اخبار المغرب

مغاربة العالم والدور التنموي

يعتبر الاحتفال “باليوم الوطني للمهاجر” مناسبة سنوية لاستحضار مساهمة مغاربة العالم في تنمية وطنهم الأم باعتبارهم فاعلين رئيسيين للتغيير والتنمية كما أشار إلى ذلك تقرير النموذج التنموي، وذلك من منطلق أهمية تحويلاتهم المالية من العملة الصعبة من جهة، ومن جهة ثانية إشراك الكفاءات العليا منهم في إنجاز المشاريع والبرامج التنموية علاوة على دور هذه الأخيرة في تجويد الرأسمال البشري للمغرب الوطن الأم، وذلك سيرا على نهج التجارب الدولية المقارنة الناجحة والممارسات الفضلى للعديد من الدول في هذا المجال، والتي كان إدراج بُعد الهجرة في خططها الإنمائية سببا من أسباب نجاحها وتألقها عالميا، وتلك من أهم الأسس التي أثارها خطاب الملك محمد السادس في 20 غشت 2022 بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك الشعب والذي جاء فيه “أما فيما يتعلق بإشراك الجالية في مسار التنمية، والذي يحظى بكامل اهتمامنا فإن المغرب يحتاج اليوم لكل أبنائه ولكل الكفاءات والخبرات المقيمة بالخارج، سواء بالعمل والاستقرار بالمغرب أو عبر مختلف أنواع الشراكة والمساهمة انطلاقا من بلدان الإقامة”؛ غير أن بلورة إشراك مغاربة العالم في إنجاح ورش النموذج التنموي الجديد بالمغرب رهين بتوفير جملة من الشروط الإجرائية القائمة أولا على مأسسة الدور التنموي لهذه الفئة، وذلك بالموازاة مع اتخاذ إجراءات فعلية كفيلة بتوثيق الصلة مع كل مغاربة العالم في الخارج.

أولا: مأسسة الدور التنموي لمغاربة العالم

عديدة هي المؤسسات المسؤولة عن تأطير الهجرة في المغرب، إذ لا توجد مؤسسة محددة مسؤولة بشكل مباشر على إدارة الهجرة بكل أبعادها، فعلاوة على دور وزارتي الداخلية والخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج نجد العديد من المتدخلين الآخرين والمؤسسات المكلفة بالهجرة من قبيل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، مجلس الجالية المغربية بالخارج، مؤسسة محمد الخامس للتضامن، المجلس العلمي المغربي بأوروبا وغيرها، وهذه التعددية تضعنا أمام العديد من البرامج المتضاربة والمتعارضة والمكررة أحيانا من جهة، ومن جهة ثانية تخلق نوعا من عدم التكامل وغياب الانسجام بسبب غياب التنسيق غير أن تجاوز هذا المعطى يفرض ضرورة استصدار إطار تشريعي جديد لتقوية فعالية المنظومة المؤسساتية لمغاربة العالم لجعلها قادرة على ضمان إدارة جيدة للهجرة وفي خدمة الأغراض التنموية للدولة ومن ذلك ما يلي:

خلق إطار مؤسساتي خاص بالتخطيط لدمج الهجرة في مسار التنمية:

إن السبيل الوحيد لكسر الحلقة المفرغة بين الهجرة والتنمية في المغرب يتمثل في إنشاء مؤسسة يُناط بها التفكير والتخطيط لتحديد التوجهات الاستراتيجية الكفيلة بالنهوض بدور مغاربة العالم في تطوير وتحديث بلد المنشأ، وهذه التوجهات ستشكل اللبنة الأساسية التي على أساسها يُمكن صياغة برامج وسياسات عمومية خاصة لتعزيز مساهمة مغاربة العالم في البناء للمسار التنموي الجديد الذي يصبوا من خلاله المغرب للريادة الإقليمية في مجالات التكوين، البحث، الابتكار، الطاقة المنخفضة التكلفة، الرقميات، أسواق الرساميل، وجعل علامة صنع في المغرب مندمجة في أسواق الرساميل العالمية.

تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي الحالي الخاص بالجالية:

إن المدخل الثاني لتدارك النقص في ضمان انسجام سياسة الهجرة مع سياسة التنمية بالمغرب يفرض إصدار إطار تشريعي يوضح اختصاصات مؤسسات الهجرة بدقة، ويضمن مساحات مهمة للتكامل والتعامل بينها ويمنع تعارضها وتضارب اختصاصاتها؛ خاصة في مجالات المصاحبة والإرشاد لخدمة الحاجيات التنموية، فغياب المهاجر عن أرض الوطن واختلاف الظروف في مجتمع الأصل عن الواقع المعاش في بلد المقصد يجعله جاهلا عن الحاجيات الأكثر إلحاحا لتحقيق التنمية في الوطن الأم عند تفكيره في إقامة مشروع استثماري خاص، ومن ثمة فتأهيل الإطار المؤسسي الحالي يجب أن يكون هدفه بناء مؤسسات قادرة على توجيه استثمارات المهاجرين لخدمة الحاجيات التنموية والقادرة على تعزيز الإنتاجية الاقتصادية فضلا عن الإسهام في خلق فرص الشغل.

إعادة النظر في نموذج الحكامة الخاص بمؤسسات الهجرة الحالية للرفع من نجاعتها وتكاملها:

لا جدال في أن مغاربة العالم معروفين بارتباطهم القوي بوطنهم ويُساهمون بتلقائية في تنمية وطنهم الأم المغرب، لكن هذه المساهمة تظل محدودة وعديمة الأثر، ولعل المدخل لتجاوز هذا المعطى هو مراجعة نموذج الحكامة الخاص بالمؤسسات الحالية الخاصة بالهجرة لتصبح قادرة على مواكبة المشاريع التنموية التي يقوم بها مغاربة العالم، وتذليل الصعوبات والإكراهات واحتواء مختلف الإشكالات التي قد ترافق تنزيل الاستثمارات والمشاريع التنموية التي يقوم بها مغاربة العالم بأرض الوطن.

ثانيا: تثمين الصلة مع مغاربة العالم في الخارج

إن رغبة المغرب في تحريك مساهمة مغاربة العالم في تنمية وطنهم الأم يُحتم عدم إهمال مصالحهم ومطالبهم الخاصة، وكذا توثيق صلتهم بوطنهم، على اعتبار أن الحفاظ على هذه الصلة يُعد اللبنة الأساسية التي من شأنها أن تُؤسس لدور تنموي فعلي للمغتربين المغاربة؛ وتحقيق هذا المعطى يفرض مضاعفة المجهودات في هذا الإطار، لتقوية الروابط وتعزيز الصلات من خلال الرفع من جودة العروض مع الحرص على ملاءمتها مع انتظارات مغاربة العالم ومن ذلك ما يلي:

دعم تمثيل المغاربة المقيمين في الخارج في الحياة السياسية بأرض الوطن:

وذلك من خلال تفعيل الاعتراف بحقهم وواجبهم في الانتخابات ودعم تمثيليتهم في المجال السياسي الذي حدد دستور 2011 المعالم الكبرى للرغبة الرسمية في تأطير إشراك مغاربة العالم في تدبير الشأن السياسي؛ فالفصل 17 من دستور2011 يعترف لمغاربة العالم بحقوق المواطنة الكاملة بما في ذلك حق التصويت والترشح للانتخابات، ومن أجل إشراكهم في صناعة السياسات العمومية التي تُقدمها الدولة لرعاياها في الخارج، وضمان الإصغاء الجاد لانتظاراتهم، وكذا إشراكهم في بناء سياسات مناسبة لتحسين مساهمتهم التنموية لصالح بلدهم؛ كما نجد أن الفصل 18 من دستور2011 يُؤكد على ضرورة التزام السلطات العمومية بضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في المؤسسات الاستشارية وهيئات الحكامة الجيدة في البلاد، وكل هذا يُعد من سبل توثيق الروابط السياسية لمغاربة العالم مع وطنهم الأم.

التحسين المستمر للخدمات العمومية التي تقدمها الدولة لمغاربة العالم:

من المآخذ المسجلة في تسيير العلاقة بين مغاربة العالم ووطنهم الأم هو تجاهل قضاياهم والتعامل معها بكيفية مناسباتية كشهر رمضان أو في عملية عبور، ومن أجل تجاوز هذا المنطق وبهدف توطيد الصلات بين الجالية المغربية ووطنها الأم أصبح من اللازم مضاعفة المجهود القائم حاليا في ما يتعلق بالتأطير الديني والتربوي الذي تسهر عليه وزارة التربية الوطنية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؛ وذلك بهدف تحقيق الأمن الفكري والديني لمغاربة العالم؛ وكذا تلقين أطفالهم اللغة العربية والثقافة الوطنية من أجل الحفاظ على الوشائج الإنسانية معهم وصيانة هويتهم الوطنية، من جهة أخرى أصبح من اللازم تحسين ظروف استقبال أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج في مواسم العودة ودعم إمكانيات تنقلهم وزيارتهم لبلدهم ولعائلاتهم بالعمل على تخفيض تكاليف التنقل؛ ومن خلال هذا النهج يُمكن للدولة أن توفر أموالا يُمكن استثمارها وتزيد من توثيق الروابط بين المهاجر ووطنه، من جانب آخر وفي سبيل التحسين المستمر للخدمات العمومية الخاصة بمغاربة العالم فالضرورة تحتم ملاءمة المساطر الإدارية لظروفهم من خلال رقمنة الخدمات القنصلية ووضع شبابيك خاصة رهن إشارتهم، لأن ذلك سيمكن من تسهيل إجراءات الحصول على الوثائق الإدارية والقضائية لصالح الجالية المغربية بالخارج.

تكثيف التفاوض مع الدول المستقبلة لمغاربة العالم:

من منطوق الفصل 16 من دستور2011 أخذت الدولة المغربية على عاتقها الدفاع عن حقوق مغاربة العالم في الدول المستقبلة، وآلية بلوغ هذه الغاية هي تكثيف الاتفاقيات الثنائية مع الدول المستقبلة لمعالجة مشاكل الهجرة وذلك بطريقة تُراعي المعايير الدولية وحقوق الإنسان للمهاجر، وأهمية التفاوض بين الدول والحكومات سيمكن أولا من زيادة المكاسب العائدة من الهجرة والتقليل من الآثار المترتبة عنها؛ كما جاء في التوصيات التي خلص لها تقرير اللجنة العالمية للهجرات الدولية في عام 2005، وثانيا سيمكن من الحصول على تنازلات من قبل دول الاستقبال والمرتبطة بحسن معاملة المهاجرين وتحسين ظروفهم، وفسح المجال أمامهم للعمل والاندماج في المجتمعات المستقبلة بما يخدم جميع الأطراف.

كخلاصة فالتنزيل الآني للتوجهات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد لجعل مغاربة العالم فاعلين في التنمية والتغيير أصبحت تفرض من جهة أولى تحيين الإطار التشريعي الخاص بالإطار المؤسسي للهجرة قصد تحديثه وتأهيله، ومراجعة نموذج الحكامة الخاص بالمؤسسات القائمة حاليا من جهة، ومن جهة ثانية مراجعة السياسات العمومية الخاصة بمغاربة العالم وجعلها تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم، وكل هذا سيمكن من تفعيل الدور التنموي لكل مغاربة العالم خاصة الكفاءات والطاقات المهاجرة، لأن المغرب في حاجة لكل أبنائه ولكل كفاءاته لتنميته وإشعاعه للتمركز في مصاف الدول ذات التنافسية المستدامة.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *