أمين الزباخ.. قصة شاب مغربي حظي بالعفو الملكي من تهمة “زراعة الكيف”
وسط منطقة نائية بإقليم شفشاون شمال البلاد يقع دوار المعزَّة المركوز في جبل بوهاشم الذي يشكل حاجزا طبيعيا يفصل الإقليم مترامي الأطراف بإقليمي تطوان والعرائش، يعيش بيت الأم رحمة فرحة غير عادية تتقاسمها الكثير من بيوت الشمال بعد العفو الملكي الذي شمل 4 آلاف و831 شخصا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا متعلقة بزراعة القنب الهندي المتوفرين على الشروط المتطلبة للاستفادة من العفو.
بعد ساعتين ونصف الساعة على متن السيارة، وصلنا إلى منزل أمين الزباخ، أحد الشباب من أبناء دوار المعزة بجماعة تنقوب القروية قادمين من مدينة شفشاون المستفيدين من العفو الملكي، الذي بدا سعيدا بالعفو الذي أنهى معاناته الطويلة مع الفرار من العدالة.
حال أمين كغيره من مئات الشباب الفارين من العدالة بسبب تهمة زراعة “الكيف”، ويلخص جانبا من المعاناة التي تعيشها أسر القرويين في القرى المتناثرة بالجبال الساحرة شمال البلاد.
“الكيف” أو القنب الهندي جزء لا يتجزأ من تاريخ وثقافة المواطنين بهذه المناطق، إذ إن العين لا تخطئ العشبة السحرية أينما ولت والحقول على ضيق مساحاتها تتزاحم فيها “خردالة” و”البلدية” جنبا إلى جنب، على بعد مترات قليلة من بيوت مداشر الإقليم.
فتح أمين قلبه وبيته لجريدة هسبريس الإلكترونية، ليحكي تجربته المريرة مع الخوف المستمر من الاعتقال والكر والفر الذي عاش على إيقاعه لأزيد من ثلاث سنوات وضعت المبادرة الملكية الإنسانية حدا لها.
قصة حزينة
“أنا ضحية شكاية كيدية رفقة 4 أشقاء لي، منا من قضى عقوبة في السجن وأنا بقيت فارا من الاعتقال إلى اليوم”، قال أمين ويده ترتعد من شدة تأثره بالموقف الذي يواجهه، معبرا عن فرحته الكبيرة بالقرار الملكي الذي جعله يشعر بأنه وُلد من جديد.
الشاب، البالغ من العمر 32 ربيعا، يتذكر بحسرة وهو يحكي كيف انقلبت حياته رأسا على عقب بعدما علم أنه موضوع مذكرة بحث، عندما كان يستعد لتجديد بطاقته الوطنية من أجل عقد قرانه على شابة يحبها قبل أن يتوقف كل شيء بسبب التبليغ عنه من طرف شخص يقول إنه طلب منه تقديم رشوة مقابل عدم التبليغ عنه، فرفض قبل أن ينفذ خصمه وعيده له، ويدخله في دوامة لا قبل له بها.
واسترسل أمين موضحا المدة التي قضاها وجلاً يتنقل بين البيت والغابة، وفي أفضل الأحوال ضيفا عند أحد أقاربه في قرية مجاورة، قال أمين: “كنت خائفا أترقب كل مرة يسألون عني، لم أعد أذهب إلى السوق أو أقصد البحر للاستجمام.. حياتي كانت بين الغابة والقرية متخفياً خائفاً”.
وتابع الشاب بعينين دامعتين: “هذه الحكرة لا أحد يمكن أن يقبلها، أنا لم أسرق أو أسيء إلى أي أحد، فقط أرعى مواشٍ وأشتغل في أرضي كسائر سكان أبناء القرية والمنطقة”.
واسترسل الشاب ذاته فرحا: “العفو الملكي أسعدني وخلصني من هذا الهم.. العفو الملكي أسعدني وجعلني أحس بأنني ولدت من جديد، والآن سيصبح بإمكاني زيارة الأصدقاء والسوق والجلوس معهم، واستخراج بطاقتي الوطنية”، التي يحتفظ بوصل إيداعها المؤرخ بتاريخ نونبر 2021.
معاناة الأم رحمة
وقطع الزباخ ابتسامته، وعاد التوتر ليسيطر عليه وهو يروي قصته ومعاناته الشخصية، متذكرا كيف كان يتألم لترك والدته الطاعنة في السن وحيدة في البيت الفسيح، خائفة مترقبة، لسماع خبر اعتقاله.
الوالدة رحمة، بوجه يبدو عليه الحزن والتعب الممزوج بالفرحة، قالت: “قضيت سنوات من العذاب بسبب الوضع الذي كان يعيشه ابني الفار من المنزل.. دائما نرتعد بسبب السيارات التي تمر أمام المنزل”، قبل أن تمطر الملك محمد السادس بالدعاء والشكر على عفوه الكريم.
وأضافت الأم بعدما اغرورقت عيناها: “كنت دائما أرتعد خوفا عليه عندما يبيت في الخلاء هربا من الاعتقال، وأخاف عليه من الأذى وقضينا أكثر من 3 سنوات في الظلام والمعاناة حتى جاء العفو الملكي أطال الله في عمره”، ختمت المرأة العجوز وهي تغالب دموعها.
ترحيب بالعفو
أصداء العفو الملكي على مزارعي الكيف من أبناء إقليم شفشاون كانت حاضرة في السوق الأسبوعي لثلاثاء تنقوب، الذي لم يتردد عدد من المواطنين في التعبير لميكروفون هسبريس عن سعادتهم الغامرة به، معبرين عن عميق شكرهم للملك محمد السادس على عفوه الكريم.
قال محمد النادي، الذي التقته بالسوق، إن المتابعات التي كانت تلاحق الكثير من أبناء المنطقة تجعلهم يعيشون رفقة عائلاتهم “جملة من الضغوط النفسية والاجتماعية التي تصعب حياتهم اليومية، وتحرمهم من القيام بعدد من الأمور العادية والحقوق الطبيعية للإنسان، مثل زيارة السوق”.
وأضاف الشاب، الذي تحدث للجريدة من داخل إحدى المقاهي، أن القرار الملكي سيجدد حياة الكثيرين وينزل السكينة على نفوسهم وأفراد عائلاتهم، لافتا إلى أن سوق اليوم الثلاثاء (20 غشت) سجل ظهور العديد من الوجوه التي غابت عنه لمدة طويلة، معبرا عن شكره للملك على المبادرة الطيبة.
أما الرجل الطاعن في السن، الذي التقته وسألته عن المبادرة الملكية، فرد قائلا: “مبادرة جيدة وفيها أجر كبير؛ لأن الناس كانوا هاربين من عائلاتهم وسيعودون إليهم بعد العفو، والله ينصر سيدنا”، ختم الرجل وهو يبتسم فرحا بالبادرة الملكية.
وبدت أجواء الفرح والانشراح واضحة على وجوه سكان الـ40 قرية التابعة لجماعة تازروت في السوق الأسبوعي، الذي يمثل فرصة أسبوعية للقاء وشراء حاجياتهم من المواد الأساسية والضرورية والسؤال عن أحوال بعضهم البعض، خاصة بعد تزامنه مع العفو الملكي الذي أبهج جل القرى وساكنتها.
دعم لورش التقنين
من جهته، اعتبر المدير الإقليمي للوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي أن العفو الذي أنعم به الملك على صغار مزارعي الكيف يدعم “توسيع قاعدة المنخرطين في مشروع تقنين القنب الهندي في أفق إنهاء جميع أشكال الزراعات غير المشروعة والتخلص من الآثار السلبية التي تفرزها”.
أما كريم محساني، الفلاح بإحدى تعاونيات القنب الهندي بإقليم شفشاون، فسجل أن العفو الملكي شكل “عيدا بالنسبة للمزارعين الفارين من العدالة وكانت لهم مشاكل قانونية، والحياة بالنسبة لهم محصورة في القرية التي يعيشون فيها”.
وأضاف محساني: “بمجرد سماع الدرك الملكي، كان يفر بجلده؛ لأن الزراعة كانت غير قانونية، الالتفاتة الملكية لهذه الفئة من المزارعين التي كانت تمثل الحلقة الأضعف في المعادلة كاملة”.
وأشار الفلاح ذاته إلى أن الإفراج عن المزارعين الصغار سيخلصهم من مجموعة من الهواجس كالسفر والمشاكل الكثيرة التي كانت تعترضهم، متعهدا بالعمل على دمجهم والترحيب بانخراطهم في التعاونيات وسلسلة الإنتاج للاندماج في مشروع تقنين زراعة القنب الهندي والإسهام في تنمية المنطقة.
المصدر: هسبريس