إنزال منبر جنيف : من الجودية إلي فرض الحلول
محمد الصادق
يبدو أن أمريكا وبعض شركائها سئموا من المشكل السوداني ويريدون أن يضعوا حدا للتسويف والمماطلة من طرفي النزاع ، ولذلك رأوا أن ينزلوا منبرا جديدا بجنيف علي منبر جدة ، ويبدو أن المنبر ظاهره التفاوض ولكن باطنه هو املاء حل جاهز علي الطرفين يكون محكما (حاكما على قرارات جدة) ، ففي جدة لم تحدد آليات التنفيذ ، ثم أنه أصبح واضحا أن الطرفين جلّ تركيزهما علي الحسم العسكري.
والحقيقة أن هذا المنطق مقبول لأن حل المشكلة بالتفاوض كان أسهل قبل الحرب وليس بعدها. فالآن وبعد أن دقّ الطرفان بينهما عطر منشم ، و(تفّوها قرض) كما يقول السودانيون لا بد من (كبير) يجبر الطرفين علي أن يسمعوا كلامه ، ومَن أكبر سبحان الكبير من أمريكا والسعودية التي هي الآن حكيمة العرب والأخت الكبري لكل الدول العربية ، وتدعمهما بعض الدول الأخري المهتمة بالشأن السوداني.
الآن وبعد ١٦ شهرا من الاحتراب الشديد المدمر ، وبعد لجوء ٣ ملايين ونزوح ١٠ مليون ليس من أي أفق للحلّ ، مع أن الحرب تتمدد ومآسيها تتفاقم ، وتصل تداعياتها لكل دول الجوار بل ولكل العالم لدرجة أن ذلك أصبح واضحا للعيان ، والآن الملايين مهددون بالمجاعة وتفشي الأوبئة ومخاطر كثيرة تتزايد يوما بعد يوم. ولذلك ليس غريبا على المجتمع الدولي أن يبحث بجدية عن الحل بعد أن فشلت كل الجهود الإقليمية والدولية في التهدئة بما فيها قرارات أممية صادرة من مجلس الأمن الدولي.
لكن في الإتجاه المعاكس ، قد يتمسك الجيش بتطبيق مخرجات جدة المتشابهة ، ولذلك ربما يقرر عدم المشاركة ، وهذا سينظر له علي انه إصرار علي موقفه بمواصلة القتال حتي النهاية !! .
الجيش بالتالي يدخل نفسه كمتحد للمجتمع الدولي فكأنما يقول له (اعلي ما في خيلك اركبه) وأصحاب هذا الرأي يعولون علي ميل المجتمع الدولي مؤخرا لعدم التدخل في شؤن الدول ، ويهتدون بكثير من التجارب مثل تجربة النيجر التي تم فيها غض الطرف عن التغيير الذي حدث ، وكذلك تجربة سوريا والتي لم يتغير فيها النظام رغم التدخل الذي حدث والتي نجح فيها الأسد في استمالة روسيا لصالحه. كذلك هناك تجربة اليمن وايضا عودة طالبان لحكم افغانستان ، فكل هذه التجارب تشترك في أن التدخل لم يؤدي إلى شيء ، هذا بالإضافة إلي أن التدخل مكلف ، كما أن العالم مشغول بقضايا وأزمات أخري.
لكن من ناحية أخرى هناك عوامل جديدة قد تغير المعادلة السابقة ،
فروسيا التي حمت عرين الأسد مشغولة الآن بأوكرانيا ، وفي شبه موقف الدفاع ، ثم هناك حسابات الانتخابات الأمريكية والرغبة في اتخاذ مواقف صارمة في السياسة الخارجية بعد اخفاقات افغانستان ، كذلك نحن نري أن منطق القوة واستعراض العضلات قد عاد مرة اخري ، ففي ساحة الحرب الاوكرانية يتم إستعراض عضلات وتجريب كثير من المنظومات الهجومية والدفاعية ومنظومات المراقبة والاستطلاع ، والآن حرّكت امريكا حاملات طائرات وغواصات (لنكولن وجورجيا) نحو المنطقة ، علي خلفية التوتر بين إسرائيل وإيران وحلفائها ، وغير مستبعد أن يكون النزاع في السودان جزء من هذا المولد ، خاصة وأن لدينا حسابات قديمة مع امريكا، فقبل عامين دفعنا لها غرامة عن حادث المدمرة كول ، ونحن نذكر أنه حينما تم عقاب طالبان عام ١٩٩٨م علي تفجير السفارتين ، نالنا جزء من العقاب بضرب مصنع الشفاء ، ولم يكن لنا ذنب ، وإنما عوملنا فقط بمنطق العسكر : (الشر بيجمع) !! .
□■□■□■□■
>>> تذكرة متكررة
نذكّر بالدعاء علي الظالمين
في كل الأوقات .. وفي الصلاة
وخاصة في القنوت
بعد الركعة الثانية
في الصبح (سِراً)
علي الذين سفكوا الدماء
واستحيوا النساء
واخرجوا الناس من ديارهم
وساموهم سوء العذاب
وعلي كل من أعان علي ذلك
بأدني فعل أو قول
(اللهم اجعل ثأرنا
علي من ظلمنا)
فالله .. لا يهمل
ادعوا عليهم ما حييتم
ولا تيأسوا..
فدعاء المظلوم مستجاب
ما في ذلك شك :
{قُلۡ مَا یَعۡبَؤُا۟ بِكُمۡ رَبِّی
لَوۡلَا دُعَاۤؤُكُمۡۖ} .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة