اخبار المغرب

تكريم “أنغوليم” يعكس تنافسية الصناعة السينمائية المغربية في شمال إفريقيا

يعتبر نقاد سينمائيون أن تكريم السينما المغربية في مهرجان الفيلم الفرنكفوني المقام بمدينة أنغوليم الفرنسية، يُترجم التقاط المنظمين للتطوّر الذي يبصم عليه المشهد السينمائي الوطني خلال السنوات الأخيرة بوتيرة جعلت السينما المغربية تتبوأ “مكانة متميّزة” على المستوى المغاربي والعربي.

النقاد الذين تحدثوا لهسبريس أوضحوا أن تنافسية الصناعة السينمائية المغربية مع نظيراتها في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تقوّت بفعل نزوع المخرجين المغاربة نحو طرق مواضيع جديدة وتبني تقنيات عالمية في الإخراج، إلا أنهم يتمسكّون بإبداء ملاحظات لا غنى عنها لرفع أسهم هذا المنتج “في مقدمتها مضاعفة حصة أفلام سينما المؤلف ومحاصرة ثقافة الرهان على شباك التذاكر”.

إقرار بالتطوّر

لحسن نرايس، ناقد سينمائي مغربي، قال: “بصرف النظر عن حجم مهرجان أنغوليم، إلا أن تكريمه للسينما المغربية هو دليل على إدراك منظميه للتطوّر الكبير الذي بصم عليه الفيلم المغربي خلال السنوات الأخيرة، بفعل معالجته مواضيع جديدة وغير مطروقة، كانت إلى حد قريب تثير نوعا من الحساسية الثقافية لدى الجمهور، بتقنيات مبتكرة على مستوى الإخراج، ممهورة بأداء متميّز من قبل ممثلين ذوي تجربة غنية وآخرين شباب أبانوا عن قدرات تمثيلية عالية، وكذا بفعل استفادته من توالي نجاح الكثير من النساء المغربيات وراء الكاميرا في تقديم أفلام جديرة بالتقدير والالتفات”، مشيرا إلى أن “هذا التطوّر أهّل الفيلم المغربي لكي يتبوأ مكانة متميّزة في خارطة الإنتاج الفيلمي بالمنطقة المغاربية والعربية والإفريقية”.

وأكد نرايس، في تصريح لهسبريس، أن “نهضة الفيلم المغربي واقع لا يمكن إنكاره، ومهرجان أنغوليم هو فرصة مهمة لكي يتم تسويق هذه النهضة في أوساط الجالية المغربية والمغاربية والعربية المتواجدة بأعداد كبيرة جدا في هذه المدينة وغيرها من المدن الفرنسية”، معتبرا أن “انتقاء 15 فيلما مغربيا للعرض في هذا المهرجان، لا ينطوي البتة على أي مفاجأة، طالما أنه يأتي في سياق نجاح الفيلم المغربي في الوصول إلى مهرجانات عالمية كمهرجان كان والبندقية وبرلين، بل وحيازة جوائز بها”. وزاد: “هذا دون إغفال قدرته على حجز موطئ قدم بالمهرجانات المقامة بالفضاء الشمال إفريقي كمهرجان القاهرة أو قرطاج، ما يضاعف فرص التعريف به وتسويقه”.

وشدد نرايس على أن “هذه المناسبة لا يجب أن تستغل للدفع بوجود نهضة سينمائية إجمالا، لأن مقوّمات هذه النهضة تتجاوز تطوّر الأفلام المنتجة على مستوى الحضور والجوائز وغيرها، بل تتطلب أيضا تقوّية الصناعة السينمائية التي مازالت في المغرب مرتهنة إلى دعم الدولة، وتجاوز الخلل العميق على مستوى التوزيع الذي يواجه هذه الصناعة؛ حيث إن أغلب الأفلام المغربية لا ترى إلا في المهرجانات، بسبب قلة القاعات السينمائية”، موردا أن “هذه القاعات على تقلّص عددها تشكو عموما تدهورا لنسب الإقبال خلال الثلاثين سنة الماضية، رغم أنه ينبغي هنا الإقرار بتنامي ثقافة المشاهدة لدى ساكنة المدن الصغيرة رغم كونها تنصب أساسا على الأفلام القصيرة”.

وأكد المتحدث ذاته في ختام تصريحه أن “هناك تحديّات كبيرة تحتاج التجاوز حتى نقول إن هناك نهضة للسينما المغربية، منها إعادة النظر في طريقة الدعم السينمائي الممنوح من طرف الدولة، بحيث من غير المعقول تقديم 56 سيناريو للترشيح في حين تستفيد أربعة منها فقط من الدعم”، مشيرا إلى أن “النقد السينمائي بدوره يبقى محط إشكال، إذ لا يواكب بقوّة وبعمق تطوّر الأفلام المغربية من جهة، ولا يلفت بالشكل الكافي إلى التحديات المطروحة أمام الصناعة السينمائية المغربية من جهة أخرى”.

“ترجمة للنهضة”

من جهته، شدد أحمد سيجلماسي، ناقد سينمائي مغربي، على أن “تكريم السينما المغربية في مهرجان أنغوليم يترجم بالفعل سير المغرب على خطى تحقيق نهضة سينمائية. ويظهر التكريم أيضا من خلال انتقاء وعرض عينة من الأفلام المغربية، بدءا بالفيلم متوسط الطول [الابن العاق] (1956) لأب السينما المغربية محمد عصفور، إلى آخر أفلام نبيل عيوش، وهو ما يعطي صورة للجماهير الفرنسية والمنتمية إلى الجالية المغربية والعربية على التنوّع الذي تتميز به الأفلام المغربية”، رغم تمسكّه خلال حديثه لهسبريس بملاحظة حول “وجود غلبة للأفلام التي يحضر فيها البعد الفرنكفوني على الأفلام المغربية المعروضة”.

وأضاف سيجلماسي أنه “بصرف النظر عن النوع الطاغي على هذه الأفلام، فإن عرض 15 فيلما مغربيا يفتح الأفق أمام الجمهور للإطلاع على ما وصلت إليه الصناعة السينمائية المغربية من تطوّر وتمكن على مستوى أدوات التعبير السينمائي”، موردا أن “وضع هذا التطور في سياقه المغربي، يقتضي استحضار معياري الكم والكيف. فمن الناحية الكمية نستحضر أنه خلال السنتين الماضيتين أنتج المغرب ما يصل إلى 31 فيلما طويلا في السنة، وهو رقم قياسي تجاوز إنتاج كل من دولتي تونس والجزائر. أما من ناحية الكيف، فالسينما المغربية تميّزت مغاربيا وعربيا وإفريقيا بعدما نجحت في تنويع مواضيعها وثيماتها، مدعومة بتنوع رؤى المخرجين الذين ينتمون إلى أجيال مختلفة”.

وتابع: “هنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى مجموعة من المخرجين الشبان والشابات الذين أصبحوا يبهروننا بأفلامهم على مستوى التقنيات الإخراجية العالمية، ومن بينهم مثلا صوفيا العلوي وجيهان البحار وليلى التريكي وأسماء المدير والقائمة طويلة”، و”هذا ليس إغفالا لدور الرواد في هذا الإطار، ومنهم مصطفى الدرقاوي الذي سيعرض خلال هذه الدورة من مهرجان أنغوليم فيلمه الطويل الروائي الأول [أحداث بلا دلالة] المنتج سنة 1974”.

غير أن المتحدث ذاته لفت بدوره إلى أن “هذه النهضة ما تزال أمامها تحديّات كبرى تعوق تنافسية الصناعة السينمائية المغربية مع مصر على سبيل المثال، إذ ما زال هناك طغيان للأفلام الكوميدية على باقي الأنواع، مع انحسار لحضور أفلام سينما المؤلف، عدا عن رداءة العديد من المنتوجات السينمائية المغربية بسبب مراهنة أصحابها على شباك التذاكر، لأنهم لا يتوفرون على أرضية ثقافية صلبة تؤهلهم لأن ينتجوا أعمالا ذات قيمة فنيّة وفكرية مشرفة، سواء حازت الدعم السينمائي أو كانت بإنتاج ذاتي”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *