حقيقة الجنجويد
د. شهاب طه
في الإرث التاريخي للحضارة الإنسانية تم تعريف الإنسان الناضح العاقل الرشيد على أنه هو الذي لا يغالط في الحقيقة الثابتة وأن يُقر بها ثم بعد ذلك يجوز لكل جاهل وعاجز وراجز أن يشوه تلك الحقيقة كما يحلو له ، ولكن أن يرفض الحقيقة نفسها ، وهي بينة كالشمس ، فذلك هو العته والإنحطاط الأخلاقي الذي ليس بعده أي إنحطاط يسهل وصفه .. والحقيقة المطلقة التي أقصدها ويجب الإيمان بها هي أن مليشيا الجنجويد هي صنيعة كيزانية إسلاموية وظيفتها إنجاز تلك الحرب الكارثية التي نعيش ويلاتها الآن .. والحقيقة الساطعة والتي لا غبار عليها هي أن مليشيا الجنجويد ، ومن المنظور السياسيالعسكري ، هي المليشيا الوحيدة في العالم أجمع التي إنطلقت من مرحلة النشأة الغبية لمرحلة الإنحطاطات الكليّة دون المرور بأي من مراحل النصج والقيّم الأخلاقية ، وبذلك تؤكد أنها منتج متأسلم ، متلثم ، إرهابي تكفيري كيزاني بحت .. فتلك المليشيا ، فإن لم تُشعل تلك الحرب وُتنجز هذا الدمار يكون هناك خللاً فادحاً قد حدث في فكرة تكوينها وخللاً أشد فداحةً قد حدث في منهجية المتأسلمين أنفسهم .
وبذلك تكون الكارثة الأشد نكاءاً وفداحةً وتفاهةً أن تجد هناك من يعتقد أن هؤلاء الجنجويد الأوباش هم حماة الديموقراطية وبمقدورهم هدم وإعادة بناء دولة ٥٦ السودانية على أسس مدنية متحضرة ، وهم في أصلهم بعيدين كل البعد عن الحضارة والتحضر لأن الأنسان السوداني المتحضر ، وبطبعه السمح المسالم المتميز والعالي الرقي ، قد أثبت للعالم أجمع أنه ملهم الثورات السلمية في ٢١ أكتوبر ١٩٦٤م و٦ أبريل ١٩٨٥م و١٩ ديسمبر ٢٠١٨م وحاشاه أن يفكر في التغيير بالسلاح وأن يقبل أن يكون مطية للمتأسلمين ليروضوه ويعجنوه ويشكلوه ويوظفوه تحت مسمى الدعم السريع ليكون أداة بطش وإفناء للزرقة في دارفور وإبدالهم بعرب الشتات ومن ثم حماية نظام حكمهم من الشعب ومن الجيش نفسه الذي جبل على الإنحياز للشعب.
ولذا نجد أن الجهل والغباء لا ينفضحان إلا لحظة مصادمة الحقيقة وللأسف تلك المصادمة عندنا لا تتم في ساحة العراك السياسي النبيل بل فقط في ساحة الحرب الدموية الشعواء الرعناء ، وقد حدث .. فهذا الدمار الشامل الكامل الذي نحن فيه هو الهدف وأصل فكرة النشأة الإسلاموية التكفيرية القائمة على الفهم العاجز والتفسير الخاطيء للآية ٥٤ في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .. صه أيها المغيبون الغاشمين المهللين لمليشيا الجنجويد العاشمين في خير منها وهم كالذي يعشم في جني اللحوم الطيبة من ورك بعوضة أنثى الأنوفليس وهي مفلس وهو أشدّ إفلاساً .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة