحسن
راجت ردود فعل واسعة حول فتوى اعتبرها البعض “مثيرة للجدل” من الداعية السوداني عبد الحي يوسف أجاز فيها قتل المدنيين عبر قصف الطيران، لجهة أن الأسلحة الحديثة لا تفرق بين رجل أو امرأة أو طفل كما اعتبر البعض أن الفتوى مقصود بها إجازة قتل ما يعرف بـ”حواضن الدعم السريع”.
وقال يوسف في فتواه: إذا حصل القصف مقصوداً به أولئك البغاة الظالمين ومن لاذ بهم ممن يؤيدهم ويشجعهم على سوء فعالهم فقُتل في ذلك القصف من لم يقصدوا قتله فإنه لا حرج عليهم في ذلك؛ بناء على ما قرره أهل العلم أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالا؛ خاصة إذا علمنا أن الأسلحة المستخدمة في الحروب الحديثة لا تفرق بين صغير وكبير ولا بين رجل وامرأة.
محامية جنائية دولية: يمكن مساءلة أي فرد عن التحريض على ارتكاب جرائم ضد القانون الإنساني الدولي
تحريض على الإبادة
لم تكن هذه الفتوى هي الأولى المثيرة للجدل لعبد الحي يوسف المحسوب على بطانة النظام السوداني البائد، فقد أفتى سابقاً بقتل بعض السياسيين من قوى الحرية والتغيير وإسقاط الجنسية من بعضهم في برنامج تلفزيوني، كما كان متهما بأنه هو مصدر الفتوى التي قال الرئيس المعزول عمر البشير إنها منحته الإذن بقتل ثلثي الشعب السوداني إبان ثورة ديسمبر إلا أنه نفى ذلك في حوار أجري معه على موقع قناة الجزيرة.
تأتي خطورة فتوى عبد الحي في سياق الحرب الحالية بما يعرف بـ”التحريض” لقتل المدنيين. ووفق المحامية الجنائية الدولية ليندا بور فإنه يمكن مساءلة أي فرد عن التحريض على ارتكاب جرائم ضد القانون الإنساني الدولي: “لقد رأينا هذا في رواندا حيث تم إدانة أفراد من خدمة البث RTLM بالتحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية”.
وقطعت بور بضرورة تحليل كل حالة بناء على الوقائع وحالة الفرد والدور الذي لعبه وما إذا كانت أفعاله أدت بشكل مباشر إلى ارتكاب جريمة، قائلة إنه يجب أخذ كل ذلك في الاعتبار عند تحديد العواقب القانونية.
باحث في “العفو الدولية”: الهجمات العشوائية التي تقتل وتجرح المدنيين تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وهي محظورة
انتهاك القانون الدولي
من جانبه، أكد الباحث في شؤون السودان والصومال بمنظمة العفو الدولية عبد الله حسن، أن العسكريين مطالبين بالتمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية في “جميع الأوقات”، مشددا على أن الهجمات العشوائية التي تقتل وتجرح المدنيين تشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي وهي محظورة.
واتفقت بور مع ما ذهب إليه الباحث في منظمة العفو الدولية حول أن القانون الدولي يحظر بشكل “صارم” الهجمات العشوائية ضد المدنيين.
وقالت في مقابلة مع (التغيير)، إن قصف المناطق التي يلجأ إليها المدنيون يعتبر انتهاكاً لهذه القوانين، كما أكدت أن تواجد قوات الدعم السريع في المناطق التي يلجأ إليها المدنيون يعتبر أيضاً انتهاكاً للقوانين.
وأضافت المحامية الجنائية الدولية شارحة ما وصفته بمبدأ “التناسب” الذي يجبر أطراف النزاع على تقييم الميزة العسكرية الملموسة والمباشرة مقارنة مع الضرر الذي سيلحق بالمدنيين عند شن الهجوم.
وأشارت إلى ضرورة احترام الجيش السوداني هذا المبدأ عند شن هجوم بالطائرات وحال لم يكن متناسباً فلا ينبغي عليه تنفيذ ذلك الهجوم.
وحول حديث عبد الحي يوسف القائل بأن الأسلحة الحديثة لا تفرق بين رجل وامرأة وطفل أكدت المحامية الجنائية الدولية ليندا بور أن هذا التبرير ليس دفاعًا قانونيًا صالحًا، مشددةً على أن القانون الدولي الإنساني يحظر قصف المناطق المدنية.
بروفيسور في علم الاجتماع والانثروبولوجيا: مصطلح حواضن خاطئ وغير دقيق
مصطلح غير دقيق
منذ اندلاع الحرب تتم الإشارة إلى المواطنين من أقليمي دارفور وكردفان بصفة “حواضن” الدعم السريع، الأمر الذي وصفه أستاذ علم الاجتماع والانثروبولوجيا البروفيسور منزول عسل بالخاطئ وغير دقيق.
وقال لـ(التغيير) إن عبارة حواضن تعني جهات مفرخة وداعمة، مشيراً إلى سيطرة قوات الدعم السريع على بعض مناطق العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة “لا يمكن أن تسمى هذه حواضن الدعم السريع”.
ووصف أستاذ الانثروبولوجيا، الناس في مناطق سيطرة الدعم السريع بأنهم لا حول ولا قوة لهم، مستنكرا تحميلهم وزر أعمال الدعم السريع.
ووصف عسل، فتوى عبد الحي يوسف بـ”الخطيرة جداً”، معتبراً إياها تحريضاً على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
وأضاف: “يمكن للدعم السريع أن يستخدم نفس الفتوى لضرب المدنيين في مناطق سيطرة الجيش!”. وطالب منزول عسل باتخاذ إجراءات قانونية ضد عبد الحي يوسف حتى يتوقف عن استخدام الدين في التحريض على القتل.
مستور آدم: محاولات استغلال الخطاب الديني في الحرب الحالية لم تنجح لأنها تتطلب حجة مقنعة
خطاب الدعاية الحربية
بدوره، قال المختص في علم الاجتماع، القيادي بحزب المؤتمر السوداني مستور آدم، إن المقصود بالحواضن في خطاب الحرب الدائرة الآن، هي المجتمعات التي ينحدر منها قيادات وجنود من الدعم السريع خاصة في دارفور وكردفان، وبالتحديد المجموعات ذات (الأصول العربية).
وأضاف لـ(التغيير): “على الرغم من وجود مجموعات أخرى ذات أصول غير عربية (مهما صغر أو كبر حجمها) بالدعم السريع ولكن حتى يتجانس خطاب الدعاية الحربية القائم على فكرة الحواضن الاجتماعية وعرب الشتات مع تبرير استهداف هذه المجموعات والانتهاكات التي تمارس ضدها”.
وأشار مستور إلى تدرج الاستهداف من المضايقات والاعتقالات ومنع إصدار الوثائق الثبوتية والبلاغات والتصفيات على الأساس الإثني والجغرافي بحجة التعاون مع الدعم السريع، إلى استهداف هذه المجتمعات بصورة أكثر عنفاً بواسطة الطيران الحربي مصحوباً بحملة إعلامية منظمة تهدف إلى تغطية هذا الاستهداف بحجة تواجد الدعم السريع في المناطق والمرافق المستهدفة، وأكد أن الواقع يكذب هذا الإدعاء فالضحايا هم مدنيون عزل غالبتهم من النساء والأطفال.
ونوه مستور إلى أن الدافع الأساسي هو زعزعة استقرار هذه المجتمعات لكونها مناطق سيطرة الدعم السريع، كما كان يحدث سابقاً عندما تم استهداف مناطق ومجتمعات في دارفور وجنوب كردفان بشكل إثني بحجة أنها حواضن للتمرد.
استغلال الخطاب الديني
ونبه مستور في حديثه لـ(التغيير)، إلى أن هنالك محاولات منذ بداية الحرب لاستغلال الخطاب الديني لإسباغ مشروعية اجتماعية ودينية على هذه الحرب وتبرير الانتهاكات كما حدث سابقاً في ظل نظام البشير، وقال: “لكن هذا المحاولات لم يكلل لها النجاح لجهة أنها تتطلب حجة مقنعة تساهم في التعبئة الدينية ضد الدعم السريع، وهذا غير متاح، ولهذا السبب تمت تسمية الحرب على أنها حرب كرامة، على الرغم من أن المجموعات والكتائب الإسلامية التي تحارب إلى جانب القوات المسلحة حاولت أن تستعيد إرثها السابق في حرب الجنوب، مع إصدار عدد من الفتاوى التي حاولوا من خلالها تحويل خطاب الحرب إلى خطاب ديني. فالدعم السريع ليس الحركة الشعبية ولا يتبنى مشروع فكري وسياسي كمشروع السودان الجديد، وعليه من الصعوبة بمكان أن يصمد أي خطاب ديني يوجه ضده، تماماً كما فشل الخطاب الديني ضد الحركات المسلحة التي اتخذت من دارفور منطلقاً لعملياتها ضد نظام الإنقاذ”.
عبد المحمود أبو: لا يوجد أي مسوغ شرعي ولا قانوني ولا أخلاقي لقصف الحواضن الاجتماعية للدعم السريع لا قصداً ولا بالتبعية
الحرب فتنة
من جهته، نفى الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار عبد المحمود أبو، نفياً قاطعاً وجود أي مسوغ شرعي ولا قانوني ولا أخلاقي، لقصف الحواضن الاجتماعية لا قصداً ولا بالتبعية التزاماً بالمحافظة على حرمة النفس الإنسانية ومراعاة حقوق الإنسان.
وقال أبو معلقاً على فتوى يوسف، إن الحرب الدائرة في السودان الآن فتنة واجب العلماء العمل على إيقافها لا تشجيعها أو دعم أحد طرفيها.
وأضاف: حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاشتراك في الفتنة ومن استطاع أن يعتزلها فهو خير له؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي. من يستشرف لها تستشرفه، فمن استطاع أن يعوذ بملجأ أو معاذ فليفعل)).
وأكد أبو أن المحافظة على الحياة من أوجب الواجبات الشرعية، ولا يجوز قتل الإنسان بالشبهة أو التبعية أو معاقبته بفعل غيره “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
ووصف الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار الحرب بـ”المدمرة” وخلفت مآسٍ ومفاسد الواجب الشرعي إيقافها والضغط على المسؤولين عنها لإيقافها لا تشجيعها أو الانحياز لأحد طرفيها.
وقال أبو لـ(التغيير)، إن الواجب الشرعي يتمثل في مطالبة طرفي الحرب بحماية المدنيين ومنع تعرضهم للقصف ورفض نقل ساحات القتال للمدن والقرى ومناطق تجمعات المدنيين.
وشدد عبد المحمود أبو على أن الفتوى في القضايا التي يتعدى ضررها تحتاج إلى تكييف شرعي للواقع ومراعاة المآلات والمفاسد والمصالح والموازنة بينها، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
المصدر: صحيفة التغيير