“ليس مجرد فيلم”.. ماذا حدث لـ”الملحد” في مصر؟
أثار عدم عرض فيلم الملحد، الذي كان مقررا، الأربعاء، موجة من الجدل في الأوساط الفنية والشارع المصري، بينما ضجّت منصات التواصل الاجتماعي بمنشورات تدعم الفيلم أو تنتقد فكرته.
وكان منتج الفيلم أحمد السبكي، نشر حملة إعلانية تفيد بعرض الفيلم ابتداء من 11 أغسطس، لكن قبل يومين من الموعد المحدد للعرض، قال مخرج الفيلم محمد العدل على صفحته بموقع فيسبوك: “الفكر يتواجه بالفكر مش بالمنع (ليس بالمنع).. والحكم للناس!”.
وتزامن منشور العدل مع منشور آخر لمؤلف الفيلم إبراهيم عيسى على منصة (إكس) قال فيه “ماذا فعل العظيم نجيب محفوظ حين منعوا روايته أولاد حارتنا؟ كتب رواية جديدة.. وماذا فعل العظيم عبد الرحمن الشرقاوي حين منعوا عرض مسرحيته الحسين ثائرا.. كتب مسرحية جديدة”.
وأضاف عيسى “استمرت أولاد حارتنا والحسين ثائرا يقرأها جيل وراء جيل، وعاشت كلماتهم خالدة في الوجدان والعقل.. الفن أقوى من المنع ومن الرصاص، بل ومن الموت. يموت المفكر وتخلد الفكرة. يموت الفنان ويخلد فنه”.
وجاءت منشورات عيسى والعدل عقب حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب السلطات المختصة بعدم السماح بعرض فيلم الملحد، بدعوى أنه “يطعن في الإسلام، ويدعو لنشر الإلحاد، وسط المجتمعات المسلمة”.
وتضاربت الأنباء عن السبب الذي حال دون عرض الفيلم في الموعد المحدد، وطفت على السطح تساؤلات عما إذا كان عدم العرض بسبب قرار من السلطات، أم أنه تأجيل لفترة محددة، سيظهر بعدها بدور العرض.
ويرى الناقد الفني المصري، خالد محمود، أن السبب وراء عدم عرض الفيلم يعود إلى الحساسية التي أثارها اسم الفيلم، إذ يعتبر كثيرون أن اسم “الملحد” يتطرق إلى منطقة شائكة، ومنطقة جدل ديني.
وقال محمود لموقع الحرة، إن مؤلف الفيلم، الكاتب والإعلامي الشهير إبراهيم عيسى، يثير أيضا الحساسية لدى بعض التيارات الدينية والفكرية، خاصة أن بعض أعماله الفنية والأدبية كانت موضع جدل فقهي وفكري كبير.
وأشار الناقد الفني إلى أن الجدل الذي أثير بشأن الفيلم، ربما يكون دفع مؤسسات رسمية للتحقق من محتواه، وما إذا كان سيخلق جدلا دينيا، أو أنه اخترق مناطق محظورة في مسألة الجدل الديني.
ويضم الفيلم عددا من الممثلين أبرزهم محمود حميدة وحسين فهمي وشيرين رضا وصابرين وأحمد حاتم. ويتناول قصة طبيب نشأ في أسرة متدينة، وقرر إعلان إلحاده، ليصطدم بأسرته ومجتمعه.
وأثارت أعمال فنية سابقة لعيسى موجة من الجدل الفكري والفني، مثل فيلمي “مولانا” و”الضيف” ومسلسل “فاتن أمل حربي” ومسلسل “حضرة العمدة”، إذ تناولت كثيرا من المسكوت عنه أو المختلف عليه، في مسائل دينية وفكرية ومجتمعية.
بدوره، يرى الناقد الفني المصري، أحمد سعد الدين، أن عدم عرض الفيلم في الموعد المحدد، سببه “رضوخ الجهات الرقابية للحملة التي أثيرت عن الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وقال سعد الدين، إن الفيلم حاز على إجازة من الرقابة وإجازة بخصوص السيناريو، ونال كل التصاريح المطوبة، وليس من تفسير سوى أن الجهات المسؤولة خضعت لحملات منصات التواصل الاجتماعي، وهذا ينقص من قدرها”.
وأشار إلى أن أكثرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين هاجموا الفيلم قبل عرضه وبالتالي مشاهدته، ليس لديهم مبرر منطقي، لأن الصحيح أن تتم المشاهدة أولا ثم تأتي مرحلة النقد والتقييم لاحقا”.
ويتفق سعد الدين مع محمود على أن أغلب الذين شاركوا أو تفاعلوا مع حملات مواقع التواصل الاجتماعي، انطلقوا من اسم الفيلم واسم مؤلفه.
والأربعاء، كتب العدل، على فيسبوك، معتذرا عن عدم عرض الفيلم، مشيرا إلى أنه لا يدري السبب، منوها إلى أن “الإجابة عند الرقيب على المصنفات الفنية”.
من جانبه، استبعد محمود أن يكون عدم عرض الفيلم جرى بقرار أو تقديرات سياسية أو أمنية.
وأضاف “لا أعتقد أن عدم عرض فيلم الملحد، يعود لأسباب سياسية أو أمنية، لأن إنتاج الفيلم بدأ قبل عامين، وواجه عقبات كثيرة، قبل أن يحصل على الإجازة الرسمية”.
وأردف قائلا “معظم الأعمال الفنية التي جرى منعها من العرض في أوقات بعينها، سُمح بعرضها في أوقات لاحقة، بعدما زالت أسباب المنع أو التقديرات التي أدت للمنع”.
ومع تصاعد الجدل، كتب عيسى على منصة (إكس) “الملحد ليس مجرد فيلم سينمائي، بل هي الدولة المدنية الحديثة، التي ندافع عنها، ونحترم دستورها”.
الملحد ليس مجرد فيلم سينمائي بل هي الدولة المدنية الحديثة التي ندافع عنها ونحترم دستورها . pic.twitter.com/WrVjGQNkMA
ابراهيم عيسى (@Ibrahim_3eissa) August 14, 2024
ومن جانبه، يشير سعد الدين إلى أن تباين التعليقات التي صدرت من بعض صناع الفيلم، أوجد حالة من الارتباك، إذ أشار السبكي إلى أن السبب فني، متعلق بمسألة “المكساج”، ودمج الصوت مع الفيديو، بينما تحدث العدل عن “تعنت من قبل الرقابة”.
وأكد سعد الدين أن كل الحركة الثقافية في مصر ترفض منع الفيلم من العرض، لأن المنع مسألة غير ديمقراطية، ولأنه يحصر الإبداع على تيارات معينة، ولكونه ليس في صالح الحركة الثقافية.
وأضاف “أستطيع أن أقول إن كل المبدعين ضد قرارات المنع، وهناك الآن حملة دعم وتضامن كبيرة مع الفيلم، من قبل كل التيارات الفنية والثقافية”.
ويعود محمود متوقعا أن يتم عرض الفيلم قريبا، مضيفا “في اعتقادي أن عدم عرض الفيلم ربما يكون عائدا لأسباب فنية، ومتى زالت هذه الأسباب، فإنه سيظهر بدور العرض”.
المصدر: صحيفة الراكوبة