أسئلة عن حرب الكرامة ….. للتمعن وليست للإجابة
مبارك همت
بعدأن أكملت الحرب سنة وأربعة أشهر ، دعونا نرى ما هي حصيلتها وماذا جنينا من الحرب حتى الان ثم بعدها نعرج لموضوع التفاوض وإيقاف الحرب والجدل المتكرر في وقت كنا أحوج ان نكون فيه متحدون ونحن نرى البلاد تنزلق نحو المجهول والضياع . هذه الحرب منذ إندلاعها حتى الأن نجد المواطنين هو الخاسر الاول وضائع فيها بين الموت وأنياب الفقر المدقع والسقوط في مخالب البؤس والشقاء المستمر باستمرار الحرب والنزوح والتشرد. فما عسانا أن نفعل؟
كان ينبغي علينا العمل جميعاً من أجل إيقاف الحرب والتركيز بمرونة وعقلانية في إطار الجهود الرامية لإيقافها لا إشعال جذوتها ؟
فبالنظر الى احصائيات واقعية نجد أن الأرواح التي اُزهقت في هذه الحرب من المواطنين أكثر من ثلاثين الف مواطن وبعض الاحصائيات تشير الى أن العدد تجاوز المائة وخمسون وعدد الجرحى فيها حوالي سبعين الف مواطن حسب بعض التقارير , ناهيك عما فقده المواطن من ممتلكات ، فقد دمرت الحرب المنازل والمصانع والمدارس والجامعات . وقد أصاب الارهاق النفسي غالبية الشعب السوداني الذي أصبح بين مشرد أو نازحين داخل البلاد وخارجها ، ونرى الان المعاناة والانتهاكات تستمر والأحول تذاد سوءاً يوماً بعد يوم ، والشعب ضائع بين مطرقة الانتهاكات التي تقوم بها عناصر الجنجويد وبين سندان مؤيدي استمرار الحرب في وقت عجزت فيه مقدرات الجيش على الحسم السريع للحرب رغم الوعود المتكررة من قادتها بقرب الخلاص والذي نراه بعيدا وفقاً لمعطيات واقع الحال. فما نراه هو تمدد الدعم السريع في البلاد واقتحام واحتلال المدن والقرى يوماً بعد يوم ، وكلما دخلوا قرية او مدينة نشروا فيها الفساد ، وشردوا أهلها وأجبروهم على النزوح ، ومن ثم تبدأ رحلة معاناة المواطنين الذين ينزحون تاركين المكان خوفاُ وهلعاُ ، وفي كثير من الأحيان مجبرين بعد أن يشاهدوا بأعينهم القتل والدمار والخراب ويذوقوا الذل والهوان الذي يتعرضون له . فقد ارتبط وأقترن وجود الجنجويد بوجود الانتهاكات وعدم الأمان فأينما حلوا حل الدمار والخراب وصاحب ذلك النزوح من القرى المحتلة. وتستمر عجلة النزوح من مكان لآخر ، والمواطن المغلوب على أمره لا يجد من يحميه فالجيش عاجز عن حماية المواطنين بما أصابه من ضعف ووهن طيلة الخمسة وثلاثون عاماً التي مضت ، ويقاتل الان بعزيمة وقوة شكيمة جنوده البواسل المرابطون في الميادين ، الذين أنهكتهم الحرب باستمرارها وطول أمدها ، وهؤلاء الجنود قدموا كثير من التضحيات والأرواح فداء للوطن ، نسال الله ان يحفظهم ويتقبل موتاهم شهداء . ونعلم جيداَ أن هؤلاء الجنود يعملون في ظروف معقدة للغاية ، فهؤلاء الجنود فيهم من لم يرى أهله لأكثر من عام ، وهم ويستحقون منا كل التقدير والاحترام ، ويجب أن تقف الحرب من أجل ان لا نفقد مزيد من الأرواح ومن أجل المواطن الذي ليس لديه القدرة على الصبر واحتمال الأوضاع المعيشية الصعبة التي تزداد سوء كل يوم .
وما يقلق منامنا أن رقعة الحرب تزداد والمعناة تزداد معها فكل يوم يمضي نسمع فيه عن مقتل عشرات المواطنين وتدمير المستشفيات والمنازل , وكل ما يمر يوم تزداد الانتهاكات بأنواعها المختلفة فالحرب مقرونة بالانتهاكات أينما اندلعت . فاستمرارها يعني مزيد من الانتهاكات ، فلم نسترخص أرواحنا ونسترخص الدماء؟؟؟
واذا رجعنا للتاريخ واستلهمنا العبر سنجد صعوبة انتصار تمرد على جيش نظامي ، ولكن التمرد يستطيع أن يرهق الجيوش ويضعفها ويرهق البلاد والعباد لسنوات طويلة ، كما حدث بالسودان منذ الاستقلال ، وما يحدث الان ليس ببعيد فاكثر المتشائمين لم يكن يتوقع ان تزداد رقعة الحرب بهذه الطريقة الجنونية ، صحيح أننا كنا نتوقع ان لا تنتهي الحرب في فترة وجيزة كما هي عادة الحروب بالمنطقة رغم الوعود الكثيرة بقرب الانتهاء ، ولكن نجد أن ما حدث بالسودان فاق الخيال والوصف ، ففي فترة وجيزة سقطت المدن ونهبت تماما من قبل الجنجويد والمجرمين الذين وجدوا الأرض خصبة للنهب والسرقة وما يزال الحال كما هو..
