اتهامات تلاحق مسؤولين في برنامج الأغذية بالتستر على دور الجيش السوداني في عرقلة المساعدات وتضليل المانحين
وتعد الوكالة الأميركية للتنمية أكبر مانح منفرد للبرنامج إذ تقدم ما يقرب من نصف المساهمات سنويا.
وجاء في بيان الوكالة أن “هذه الاتهامات تثير قلقا بالغا ويجب إجراء تحقيق شامل فيها … وأن الوكالة الأميركية للتنمية أحالت الاتهامات على الفور إلى مكتب المفتش العام للوكالة”.
ويأتي التحقيق في وقت حرج بالنسبة إلى برنامج الأغذية العالمي، الذي يصف نفسه بأنه أكبر منظمة للمساعدات الإنسانية في العالم. وفاز البرنامج بجائزة نوبل للسلام عام 2020 لدوره في مكافحة الجوع وتعزيز السلام.
ويكافح البرنامج الجوع الحاد على جبهات متعددة. ويسعى إلى جمع 22.7 مليار دولار من التمويل لمساعدة 157 مليون شخص من بينهم نحو 1.3 مليون شخص على شفا المجاعة، معظمهم في السودان وقطاع غزة وأيضا في دول مثل جنوب السودان ومالي.
وإلى جانب توزيع المواد الغذائية يعمل البرنامج على تنسيق وتقديم الدعم اللوجستي لحالات الطوارئ الكبيرة في مختلف أنحاء العالم بالتعاون مع منظمات إنسانية أخرى.
◄ بعض مسؤولي الإغاثة صرحوا إنهم يخشون الإدلاء بتصريحات علنية تنطوي على اتهامات، خوفا من أن يطردهم الجيش من بورتسودان ويمنعهم من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها حيث يشتد الجوع
وفي السنوات القليلة الماضية واجهت عمليات البرنامج مشاكل كبيرة بسبب سرقة المساعدات الإنسانية أو استخدامها في أغراض أخرى في بلدان مثل الصومال واليمن. وفي العام الماضي علّق البرنامج والوكالة الأميركية للتنمية الدولية توزيع الغذاء في إثيوبيا عقب صدور تقارير حول سرقة المساعدات الإنسانية على نطاق واسع هناك.
وقال أكثر من ستة أشخاص من العاملين في المجال الإنساني والدبلوماسيين لرويترز إنهم قلقون من أن سوء الإدارة في مكتب برنامج الأغذية في السودان ربما ساهم في الإخفاق حتى الآن في توصيل مساعدات كافية خلال الحرب الدائرة منذ أكثر من 16 شهرا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويأتي التحقيق بعد أسابيع من تأكيد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مبادرة فنية دولية معنية بقياس مستويات الجوع، أن المجاعة تفشت في موقع واحد على الأقل في منطقة دارفور بالسودان. وصنفت المبادرة 13 منطقة أخرى في أنحاء البلاد على أنها معرضة لخطر المجاعة. وتقول إن أكثر من 25 مليون شخص أو أكثر من نصف سكان السودان يواجهون مستويات حرجة من الجوع أو أسوأ.
وفي أبريل الماضي ذكرت رويترز أن الأشخاص في بعض مناطق البلاد اضطروا إلى تناول أوراق الشجر والتراب في مسعى للبقاء على قيد الحياة. وفي يونيو أظهر تحليل أجرته رويترز لصور التقطتها أقمار صناعية أن مساحات المقابر تتسع بسرعة في ظل انتشار الجوع والمرض.
ويقول موظفو الإغاثة إنهم يواجهون صعوبة في توصيل الإمدادات، ويرجع ذلك جزئيا إلى القيود اللوجستية والقتال. لكنهم يشيرون أيضا إلى أن هناك سلطات مرتبطة بالجيش أعاقت وصول المساعدات عبر حجب التصاريح والموافقات اللازمة للانتقالات.
وذكرت أربعة مصادر مطلعة أن من النقاط التي يشملها التحقيق أيضا شكوكا في أن موظفين كبارا في برنامج الأغذية بالسودان ربما ضللوا الجهات المانحة، بما في ذلك الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من خلال التهوين من شأن ما تردد عن دور للجيش السوداني في منع تسليم المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وقال مصدران مطلعان على التحقيق إنه في إحدى الحالات في يونيو الماضي أخفى عثمان، نائب مدير البرنامج، عن الجهات المانحة أن سلطات متحالفة مع الجيش في بورتسودان رفضت منح تصاريح لخمس عشرة شاحنة كي تنقل مساعدات أساسية إلى نيالا بولاية جنوب دارفور حيث تواجه بعض المناطق خطر المجاعة. وانتظرت الشاحنات سبعة أسابيع قبل أن يتم منحها الإذن أخيرا بالتحرك.
◄ من بين الذين يخضعون للتحقيق نائب مدير البرنامج في السودان خالد عثمان الذى جرى تكليفه بـ”مهمة” خارج السودان
وذكرت ثمانية مصادر أن عثمان، الذي تمت ترقيته داخل مكتب برنامج الأغذية في السودان بسرعة غير عادية، كانت له علاقات على مستويات عالية بالجيش. وتحكم عثمان في حصول زملائه في البرنامج على تأشيرات لدخول السودان، ما سمح له بتقييد وصول الإمدادات والحد من التدقيق في إدارة الجيش للمساعدات، وفقا لثلاثة مصادر مطلعة.
وفي رد مكتوب على أسئلة لرويترز قال برنامج الأغذية إنه اتخذ “إجراءات سريعة” لتعزيز عملياته في السودان بسبب حجم التحديات الإنسانية وبعد تأكيد التصنيف المرحلي المتكامل تفشي المجاعة في دارفور. وأضاف أنه بدأ “إجراءات توظيف فورية لضمان سلامة واستمرارية عملياتنا المنقذة للأرواح”.
واندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023. ودفعت أكثر من 10 ملايين شخص إلى النزوح من ديارهم، ما تسبب في أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم فضلا عن تفاقم الجوع وارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال وتفشي أمراض مثل الكوليرا.
وتعمل وكالات تابعة للأمم المتحدة انطلاقا من بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، حيث انتقلت الحكومة المتحالفة مع الجيش بعد فقدان السيطرة على معظم العاصمة الخرطوم في وقت مبكر من الحرب.
واشتكى برنامج الأغذية ووكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة من أن صعوبة الانتقالات ساهمت في عدم قدرتهما على الوصول إلى المحتاجين، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع مثل الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان. لكن وكالات الإغاثة تجنبت إلى حد كبير إلقاء اللوم على أي من طرفي الصراع علنا.
وردا على طلب للتعليق على دور الجيش في أزمة الجوع، قال المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية نبيل عبدالله إن الجيش يبذل قصارى جهده من أجل تسهيل المساعدات “لتخفيف معاناة شعبنا”.
كما قال متحدث باسم قوات الدعم ردا على أسئلة إن التحقيق خطوة جيدة ويجب أن يشمل جميع المساعدات الإنسانية.
وفي الأول من أغسطس الجاري قالت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إن الحرب، وما ترتب عليها من قيود على توصيل المساعدات، كانت السبب الرئيسي في بروز أزمة الغذاء في السودان.
وصرح بعض مسؤولي الإغاثة إنهم يخشون الإدلاء بتصريحات علنية تنطوي على اتهامات، خوفا من أن يطردهم الجيش من بورتسودان ويمنعهم من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها حيث يشتد الجوع.
المصدر: صحيفة الراكوبة