هل يختبئ مجلس المنافسة خلف حرية الأسعار لتبرير عجزه عن مواجهة الغلاء؟
تشهد الأسواق المغربية منذ أشهر، استمرار موجة الغلاء التي تهلب مختلف السلع والخدمات الأساسية، مما يضغط على القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من معاناتهم اليومية، في مواجهة هذا الوضع، تتعدد الآراء والأسباب التي تساق لتفسير هذه الظاهرة، حيث تلجأ العديد من الجهات المسؤولة إلى تبرير ارتفاع الأسعار بآليات السوق وقوى العرض والطلب.
ويتساءل عدد من المواطنين والمتتبعين، ما إذا كان يمكن الاكتفاء بهذا التبرير النظري في ظل المعاناة المتزايدة للمواطنين؟ وهل حقًا لا توجد حلول يمكن أن تقوم بها الجهات المسؤولة للحد من هذه الارتفاعات التي تبدو في بعض الأحيان مبالغًا فيها؟
في هذا السياق، يأتي دور مجلس المنافسة كجهة حكومية مسؤولة عن ضمان حماية المنافسة العادلة وحرة في الأسواق، هذا الدور الحيوي للمجلس ينبع من اعتباره الركيزة الأساسية لاقتصاد السوق، حيث أن المنافسة الشريفة تساهم في خفض الأسعار وتحسين جودة المنتجات والخدمات، وهو ما يجعلنا نتساءل عن أدوار هذا المجلس وهل يقوم بأدواره على أكمل وجه في مواجهة هذه التحديات؟
مراقبة السوق
في هذا السياق، أكد المحلل الاقتصادي، ياسين أعليا، أن السوق المغربية تخضع لمنطق العرض والطلب، حيث إن الدولة قامت بتقنين أسعار منتجين فقط، وهما الغاز والسكر، بينما تخضع باقي المواد لحرية التسعير.
وأوضح أعليا، أن دور مجلس المنافسة لا يتمثل في تحديد الأسعار، بل يشمل مراقبة السوق ومعاقبة المخالفين الذين يتلاعبون بالسوق، سواء من خلال الاتفاق على نفس سياسة الأسعار بين الفاعلين أو تقسيم السوق جغرافياً، كما حدث في سوق المحروقات.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن دور المراقبة ليس مقتصراً على مجلس المنافسة فقط، بل يشمل أيضاً الجهات الرقابية الأخرى، نظراً لأن المضاربات غالباً ما تتم خارج عملية التسويق الأساسية، مقدما مثالا بقطاعات الخضر والدواجن، حيث تتعرض المنتجات لمضاربات متعددة قبل وصولها إلى المستهلك النهائي، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف وارتفاع الأسعار.
السوق السوداء
وحمل أعليا وزارة الداخلية مسؤولية غياب التنظيم على مستوى الأسواق الداخلية، كونها المسؤولة عن أسواق الجملة، موضحا أن جزءاً كبيراً من عمليات البيع والشراء يتم خارج الإطار القانوني، حيث تمر حوالي 60٪ من المنتجات عبر الأسواق الرسمية، بينما يُباع الباقي في السوق السوداء، مما يساهم في ارتفاع الأسعار.
وأكد المتحدث ضمن تصريح لجريدة “” أن تأثير المضاربات يظهر بشكل واضح عند قلة العرض، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، خصوصاً عندما يقوم المضاربون بتخزين المنتجات واحتكارها لرفع الأسعار عند تأكيد وجود نقص في السوق، كما حدث في سوق الدواجن.
وفيما يتعلق بإعادة هيكلة الأسواق، أشار المحلل إلى تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي أكد حاجة الأسواق المغربية إلى إصلاحات جذرية، إلا أنه رغم وجود دراسات تحليلية لبنية السوق، فإن توصياتها لم تُترجم إلى تنظيم فعلي، مما أدى إلى زيادة سيطرة القطاع غير المهيكل على الاقتصاد الوطني.
الافتقار للصلاحيات
وأوضح أعليا أن مجلس المنافسة، رغم دوره في الكشف عن الممارسات غير القانونية داخل السوق، إلا أنه يفتقر إلى الصلاحيات الكاملة لفرض العقوبات على الشركات المخالفة، خصوصاً في القطاع غير المهيكل الذي يظل خارج نطاق سيطرة المجلس، مؤكدا أن هذا الوضع يتطلب إدماج القطاع غير المهيكل في الإطار القانوني المنظم، بحيث تتم جميع العمليات الاقتصادية ضمن هذا الإطار.
ودعا المتحدث ذاته، إلى ضرورة تطوير دور مجلس المنافسة ومنحه استقلالية تامة في اتخاذ القرارات وفرض العقوبات على الشركات المتلاعبة، مستشهداً بقطاع المحروقات الذي يظل خاضعاً للتلاعب رغم تقارير المجلس الذي يرأسه أحمد رحو، مسجلا في المقابل، أن الأسعار المطبقة في المغرب، “مرتفعة وغير متوافقة مع نظام المقايسة، مما يبرز الحاجة إلى إصلاحات عاجلة لضمان دور فعّال للمجلس في حماية السوق والمستهلكين.
تحرير الأسعار
وفي سياق متصل، اعتبر المحلل الاقتصادي، بدر زاهر الأزرق، أن مجلس المنافسة يقوم بدوره في مراقبة السوق من زوايا متعددة، موضحًا أن الهدف الأساسي اليوم هو العمل على تحرير الأسعار، باستثناء بعض المواد الأساسية التي تخضع للتقنين بموجب القانون، نظرًا لأنها مدعومة من الدولة، مثل أسعار غاز البوتان وبعض السلع الأخرى.
وأضاف الأزرق ضمن تصريح لـ “العمق” أن باقي المواد تظل خاضعة لقانون العرض والطلب، مما يعني أن تدخل مجلس المنافسة يهدف إلى التحقق من وجود أي تواطؤ بين الموزعين والمنتجين، أو من وجود مضاربات يمكن اعتبارها مشبوهة هدفها رفع الأسعار بشكل غير قانوني، مؤكدا أن المجلس يتدخل في حال وجود احتكار غير قانوني، لضمان ممارسات شريفة وحرة وفقًا للقانون المؤطر.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن الأساس في المشهد الاقتصادي المغربي هو تحرير الأسعار، حيث يكون العرض والطلب هو المحرك الأساسي، ومع ذلك، فإن الإقبال الكبير على بعض المواد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وهو ما يعكس ديناميكية السوق.
ورغم أن العرض والطلب هما العاملان الرئيسيان في تحديد الأسعار، شدد الأزرق في نهاية تصريحه على أن هناك ممارسات تتطلب تدخل مجلس المنافسة، مشيرًا إلى ضرورة القيام بإصلاحات حقيقية على مستوى أسواق الجملة، مضيفا أن “تقليص سلاسل المضاربات يعتبر أمرًا حيويًا لضمان تواجد أسعار معقولة تعكس الواقع الاقتصادي بشكل أفضل”.
المصدر: العمق المغربي