والعجب هنا ليس في الحرب نفسها فرغم مرور ستة عشر شهراً منذ أن بدأت الحرب ، مازال الجدال مستمر بين مؤيد للحرب واستمرارها حتى الانتهاء من آخر جنجويدي وبين من يريد أن يسكت صوت البندقية وايقاف الحرب بالتفاوض والحوار من أجل ان تقف هذه المعاناة . دعونا ننظر للموقفين بتمعن موقف الذين يدعون للحرب (بل بس) كما يسميه انصار الحرب وبين موقف المنادون بإيقاف الحرب والمتمسكون بالحل السلمي التفاوضي . ليس هنالك شك ان يتخلل الموقفين نوايا سياسية للطرفين ، وهي التي تتحكم في زمام الأمور بالمد والجزر . لكن دعنا هنا نتطرق للموقفين بنظرة المواطن البسيط الذي استطاع الاعلام التأثير على فكره ورؤيته..
سنبدأ بموقف الذين يرون استمرار الحرب (بل بس) حتى نهاية اخر جنجويدي هو الحل ، هؤلاء كانوا يظنون سهولة القضاء على الجنجويد بما صوره لهم الاعلام والوعود التي تكررت منذ بدء الحرب ، وبدغدغة العواطف والكرامة الإنسانية كما يدعون فما هي نتيجة البل واستمرار الحرب والبحث عن الكرامة الان ؟؟
دعونا نحسبها بصدق وتجرد من كل ما يمللانا من شحن زايد للقطبين (مع وضد)!!! ودون مكابرة واخفاء للحقائق أو التغافل عنها ، في البداية كانت الحرب محصورة في نطاق محدود بالخرطوم ، وعانا منها في تلك الفترة الذين يقطنون بالقرب من المناطق العسكرية ، ولكن بعد اشهر قليلة من بداية الحرب بدأت للمناطق العسكرية تسقط ولكن لم تسقط لوحدها فقد سقطت معها المدن التي اُحتلت منازلها وتم استباحتها من قبل قوات الدعم السريع ولم يتركوا فيها شيئا فأصبحت خاوية على عروشها ، والعجيب في الامر ان حتى اسقف بعض المنازل لم تسلم أيضا من السرقة والنهب !!! ومها بدأت متوالية النزوح ، في بادئ الامر نزح المواطنين الى مناطق طرفية داخل الخرطوم ظننا منهم بأنها امنة ولكنهم لم يهنأوا الا قيلا ، فبعد مدة قصيرة تعرضت معظم المناطق التي نزح اليها المواطنين فنسها للاحتلال وتعرضت للقذف العشوائي واحيانا الاجبار بالنزوح ، فما كان للمواطنين خيار سواء ترك الديار والنزوح الى ولايات قريبة أو الى مسقط راس الاباء و الأجداد ، ولكن لعنة الحرب طاردتهم الى المدن التي نزحوا اليها ، ناهيك عن المعاناة في إيجاد المأوى والمأكل والعلاج بعد ان دمرت معظم المستشفيات ، ونزوح اغلب الكوادر الطبية فرارا من ويلات الحرب . وعلى حسب الاحصائيات المنشورة فقد تسبت الحرب في نزوح أكثر من عشرة مليون مواطن داخليا ناهيك عن النازحين لخارج البلاد ، والذين يقدر عددهم بأكثر من ستة ملايين ، ويعد ذلك من اكثر حالات النزوح التي شهدها العالم , ويتعرض النازحين داخل البلاد وخارجها الى معاناة كبيرة ، وانتشرت الظواهر السلبية التي نتجت من ظروف النزوح والحالة الاقتصادية التي يعني منها النازحين داخليا وخارجيا والغلاء الفاحش وارتفاع معدل التضخم . ونفاد ما كانوا يخدرونه ، واغلب هؤلاء أطفال ونساء ومسنين , بعضهم يعيشون أوضاع غير قانونية في البلدان التي نزحوا اليها واطفالهم عاجزين عن الحصول على التعليم والرعاية الصحية ، وكثيرين يتوسدون العراء ، وقد ذادت المعاناة الان بالأمطار والسيول وقلة المواد الغذائية والوضع ينزر بحدوث مجاعة في كثير من المواقع داخل البلاد بسبب فشل المؤسم الزراعي بنزوح المزارعين من اكثر مناطق الانتاج الزراعي بمشروع الجزيرة ومناطق النيل الأزرق ، وهؤلاء المزارعين تمثل الزراعة مصادر دخلهم الرئيسي ، وهذا يعني انهم سيعانون في مقبل الأيام من انقطاع مصادر دخلهم ، وسيتسبب ذلك في كثير من المشكلات . واذا تركنا امر المواطن المباشر فانظر كم خسرت الدولة والاسر من أرواح غالية وعتاد حربي ، كم خسرت الدولة من بنيتها التحتية من مستشفيات ومباني وكباري وبنيات تقدر بمليارات الدولارات وتزداد الخسائر مع استمرار الحرب .. فكم نخسر كل يوم؟؟
إذا قلنا ان كرامة المواطنين بعد كل هذه الانتهاكات تتطلب التخلص ممن ارتكبوا هذه الانتهاكات بالحرب ، فهل استطاعت الحرب من تحجيم نسبة الانتهاكات؟
هل عاد النازحون الى بيوتهم؟
هل اختفى الموت وأصبحت نسبة الموت في صفوف المواطنين اقل؟
هل خفت معاناة النازحين أم ازدادت؟
هل مازال للمواطن لديه القدرة لمجابهة متطلبات الحياة بعد ان فقد كل ما يملكه ويدخره ؟
هل سألتم أنفسكم كيف يعيش المواطنين الان داخل السودان وفي مناطق النزوح المختلفة مع انعدام الدواء والعلاج والمأوى ؟ هل سألتم أنفسكم يوماً عن كيفية الحياة في معسكرات النزوح التي تفتقد لأقل مقومات الحياة ؟ هل سألتم أنفسكم عن كبار السن وعن النساء والأطفال الذين فقدوا الغذاء والتعليم وحتى الابتسامة من الهم الذي يعيشونه مع اهاليهم؟؟؟صدقوني لو عشنا ساعات مع هؤلاء النازحين ، أو سرنا معهم بالأقدام أيام وليالي ليصلوا لمنتهى اقرب للموت من الحياة في مناطق النزوح لتوارينا خجلا من المطالبة باستمرار الحرب ولو ليوم واحد . يجب ان توقفوا النفخ في نار هذه الحرب التي أحرقت كل شي . والان بعد كل ما حدث ويحدث ، هل سالت أنفسكم كم يوما ستستمر بعد أن انخدعتم في بداياتها بانها أيام معدودات؟؟
هل سألتم نفسكم عن الاثار السلبية التي افرزتها الحرب ومازالت تفرزها؟هل سألتم نفسكم عن حال الجنود وأسرهم؟
هل سألتم نفسكم لِما تم صنع الدعم السريع؟
هل سألتم نفسكم لِما لم تحرر جبال النوبة التي أصبحت دولة داخل دولة؟
هل سألتم نفسكم كيف تضيع البلاد بسبب مجرمين تم تقنينهم وتدريبهم وتجهيزهم فانقلب السحر على الساحر؟
هل سألتم نفسكم يوما هل من أجل بعض الالاف من المجرمين تدمر البلاد بأكملها؟
هل سألتم نفسكم من المناط له بحمايتك؟ ولِما لم يستطع حمايتك؟
هل سألتم نفسكم يوما كيف تحولت مصطلح الحركات المسلحة والمتمردة الى حركات الكفاح المسلح؟
وهل خرجتم قليلا من صندوقكم المغلق الذي فرض على آرائكم بدقة متناهية باستخدام الوسائط المختلفة والاعلام الموجه وسألتم أنفسكم كيف انتهت الحروب في السودان من قبل ، وكيف انتهت في الجارة اثيوبيا وارتريا وفي رواندا وغيرها ؟؟
وأخيرا اسألوا أنفسكم متى ستتوقف هذه الحرب بالدلائل والمعطيات لا بالأماني والأشواق والأحلام ؟
وبعدها اتركوا المكابرة والحماقة التي تتغمصكم وكونوا واقعيين من أجل أن تحافظوا على بلادكم وشعبكم..
اما لو نظرنا لموقف الذين يدعون لإيقاف الحرب ، لماذا دعوا لإيقاف الحرب من بدايتها ، هل تعلم لماذا؟؟ لأنهم سالوا أنفسهم هذه الأسئلة المتوقعة للحرب قبل أن تقع وقد وكانوا حريصين على فهمها ومن ثم الاجابة بصدق ، فصدق ما كانوا يظنون .. وهم يعلمون ان الحرب دمار وخراب وان الحروب وان طال امدها تنتهي بالتفاوض وبتغليب مصلحة البلاد والعباد ، وكانوا يعلمون انه كلما قصر امدها قل انتهاكاتها..
وشرعنا الحنيف علمنا عن كيف يمكن درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى فكون الإنسان يدرأ المفسدة أعظم من كونه يجلب المصلحة التي يتخيلها ويظنها .. والحرب الان مفسدة كبرى لصعوبة حسمها وامتداد رقعتها وتضاعف اثارها السلبية فالحرب طالت كل المواطنين وتحرق في البيوت والمدن وتزهق الأرواح وقد تأذى منها الجميع دون فرز . والاسراع بإيقافها مسؤولية كل سوداني غيور على وطنه ويهمه أمر إيقاف الانتهاكات والاغتصابات والدمار الذي ينتشر كالهشيم في كل انحاء البلاد؟ فالواجب العمل على ايقافها معاً .. وانتهاز الفرص فالفرصة التي تأتي قد لا تتكر والخاسر انا وانت ..
# لا للحرب
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة